الجدل العقيم… وقضية قتل الزوجات
د. سلوى الخليل الأمين
لا أيها الرجل… لست مخوّلاً بإنهاء حياة زوجتك برصاصات قاتلة من دون رفة جفن!
ولست أنت المخوّل زهق الروح التي حرّم قتلها ربّ العالمين. فاللحظة التي أثارت قوتك وظننتها بداية الخلاص، ستكون حتماً درب النهاية لحياتك التي لوّنتها بدم ساره… ونسرين ومنال وفاطمة ورقية ورلى وبعدهن من؟ لا ندري؟
هل تظن أنّ روح زوجتك المقتولة غدراً برصاصات حقدك الأعمى، سترشقك بطهارة قلبها من جديد، فتعفو وتغفر وتسامح من منطلق أنّ سلوكياتها الحسنة وتربيتها الراقية وأمومتها المتخمة بالعاطفة، قد تصلح من جديد ما أفسده الدهر في ضميرك الملوّث بالسواد.
ألم تعلم يا هذا أنّ ساره الأمين الزوجة الشهيدة المظلومة، هي المرأة التي منحتك الحب النظيف والشفيف، فأخلصت لك ولأولادها، وكانت مكافأتها زهق روحها بسبعة عشر رصاصة قاتلة، أفرغتها بحقد على أمّ أولادك والزوجة الوفية، من دون رحمة أو شفقة، أو التفاتة إلى مصير أولادك الذين أورثتهم الحقد عليك مدى الزمان! أهذا هو مقدار الحب الكبير والوفاء العظيم الذي قدّمته لساره التي تحمّلت جورك وظلمك وشراستك وغدرك والعذاب الدائم الذي عاشته معك وخبّأته في صدرها حرصاً على مشاعر أبيها وأمها اللذين أحبتهما حتى النفس الأخير، وحرصت على عدم إزعاجهما بمشاكل حياة زوجية اختارتها بنفسها وتحمّلت مطبّاتها من دون أدنى همسة، وتزعج خاطر الأمّ الملتاعة التي حملتها في رحمها، قرب قلبها، تسعة أشهر، ومن ثم هدهدتها حتى أصبحت عروساً تليق بالشاب الذي كان حلم أبيها وأمها، فإذا هو القاتل الذي حطم الحلم الذهبي لعائلة، طالما آمنت بالحب والوطن والعدالة والقيم.
مشكلة ساره التي كان لها قلب طفلة طاهرة بريئة أنها تغاضت عن أخطاء الزوج المخادع، فقد صدّقت توبته الأخيرة التي كانت رصاصات قضت على حياتها وحياة أسرة بكاملها. لقد كانت خدعة الزوج الشرير والمجرم معدّة إعداداً محكماً، عن سابق تصوّر وتصميم، لهذا رمى الغفران على مسامع الجارة التي نقلته إلى ساره، فرقّ قلبها، خصوصاً والمناسبة عيد ميلاد ابنتها دانا البالغة من العمر سبعة عشر ربيعاً.
عادت ساره مسالمة إلى البيت الزوجي، ولم يكن يخطر في بالها أنّ عودتها إلى أحضان أولادها ستكتب النهاية لحياتها الربيعية! لأنّ عاطفة الأمومة أعمتها عن كلّ سيئات الزوج القاتل، فكان قرار العودة إلى منزلها إكراماً لإبنتها دانا، بحيث لم تسمح لنفسها بالتغيّب عن الاحتفال بمناسبة عيد ميلادها… وكلها أمل أن يتغيّر الزوج، وهذا ما تمّنته خلال مخابرة هاتفية أجرتها مع الجارة التي أقنعتها بالعودة إلى منزلها الزوجي بعد أن غادرته قبل شهرين، بعدما طفح الكيل واكتوت بنار الصبر، لهذا كان القرار الصعب، ألا وهو رفع الشكوى ضدّه، بعد معاناة استمرّت عشرين عاماً.
ترى، ألا يحق لساره أن ترفع الصوت عالياً بعد كلّ هذه المدة الزمنية التي قضتها صابرة وصامتة ومتأملة بالتغيير؟ عبر مراهنتها على وجود الأولاد علهم يغيّرون في الأب ما لم تستطيع هي أن تغيّره في الزوج، في سلوكياته السادية القائمة على العنف، لكن خاب الظنّ فكانت القضية المأساة التي هي قتل الزوجة ساره ببرودة تامة.
