الوهابيون ذاهبون نحو النووي… حرفيّاً
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
لم تكد واشنطن والدول الستّ الكبرى تقترب من إبرام اتفاق مع إيران حول برنامج الأخيرة النووي، حتّى جنّ جنون دولتين في هذا العالم: الكيان الصهيوني، ومملكة الرمال الوهابية. فسارعت الأولى عبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إلى عرقلة هذا الاتفاق قبل أن يلد، عبر تأليب الكونغرس الأميركي على الرئيس باراك أوباما، والتلويح بحرب ضدّ إيران. أما الثانية، فسارعت إلى الإعلان عن شهيتها المفتوحة حيال امتلاك أسلحة نووية، أما الوجهة فإسلام آباد.
والحقيقة تقول إن هذه الشهية ليست وليدة هذه الأيام، إنما منذ سنوات خلت. ففي عام 2009، صدر مرسوم ملكي سعودي جاء فيه أن «تطوير الطاقة الذرية يعدّ أمراً أساسياً لتلبية المتطلبات المتزايدة للمملكة للحصول على الطاقة اللازمة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة وتقليل الاعتماد على استهلاك الموارد الهيدروكربونية». وفي عام 2011، أعلِن عن خطط لإنشاء ستة عشر مفاعلاً للطاقة النووية على مدى السنوات العشرين المقبلة بتكلفة تبلغ أكثر من 80 مليار دولار. وستقوم هذه المفاعلات بتوليد ما يقارب 20 في المئة من الكهرباء في السعودية، بينما كانت ستخصص المفاعلات الأخرى ـ الأصغر حجماً وطاقة ـ لتحلية المياه.
وعلى هذا النحو، فإن الخطط النووية المدنية في المملكة العربية السعودية مماثلة في نطاقها لبرنامج الطاقة النووية الإيراني المعترف به. ويمكن لكلا البلدين أيضاً ادّعاء المنطق الاقتصادي نفسه ـ بأن توفير الطاقة الكهربائية المنتجة بواسطة الطاقة النووية لعامة السكان يسمح بتصدير المزيد من النفط والغاز الطبيعي إلى الخارج، ويساهم في عائدات الصادرات والإيرادات الحكومية. إلا أن المملكة العربية السعودية ـ بخلاف إيران ـ تفتقر إلى أيّ بنية تحتية نووية. فمؤسستها النووية الوحيدة هي «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة».
ومنذ عام 2003 على الأقل، حافظت المملكة العربية السعودية دوماً على تبني استراتيجية نووية عسكرية مبطنة. فقد أشارت بعض التقارير إلى أن المملكة تدرس إما الحصول على سلاح نووي رادع خاص بها أو تشكيل تحالف مع قوة نووية حالية من الممكن أن توفر الحماية لها، أو التوصل إلى اتفاق إقليمي لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مناقشة هذه الخيارات تزامنت مع القلق المتزايد من خطط إيران النووية، الأمر الذي يتناقض مع موقف «إسرائيل» ـ التي يقال عنها بأنها طوّرت أسلحة نووية في أواخر ستينات القرن الماضي.
بين أيدينا اليوم تقريران، الأول يتحدث عن نيّة الوهابيين الأكيدة في امتلاك سلاح نوويّ، والثاني يتحدّث عن أضغاث أحلام، تكمن في تقسيم سورية، كطريق إلى الحل المنشود.
كتب بيبي إسكوبار لـ«Information Clearing House»:
إن إمكانية توقيع اتفاق نووي جدّي وخطير بين إيران والدول الستّ، لا يبعد سوى أيام قليلة عن تاريخ 30 حزيران.
فلْنخمّن سوياً حجم جنون العظمة اللانهائي في قصر آل سعود: استحواذهم على القنبلة النووية في مواجهة «القنبلة الإيرانية غير الموجودة أصلاً»، اشمئزازهم المستميت لطهران، مقتهم شخص مرشدها الأعلى آية الله خامنئي الذي تعتبره بعيداً عن الإسلام، وتخوّفهم من أن تكون علميات التفتيش الصارمة جزءاً من اتفاق نووي نهائي.
