منحوتات ورسوم تحمل أحزان الناس وهموم الوطن… إنّما كذلك التفاؤل بالمستقبل

دمشق ـ محمد طحان وميس العاني

يعاني الفن التشكيلي السوري من الظروف التي تشهدها سورية منذ أكثر من ثلاثة أعوام، مثل القطاعات الثقافية الأخرى، إذ أغلق العديد من صالات العرض الخاصة، واقتصرت المعارض على ما تقيمه وزارة الثقافة كمعرضي الخريف والربيع السنويين بالإضافة إلى المعارض التي تستضيفها المراكز الثقافية.

يعتبر قطاع الفنانين التشكيليين الشباب أكثر قطاعات هذا الفن تأثراً بالأزمة في سورية نتيجة محدودية الفرص أمامه في عرض ودعم منتجه الفني، خاصة أن معظم الفنانين الشباب يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام والدعم في بداية مشوارهم الفني، ليتمكنوا من تحديد وجهتهم التشكيلية وصوغ شخصيتهم الخاصة. ولعلّ أكثر ما كان واضحاً لناحية الأزمة في الفنانين الشباب هو اقتراب مواضيع أعمالهم من الواقع اليومي المرير فاتجه كثر منهم إلى التعبير عن ألم الإنسان السوري من خلال العمل الفني وبأساليب متنوعة. الفنان فواز سلامة المتخصص في رسم البورتريه يعتبر أن العمل الفني ضمن الأزمة أخذ منحى مختلفاً عن الفترة الماضية لدى معظم الفنانين، فأضحى أقرب للواقع ينقل ما نعيشه مبيناً أن لوحاته كانت وما زالت تعبر عن شخوص البيئة السورية المحلية، ومن خلالها يحمل إلى مشاهد همه وحزنه.

النحاتة رنا حسين ترى أن الأزمة أثرت في الفنان التشكيلي السوري فحسب لناحية التحرك في عدد المشاركات، فباتت الفرص أقل لتقديم التجارب والأعمال الفنية، والمعارض أمست محدودة، معرضين سنوياً لوزارة الثقافة، معتبرة أن التفاؤل هو العنوان العريض لعمل معظم الفنانين التشكيليين، خاصة أن المستقبل الأفضل بدأت ترتسم ملامحه في الأفق.

هنا تقفز إلى الواجهة المعاناة المادية التي تكبل أغلب الفنانين الشباب بعد تخرجهم، فالعمل في الفن التشكيلي يستلزم تكاليف مادية باهظة، خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الخام اللازمة لتنفيذ أي عمل تشكيلي، وهذا بحد بذاته خلق تحدياً كبيراً أمام هؤلاء الشباب.

الخزاف الشاب مصطفى أنطاكي يقول إن الأزمة أثرت في الفنانين الشباب كثيراً لناحية ارتفاع أسعار المواد اللازمة للعمل الفني، ما دفعه إلى استخدام مواد أرخص وبسوية أقل من المطلوب أو استبدال الخامات المطلوبة بغيرها لمواءمة التكلفة مع الإمكانات المتوافرة للوصول إلى نتيجة مقبولة وغالباً ما كانت تلك البدائل ناجحة.

ويوضح أنه يحاول الاشتغال على فكرة النحت بالخزف لتقديم أفكار جديدة بتقنية مبتكرة، وفي حال لاقت هذه التجربة إعجاب الناس والدعم المطلوب يستمر فيها أو سيعود للعمل بتقنية الخزف التقليدي، لافتاً إلى أن انحسار فرص العرض أمام التشكيليين الشباب يدفعهم إلى إيجاد بدائل مثل الملتقيات والورشات الجماعية والعمل مع الجمعيات الأهلية في نشاطات اجتماعية فنية.

الفنانة رهف مرتضى، خريجة قسم التصوير الزيتي، تقارن بين خريجي كليات الفنون الجميلة الذين عملوا قبل الأزمة وأتيحت لهم فرص أكبر ليقدموا أعمالهم للناس، والخريجين في هذه الفترة الذين يبحثون عن أي ملتقى أو مسابقة أو معرض لتقديم ما لديهم، مؤكدة أن هذه الظروف لم توقف الفنانين الشباب عن العمل وسيظل التفاؤل يشجعهم على الاستمرار.