هنا ربما على كلّ مواطن في لبنان أن يسأل، من يحمي بناتنا في المستقبل من تعنيف الأزواج والقتل، والكلّ يعلم أنّ الزواج غرفة مغلقة لا يكتشف سراديبها إلا مَن يدخلها، والدخول قد يكون آمناً وقد يكون خطراً، المسألة مسألة حظ، وليست مسألة قائمة على عراقة العائلة وقدرها وسلوكياتها ومستوى أخلاقياتها، فكم وكم من زوج قاتل يجلب العار لعائلته وبني جنسه ووطنه حين إقدامه على ارتكاب جريمة قتل الزوجه! علما أنّ الطلاق خصوصاً عند الطوائف الإسلامية، وإنْ كان من أبغض الحلال إلا أنه يحلّ كلّ مشكلة حين تتعقد الأمور بين الزوج والزوجة. أما أن يعتبر الرجل أنّ المرأة ملكية خاصة له يتصرّف بها كيفما يشاء فهنا على المجتمع أن يعيد من جديد النظر في المفاهيم التربوية والدينية والسلوكية، وكيفية إنهاء مسألة الذكورية التي يتربّى عليها الصبي في مجتمعاتنا الشرقية، التي ما زالت تتماهى مع حالات تفضيل الصبي على البنت وإعطائه مسألة القوامة في المنزل على أخته ومن ثم على زوجته وفي الحياة العامة، وهنا بيت القصيد.
فالثقافة التربوية هي الأساس في بناء العائلة، والعائلة هي الركن الأساس في بناء الأوطان، وأي مجتمع لا يقوم ولا يرتقي ولا يطوّر ومفاهيمه التربوية في دركها الأسفل من حيث الذكورية المسيطرة، التي تتحمّل المرأة جزءاً كبيراً من مفاعيلها وانتشارها وسلبياتها، والسبب هو النظام التربوي اللامتوازن الذي يعكس مضامينه على العائلات، التي تلجأ تلقائياً إلى التفرقة بين البنت والصبي منذ بداية العمر، فالبنت لا يمكن أن ترث الزعامة في وجود الصبي، ولا يجوز أن تطلب الشاب للزواج ولا أن تصارحه بحبها النقي، لأنّ هذا الفعل يتمّ وضعه في إطار السلوكيات اللاأخلاقية، والبنت لا يحق لها إكمال تعليمها إذا كانت ظروف الأهل لا تسمح فالصبي هو المفضل وهو المستحق لأنه مستقبلاً هو رب العائلة، والمرأة غير مسموح لها أن تتبوأ المراكز القيادية في الوطن «شو ما في رجال»! والجمعيات النسائية تسعى جاهدة لإثبات وجودها على الساحة السياسية في لبنان لكن من دون جدوى، فالقرار بيد الرجل، كما انّ النساء المعنّفات من قبل أزواجهن لا تستطيع الدولة إقامة الحدّ عليهم بجعل قرار الإعدام عبرة لمن اعتبر…
الأمثلة كثيرة في هذا المضمار.. والمعتقدات الاجتماعية تقوم على أنماط سلوكية متوارثة، تظلم المرأة كما تظلم الرجل، فكلاهما ضحية إذا لم يتمّ الانتباه إلى وضع أسس جديدة للتربية، من خلال التوعية المستدامة على السلوكيات والقيم والمبادئ الأخلاقية والانضباطية، التي ترسم حدود المسارات للشاب والفتاة وفق معايير تنافسية، ينتجها العقل المحصّن بالثقافة والمعرفة القادرة على تقبّل الخلاف بروح رياضية، ولديها القدرة على تقبّل الآخر المختلف ببيئته وأسلوب تربيته وحياته، وعبر العمل على فهم ما يدور وما يطرح من خلال نقاش ودّي، يمهّد لمساحات من التلاقي والبحث عن الرؤى الإيجابية، التي تساعد الذكر والأنثى في بناء حياة معافاة محصّنة من الأخطار.
فالعنف هو حصيلة المجتمع الذكوري الذي يمارس الخطأ منذ البدايات بحق الشاب والفتاة على حدّ سواء، علما أنّ الشرائع السماوية لم تفرّق في العبادات بين الذكر والأنثى، وكذلك القوانين الوضعية، فالمواطن أكان ذكراً أم أنثى له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، لكن المطلوب هو العقاب والعدالة، فالقتل ليس معزوفة يرقص عليها الرجل للحصول على مبتغاه الذكوري، كما أنّ تعنيف المرأة ليس سلوكاً حضارياً في زمن بات فيه العالم مشرّع الأبواب وباستطاعة الجميع الدخول منها من أجل الغب من المد الحضاري المتطور باستمرار. أما تبرير القتل وتعنيف المرأة واستنهاض ذكورية الرجل فهو أيضاً داء قاتل على الرجل أن يتخطاه لأنّ المرأة في النهاية هي أمه وأخته وابنته، وما يرضاه لهن يجب أن يرضاه لزوجته، إضافة إلى أنه من الواجب إنهاء مسألة الجدال العقيم القائم حالياً وخصوصاً عبر وسائل الإعلام المرئي من حيث اختلافهم ما بين مؤيد للقصاص ولمنع العنف ضدّ المرأة وبين مدافع عن حق الرجل بذكورية متسلطة تكمن في طياتها خطورة ارتكاب فعل الجريمة من جديد حتى لو كانت النيات صافية وسليمة.