تجدّد الأزمة الأوكرانية حيلة أميركية جديدة
توفيق المحمود
تعود الأزمة الأوكرانية لتظهر مجدداً على الساحات الدولية في ظل تأزم العلاقات الروسية الأميركية وحليفها الغربي، وبخاصة بعد التصريحات التي أطلقها الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمر صحافي عقب قمة الدول السبع التي عقدت في ألمانيا، مؤكداً أن شركاءه الأوروبيين سوف يؤيدون تمديد العقوبات على روسيا، حتى تنفذ اتفاقات مينسك بالكامل، ما يعني أن العقوبات ستمدد بعد شهر تموز المقبل. ومن جانبها أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل إن قادة مجموعة السبع على استعداد لتشديد العقوبات على روسيا، في حال ازداد الوضع في شرق أوكرانيا سوءاً.
هذا التصعيد لم يعد خافياً على مدى الخلافات الأميركية – الروسية بشأن عددٍ من القضايا والأزمات الدولية، أكثر هذه الأزمات خطورةً وتعقيداً وما جرى في أوكرانيا في الأشهر الماضية خير دليل، فأوكرانيا تمثل عصباً حيوياً بالنسبة إلى الاقتصاد الروسي وامتداداً جغرافياً وبشرياً طبيعياً لموسكو، هذه الأبعاد الاستراتيجية استدعت تدخل الدب الروسي والسيطرة على القرم، تدخلٌ يتيح لموسكو حماية أسطولها البحري المرابط على البحر الأسود وتأمين حدودها الغربية من زحف «الناتو». هذه الخطوة الروسية أثارت غضب الغرب، فسارعت الولايات المتحدة إلى فرض عقوباتٍ على روسيا في محاولةٍ منها لعزلها عالمياً وعرقلة صعودها مرةً أخرى كقوةٍ منافسةٍ لها، فأميركا وأوروبا عدتا ضم القرم غزواً يمثل انتهاكاً للقانون الدولي، ومخالفاً لميثاق الأمم المتحدة، فيما رأت روسيا أن تدخل الغرب في الأزمة الأوكرانية من خلال دعمه للانقلاب في أوكرانيا ما هو إلا محاولةٌ لخرق الخطوط الحمر للأمن القومي لروسيا، لكن في كانون الثاني الماضي تم عقد اتفاق مينسك الذي تم توقيعه في بيلاروسيا بين روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا ما خفف حدة هذه التوترات، ومن ضمن بنود الاتفاق وقف إطلاق النار في مقاطعات شرق أوكرانيا، وضرورة التقيد به في شكل صارم وسحب الجانبين جميع الأسلحة الثقيلة مسافة متساوية بهدف إنشاء منطقة أمنية عازلة من خط الفصل الحالي بالنسبة إلى القوات الأوكرانية ومن خط الفصل الذي حدد في أيلول بالنسبة لقوات دونباس، لكن سرعان ما بدأت كييف بالتراجع عن هذا البند فقد أعلن إدوارد باسورين، نائب رئيس أركان قوات الدفاع الشعبي في جمهورية دونيتسك في 6 حزيران أن القوات الأوكرانية مستمرة في نقل الأسلحة الممنوعة حسب اتفاقات مينسك إلى خط التماس في ظل التطبيق الدقيق للقوات الشعبية للاتفاق، وباعتراف الجميع هذا التراجع واكبه أيضاً تراجع كييف عن الحل السياسي بإعلان رفضها الإصلاح الدستوري واحترام حقوق سكان دونباس الروس، فينص أحد بنود الاتفاقية على إجراء الانتخابات المحلية وفق الدستور الأوكراني وقانون نظام الحكم الذاتي الموقت في مناطق محددة من مقاطعتي دونيستك ولوغانسك، لكن تدهور وضع قادة الانقلاب في اوكرانيا وخشيتهم من الخسارة السياسية اذا وافقوا على الحل السياسي جعلهم يماطلون في شكل كبير في تطبيق هذه البنود ويرافقها أيضاً معاناة أوكرانيا من انهيار قياسي لاقتصادها، والبلاد على حافة الإفلاس ساهم ذلك في تنامي المتطرفين الكاثوليك في السلطة.
ورداً على تصعيد حكومة كييف دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي الاثنين الغربيين إلى منع انتكاسات تؤدي للعودة إلى القرارات العسكرية، فلا يمكن التوصل إلى تسوية للأزمة بالوسائل السلمية إلا بجهود مشتركة يبذلها جميع الأطراف ذات التأثير على طرفي النزاع من أجل تطبيق اتفاقات مينسك، وذلك لأن البديل الوحيد هو السيناريو العسكري الذي تذكره كييف من وقت لآخر. وأشار لافروف إلى أن التصعيد الأخير في دونباس جاء قبيل انعقاد قمة الدول السبع وأن تصعيد الوضع لأقصى درجة قبل انعقاد هذه القمة لإبقاء العقوبات على روسيا. واعتبر الشركاء الغربيون أنهم أصبحوا رهائن لتصرفات كييف، بسبب ربطهم بين العقوبات وتنفيذ اتفاقات مينسك.
الأزمة الاوكرانية اليوم والتي وجدت من أجل تحجيم روسيا التي تقطع الطريق على مصالح اميركا والغرب وتشكل نداً لمصالحهم أمام تفرد التكتل الأخير في السياسة الدولية هو السبيل الوحيد المتبقي للضغط على روسيا، فوسط كل المساعي لحصارها باءت بالفشل فالدب الروسي يعتبر المسألة الاوكرانية تهديداً واستهدافاً لمصالح وأمن روسيا مباشرة، وسط اجواء تشوب المنطقة تشتبك فيها المصالح الاميركية والروسية في شكل محتدم.