وكما سرّب الناطق الرسمي للبنتاغون عن تقرير لروبرت مردوخ، أن البيت السعودي مستعدّ لشراء قنبلة نووية من باكستان. ولهذه التسريبات الإعلامية هدف واضح: فالأمير الوليد بن طلال هو أحد أكبر المساهمين في «News Corporation».
أما الإجابة على سؤال: لماذا هذه التسريبات الآن؟ فهو واضح للغاية، ومع ذلك، فإن المجرم الإقليمي يبدو أكثر ضبابية واكفهراراً.
وفي الوقت الحالي، فإن إضافة الوقود إلى نار الجهاديين، إذ يحلم وهابيو الرياض إلى الوصول نووياً ـ بالمعنى الحرفي للكلمة ـ هو إيمانهم بتوحيد سورية والعراق نووياً، محققين الانتصار تلو الانتصار على أرض الواقع منذ احتلالهم تدمر، جوهرة العصر الصحراوية في سورية، ثم إلى سقوط الرمادي في ما أصبح يُعرف بـ«مثلّث الموت» في العراق.
لم تكن القنبلة الإيرانية يوماً قضية حقيقية للإدارات الأميركية المتعاقبة إنما فقط مجرّد ذريعة أو ورقة ضغط، ترفع عند الحاجة إلى المضايقة، وتوقيع العقوبات على الجمهورية الإسلامية وعزلها، هذه الجمهورية التي لعبت دوماً دور «الجندرمة» لدول الخليج أيام حكم الشاه. وتدرك الحكومة الأميركية جيداً أنه باستطاعتها شراء القنابل النووية من السوق السوداء فسيان الأمر عندها إذا ما كانت طهران تخطط لتطوير برنامجها النووي أم لا.
ربما استحوذت الرياض منذ مدّة طويلة على القنبلة النووية، وأشدّد على «ربما»، وذلك لتعويض «إسرائيل». وقد تكون هي أيضاً من حرّضت إسلام آباد على تطويرها. لكن ما من دليل قاطع على ذلك.
لكن ما هو مؤكد ـ عدم وجود ـ «القنبلة الإيرانية» التي يتفق آل سعود، وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، وبشكل حاسم حكومة بيبي نتانياهو الأصولية المتطرفة، على اعتبارها «تهديداً وجودياً» لبقائهم على قيد الحياة.
المشكلة أننا لا نستطيع التغاضي عن نوبات هلعٍ من هذا النوع لمجرّد اعتبارها حالات سريالية جيوسياسية. إن أسطورة مشابهة وشهيرة جداً تقول إن الرياض قد منحت بعض القروض لإسلام آباد واستثمرت المليارات من الدولارات إبان فترة السبعينات من القرن الماضي لتطوير برنامج باكستان النووي، الذي شكّل صفعة قوية في وجه برنامج الهند النووي آنذاك.
وكان البيت السعودي قد أعلن في كانون الأول عام 2011 أن الرياض تسعى إلى تطوير برنامج نووي. لكن ـ وفقط ـ مع تقدّم المفاوضات في شأن برنامج إيران النووي، بدأ السعوديون بالشروع في محاولات تهريجية عدّة للسيطرة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
دخلت «إسرائيل» في خضم هذه اللعبة منذ تشرين الثاني عام 2013، عندما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية «BBC» الاتفاق النووي بين الرياض وإسلام آباد. وجاء الاقتباس الأساسي على لسان رئيس شركة «إنتل» للجيش «الإسرائيلي» عاموس يالدين فلو أن إيران تملك القنبلة فعلاً، «لن ينتظر السعوديون أكثر من شهر، ليدفعوا ثمن القنبلة، والذهاب إلى باكستان للحصول على ما يريدون».