إياد الحموي يرى في معارض وزارة الثقافة وما تقدمه من دعم مادي فرصة جيدة للفنانين الشباب معتبراً أن المعرض السنوي يشجع الشباب على العمل، كما أن المردود المادي الذي يمكن أن يأتي في نهاية المعرض يعتبر داعماً للفنانين الشباب، موضحاً أن الفنانين الشبّان ينتظرون أي فرصة للعمل وتقديم ما لديهم إلى الناس.

توافقه في الرأي النحاتة ديما سليمان، فمعرض الربيع يعطي الفنانين الشبّان دعماً ودفعاً إلى الأمام، مشيرة الى أنها كفنانة شابة تخرجت حديثاً يجب أن تصرّ على العمل وتقديم الإبداع لتطوير المجتمع، رغم كل الصعوبات، من دون أن تؤثر الأزمة وظروفها عليها.

حول تأثير الأزمة في مواضيع الفنانين الشباب يقول الفنان التشكيلي الشاب سامي الكور إن للفنان حساسية عالية إزاء ما يحصل حوله، فالأزمة خلقت دافعاً أكبر للعمل وجعلت ريشته تحلق في عوالم مختلفة، فالحياة في رأيه يجب ألا تتوقف وعليه كفنان الاستمرار في العمل. ويضيف الكور أن الشعور الذي يختزنه في داخله من حزن وغضب وألم بات يظهر على لوحاته بأشكال مختلفة كاختيار الموضوع واللون والفكرة.

أما الفنانة نيفين سيف فتشير إلى أنها اختارت فكرة الموت في إحدى لوحاتها الأخيرة كانعكاس للأزمة التي نعيشها ولما عاناه السوريون منذ ثلاث سنوات، موضحة أنها جسدت الموت في لوحاتها بكونه انتقالاًإلى أفضل وأجمل وليس مثلما يعتقده البعض نهاية.

أما الفنانة خولة العبد الله فلا توافق زميلتها وتقول إن الأزمة جعلتها تعتمد في لوحاتها على تجسيد فكرة الأمل بالخلاص، فأضحت مواضيعها أكثر تفاؤلاً وألوانها أكثر فرحاً أملاً في الخلاص من الأزمة. وتوضح العبد الله أن الشعب السوري أرهق من تداعيات الأزمة، لذلك على الفنان التشكيلي أن يلعب دوراً مختلفاً بإيقاظ الحياة في نفوس الناس وبعث الأمل من خلال لوحاته.

الفنانة كارولين سمرجيان تعتبر أن المساحة البيضاء التي تمثلها اللوحة هي مسرح لتجسيد إحساسها وشعورها، وتختار الألوان البراقة مثل الأصفر والبرتقالي لتجسد فكرة الأمل بالحياة التي لن تنتهي لأن الخلاص قريب. وتصف سمرجيان حالتها عندما ترسم في تنسى كل ما حولها من ألم وتحاول أن تعكس الفرحة والابتسامة على لوحتها، لتخرج من حالة الحزن وتجعل كل من يرى لوحاتها في حالة من التفاؤل.

أما الفنانة عزة حيدر فتعتمد في مواضيعها على ترك مساحة لخيال المتلقي لتفسير وتحليل ما يراه، موضحة أنها أصبحت ميالة إلى الهدوء والسكينة في أعمالها، لإعطاء حالة من الراحة للمتلقي والتخفيف من شدة الضغط النفسي الذي نعانيه باختيار الألوان والمواضيع الهادئة مثل تجسيد الطبيعة.

الجهد الذي يبذله التشكيليون الشباب ذاتي منبعه الإصرار على إثبات الذات والرغبة في الوصول إلى غايتهم كفنانين يريدون تقديم رؤيتهم وأفكارهم وموهبتهم، وهو جهد مرهون بالفرص الحقيقية التي تتاح لهم وبالدعم الذي يجب أن يتلقوه من المؤسسات الرسمية والفعاليات الثقافية الأهلية، ما يرتّب على المعنيين بالشأن الثقافي إيلاء الجهود الممكنة كلها لتوفير فرص العمل والاستمرار لهؤلاء الشبّان، لضمان تطورهم وتفعيل عملهم في المجتمع، ما يعود بالفائدة على الوطن كلّه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى