صراع الوجود… يسابق المحظور
لؤي خليل
هل تحسم المعركة العالمية على الأرض السورية؟ سؤال بات يهزّ أكبر عواصم المنطقة، أم سينتقل هذا الصراع إلى أكثر الدول التي ظنت أنها بعيدة كلّ البعد من كرة اللهب؟ وهل توقع هؤ ء يوماً ما أن حربهم ستنحصر بحدود رسموها هم بمحيط مصالحهم النفطية فقط؟
أم أنهم دخلوا هذه المرة في المحظور الروسي، إذ تؤكد جميع التقارير أن الصراع هذه المرة انتقل ليصبح هجوماً وجودياً، وأصبحت شركات الصراع الرئيسية في أميركا تدرك أن صراعها مع هذا المحور لم يعد مجرد سيطرة على بقعات نفطية أو خطوط تقوّض النفوذ الروسي أو محاولة للسيطرة النفطية على إيران وخط السيل العربي، فالشركات النفطية العالمية الكبرى التي تضخ بأموالها الهائلة للإرهاب بحسب النظرية الطالبانية في أفغانستان وحربها آنذاك، عن طريق تدمير البنية التحتية والتقسيم، للسيطرة على المنابع والاقتصاد لم تعد تجدي حالياً، فالعهود الأميركية السابقة واعتمادها على عقود تسلح كبرى مع الدول الضعيفة كدول الخليج لم تعد تجدي حالياً، هذه المحظورات التي كانت تمنع الحلف الآخر وخصوصاً الروسي والصيني من الدخول مباشرة أو حتى من الدخول المباشر على خط المواجهة مع الحلفاء في إيران وسورية، لم تعد موجودة اليوم مع الخطر الوجودي الذي بات يهدد هذا المحور بتفاصيله الإنسانية والاقتصادية بل وحتى الكيانية، واللعب الغربي على وتر الكيانات سواء في أوكرانيا أو الإيغور الإسلاميين في الصين، وصولاً إلى الإقليم الإيراني، لم يعد يمسّ مجموعة محظورات أو تركيبات استخباراتية تتعلق بحلّ ملفات رئاسية أميركية أو إرضاء شركات نفط أو عقود تسليح مقابل النفط وإعادة الإعمار.
فالأمور تخطت محظورات كان يرسمها أي رئيس أميركي لسياسته وأصبحت تدخل في مسائل الوجود الكبير لحلف بكامله، هذا ما كانت رسائله واضحة في كلام السيد حسن نصرالله منذ أيام حرب تموز الأولى حين أعلن أن معركة الجنوب هي معركة وجود مع الكيان «الإسرائيلي»، وكان يدرك حينها أن الهدف الأكبر كان الغاز اللبناني والفلسطيني، والآن ندرك أن الحرب هدفها الأكبر تخطى خطوط محظور اللعبة النفطية إلى الخطر الذي يهدّد بنيان أمة بكاملها، فلأول مرة بات السوري والإيراني يسابقان العالم في صنع قرار المعركة وتوقيتها، ودفع الروسي والصيني إلى إعلان المواجهة وبشكل أكبر ولأول مرة أيضاً يجرى تخطي ما يسمى العقبة «الإسرائيلية» روسيا في ما يتعلق بالسلاح ونوعيته ضمن هذا المحور، ولم يعد السؤال هل ستدخل روسيا في معركة مع الغرب، بل أصبح إلى أي مدى ستواجه روسيا هذا الخطر الوجودي الذي بات يهدد كيانها ولو بلغة أخرى؟
وبالتالي، من الغباء القول إن روسيا ستتخلى عن سورية لمصلحة تكتل أو اتفاق معين، فالإيراني بات اليوم أقوى من أي لحظة مضت باتفاقه النووي والسوري والمقاومة يصنعون الانتصارات يوماً بعد يوم.
فالحرب الوجودية بدأت مع أيام الحرب الأولى على سورية، وبات على الأميركي اليوم أن يتلقى الضربات والإخفاقات مع شركاته أكثر، لأنها ستكون ضربات للحلف متنقلة وغير محصورة بمحظورات أميركية معينة في السياسة، فالروسي أيضاً تجهز للرد أكثر، وانطلاقاً من الأرض السورية، أما الحلف المقاوم فأعلنها بلسان السيد حرباً في كل مكان نعم المراقب الذي يدرك ما يعني كل مكان يتطلب منا أن نكون.
كل مكان تتطلبه معركتنا الوجودية وهذه المرة قد يكون هجوماً عنيفاً قد يزيل جميع الأحلام الأميركية في الشرق، بدأ يظهر في حرب اليمن التي تحرق الخليج بطريقة تقسمه قبل غيره.
هذه الحرب الوجودية كان على الغرب منذ البداية أن يرسم خطوطها، لأن انتصاراً مثل هذا لحلف المقاومة لن تتخلى عنه روسيا والصين، انتصار سيعيدها سياسياً وعسكرياً إلى نصف العالم، هذا ربما لم يكن يدركه الغرب أو من الممكن أن يكون قد أدركه ولكن متاخراً، مع بداية النفوذ الإيراني الكبير في اليمن والصمود السوري الذي يعدّ بحد ذاته نصراً، وربما ظهر أخيراً بمحاولات التقارب الغربية مع الروسي والإيراني، والكل تهافت ليعتقد أن هناك تغيراً حدث في السياسة الروسية والإيرانية، ولكنه ارتد خائباً وأكثر ثقة بأن هذا الحلف غير قابل للمعادلات في حرب كهذه، بل أصبح مدركاً أن من يحتاج للتغير هو سياسته الغربية أو سياسة قائده الأميركي الذي بات يحتاج إلى رئيس أكثر قدرة على الثقة والتشدد في اتفاقاته ليكسر حاجز الجمهوريين وغيرهم ويكبح شركاته التي أدخلته حرباً وجودية في نظرية تقسيمية بائسة لن تتخطى الخطوط النظرية لأنها مستحيلة التنفيذ، هذا السبب الكبير للاندفاعات الإرهابية «الإسرائيلية» مع الحرب الوجودية التي تهدف للغرق في التقسيم لإنهاك الحلف المقاوم قبل انتصاره الذي سيعني نهاية الكيان الصهيوني، وهذه الشيفرة الأكبر التي تضمنها خطاب السيد نصرالله عن الحرب الوجودية مع جميع هذه الأقطاب الوهابية الصهيونية.