وبالمقارنة مع الأمير المراوغ تركي، رئيس الاستخبارات السعودية السابق والمقرّب من أسامة بن لادن، والذي لطالما لوّح بإمكانية امتلاك السعودية القنبلة النووية، وجاءت محاولته الأخيرة في نيسان الماضي، وذلك في «أسان بلينوم» في كوريا الجنوبية، إذ أكد: «سنملك كلّ ما يحصل عليه الإيرانيون».
أما الأب الروحي الجديد لعصابة الرياض، الملك سلمان، فهو يريد من إسلام آباد أن توفر له عديد قوات في حربه المستمرة ضدّ اليمن. شكرتهم إسلام آباد. وفي المقابل، فإن صفقة نووية قد تكون، وأعود وأشدّد على «قد» تكون صفعة قوية في وجه الرياض. ومن الطبيعي ألا يسعى أيّ مسؤول سعودي أو باكستاني إلى تأكيد هذا.
يدرك الملك سلمان إلى حدّ كبير أنه في حالة تغيير «داعش» النظام في سورية ـ والذي لا يزال احتمالاً بعيد المنال ـ فإن التالي على اللائحة سيكون النظام السعودي.
وهنا تكمن حقيقة احتفاظ واشنطن بالصفحات الـ28 غير المنشورة حول أحداث 11 أيلول طوال السنوات الماضية. إذاً، امتلاك القنبلة النووية سيكون ـ إلى حدّ ما ـ بمثابة بوليصة تأمين ضدّ واشنطن في مقابل عدم وجود «القنبلة الإيرانية».
وبعيداً من الدعاية الإعلامية، تبقى حقيقة تمويل البيت السعودي لعدد من الشخصيات الأكثر أهمية في العالم في عدد من القضايا، والتي من أهمها، حرب الأسعار النفطية السعودية التي تسيطر على صناعة النفط الصخري الأميركي.
ومع ذلك، فلا يزال من غير المسموح لآل سعود ـ حرفياً ـ الاستحواذ على النووي من دون منحهم الضوء الأخضر من واشنطن.
غير أن وجهة النظر الباكستانية ستساعد في حلّ هذا اللغز. فإن رئيس المشروع النووي الباكستاني عبد القدير خان ـ وبدعم من إسلام آباد ـ تمكّن من بيع تكنولوجيا الأسلحة النووية إلى كوريا الشمالية، إيران وليبيا. ومع ذلك، فإن تكلفة البرنامج النووي الباكستاني لا تزيد عن 450 مليون دولار أميركي. وهي تعتبر الأرخص لأن إسلام آباد تلقت المساعدة في هذا المجال من الصين، لا من السعودية.
تعتبر إيران والسعودية، المستوردَيْن الرئيسيَن للطاقة الصينية. وتشكّل إيران وباكستان حجر الأساس في مشروع طرق الصين الحريرية الجديدة قيد الإنشاء. فإسلام آباد لن تجازف بالمخاطرة في التخلي عن علاقاتها مع بكين من خلال تأمين أسلحة نووية تساهم في تهديد جارتها ـ غير النووية ـ إيران، والتي لا تشكل فقط حليفاً استراتيجياً للصين، إنما تلعب أيضاً دوراً أساسياً في تسيير مشكلات الطاقة في باكستان، عن طريق خط الأنابيب الإيراني الباكستاني، المموّل أساساً من بكين.
ستبقى الوهابية التي تمارس سياسة الذبح الودّيّة السعودية، المصفوفة الإيديولوجية لجميع أشكال السلفية ـ الجهادية في الشرق الأوسط والجوار. وهذا ينطبق تحديداً على مواقع التواصل الاجتماعي المذهلة والناشطة لـ«داعش».
أفزع «داعش» العالم المتحضر، من خلال سيطرته على طريق الحرير القديم المتمثل في تدمر. أعربت منظمة الأونيسكو عن اهتمامها، والبيت الأبيض عن قلقه. فتدمر مفترق طرق استراتيجي تقع وسط سورية وتسمح للخلافة الجهادية الوهمية بشنّ الهجمات في جميع الاتجاهات ومضايقة المرافق الحيوية للحكومة السورية، من دمشق إلى حلب، خصوصاً بعد سيطرتهم أيضاً على نقطة المراقبة الاستراتيجية ـ الوليد ـ على الحدود السورية العراقية.
ومع ذلك، فإن أكثر من ثلث سكان تدمر والبالغ عددهم 200.000 نسمة، أصبحوا في عداد اللاجئين. والمئات منهم رهائن انطلق عرض قطع الرؤوس المروّع فهل صحيح أن إمبراطورية الفوضى ـ تشنّ حرباً مفتوحة مع تلك الخلافة الوهمية، وتفعل المستحيل لإنقاذ الآثار الرومانية التدمرية والتي لا تُقدّر بثمن؟ بالطبع لا.
والأمر عينه ينطبق على الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، والتي تبعد 110 كيلومترات فقط عن العاصمة العراقية بغداد، والتي لم تتخلَّ عنها الإدارة الأميركية لأنها لم تسيطر عليها يوماً. وعندما أعلن «داعش» ـ بشماتة ـ سيطرته على الرمادي عبر مكبّرات الصوت في المساجد الكبرى، كانت وزارة الدفاع الأميركية تنظر إلى هذا الاستيلاء على أنه «ساحة معارك متنازع عليها»، وأصرّ على «دعم العراقيين بالقوة الجوية المسلّحة!».
وبالنظر إلى الآليات اليابانية ـ «تويوتا» ـ التي يستخدمها الجهاديون، وأسلحة الكلاشينكوف الروسية التي يرفعونها من على تلك المواقع والساحات المتنازع عليها، لن يكون أمام وزارة الدفاع سوى «دعم» كل ما يؤيد القيام بضربة جوية، غير أن هذه القوة الجوية لن تعطل انسياب النزاع. إذ يبدو أن البنتاغون قد أصبح خالي الوفاض، وأُفرغ ما في يديه. فالدواعش لا يجلسون هناك كالبط إنما هم عصابات متوحشة غير متكافئة، إنما متناسبة جداً في خلق وميض الفتن وإشعال الحروب.
استثمر «داعش» الكثير من الخطط الاستراتيجية للسيطرة على الرمادي. أما الرمزية فهي بعيدة المدى بل هزيمة مرّة ليس فقط لبغداد، إنما أيضاً لـ«إمبراطورية الفوضى» التي تقود ـ من خلف الستارة ـ كل ما يحصل، على رغم تأكيد أوباما الجاهل: «أننا لا نخسر حربنا ضدّ الخلافة».
وأخيراً، يبدو أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدأ بالتقاط واستيعاب ما يدور من حوله. فقد التقى مع قادة المليشيات الشيعية ـ التي يقع على عاتقها رفع الأحمال الثقيلة لعبور نهر الفرات ومحاولة استعادة الرمادي قبل أن يقرر الخليفة الأحمق المضيّ ناحية كربلاء المقدسة، التي تضمّ ضريح الشهيد الإمام الحسين، حفيد النبي محمد. إنه صراع مع الزمن لأن «داعش» قد يحاول أيضاً السيطرة على القواعد العسكرية ومستودعات الأسلحة في المنطقة.
أما بالنسبة إلى شيوخ العشائر السنيّة حول الرمادي، المستعدّين للقتال ضدّ «الخليفة»، فكانوا وسيبقون كدخان اللهب لأنهم لم يتلقوا ابداً المساعدة التسليحية الموعودة من بغداد. إلى جانب ذلك، ما من أحد يعرف ما إذا كان الجيش العراقي قد تلقّى المساعدة الجوية كطائرات الهيليكوبتر التي حوّلت عناصر «الخلافة» الحمقى إلى لحم مفروم.
تصرّفَ العبادي في نهاية المطاف، وأزال الخطر الجاثم على الميليشيات العراقية التي تعمل في محافظة الأنبار السنيّة المتشدّدة والذين يقومون بذلك بناءً على أوامر «المبجّل آية الله السيستاني».
أما في الوقت الحالي، فإن رئيس «فيلق بدر» والقائد العام للميليشيات الشيعية هادي العامري، فمتأكد من أن استعادة الرمادي أسهل بكثير من حملة محافظة صلاح الدين في شمال بغداد ـ حيث تمكنت الميليشيات، جنباً إلى جنب مع الجيش العراقي من استعادة تكريت وبيجي من أيدي «داعش». وفي كلا الحالتين، فإن قصف إمبراطورية الفوضى الجوي، سيلعب دوراً هامشياً للغاية.
التقى العبادي كذلك مع وزير الدفاع الإيراني، العميد الجنرال حسين دهقان، في بغداد وشدّد على أن كلاً من إيران والعراق يقاتلان الجماعات السنية الإرهابية المتطرفة وأكد تحديداً، «نحن لا ندعم الحرب في اليمن»، ما يضع بغداد في مواجهة مباشرة مع الرياض.
وفي ما يبدو وضعاً أكثر تفاؤلاً، فإن العبادي كان قد زار موسكو، إذ أمِل أن يلقى قليلاً من الدعم والأسلحة. فـ«داعش» محشور مع الشيشانيين. وموسكو تريد سحق الخلافة الوهمية التي فيما لو ازدهرت، فستشكل خطراً مباشراً قد يبعث الجهادية مجدّداً في الشيشان.
إذاً، ها أن التمهيد لمعركة استعادة الرمادي قد بدأ الميليشيات الشيعية في مقابل العشائر السنية، استشارة أميركية، ومساعدة سرية من إيران وروسيا، ضدّ «الخلافة الحمقاء» التي تضمّ غالبية من المرتزقة، والمدعومة ببذخ من الوهابية السعودية المنتشرة في الخليج. وحالما تذهب إمبراطورية الفوضى في حال سبيلها، فإن لعبة «فرّق تسُد» ستبقى اللعبة المفضلة هناك.
تقسيم سورية
كتب سامي كيتز لموقع «Antiwar»:
أضعفت الحرب المستمرة منذ سنوات، الحكومة السورية التي يبدو أنها دخلت مرحلة تقبّل واقع التقسيم الحقيقي والفعلي للبلاد، والدفاع عن المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية المهمة وترك الباقي للمتمردين والجهاديين، كما يحلو للدبلوماسيين والخبراء أن يصفوهم.
ويبدو أن هذه الاستراتيجية قد أصبحت قيد التطبيق، خصوصاً بعد سقوط مدينة تدمر في أيدي تنظيم «داعش»، وانسحاب القوات السورية النظامية منها.
ويقول وضاح عبد ربه مدير صحيفة الوطن السورية المقرّبة من النظام: «أنه من الواضح أن الجيش السوري ينسحب بهدف حماية المدن الكبرى التي يتمركز فيها عدد من السكان».
وأردف: «يجب على العالم أن يفكر في ما إذا كان إقامة دولتين إرهابيتين في مصلحته أم لا». في إشارةٍ منه إلى «الخلافة» التي نصّبت نفسها في العراق وسورية، وإلى مخططات تنظيم «القاعدة» و«جبهة النصرة» إقامة «إمارتهما» الخاصة في الشمال السوري.
تصنّف الحكومة السورية كل أولئك الذي يقاتلون لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد بالإرهابيين، وتؤكد أن وجود تنظيمات مثل «داعش» و«النصرة» المتطرفة كمعارضين للنظام هو خير مثال على ذلك.
فمنذ بدء الحراك ضدّ الأسد في آذار عام 2011، خسرت الحكومة السورية أكثر من ثلاثة أرباع الأراضي السورية، وذلك وفقاً لما يسمّى «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، المتمركز في بريطانيا.
غير أن الأراضي التي يسيطر عليها النظام تضمّ من 50 إلى 60 في المئة من التعداد السكاني في سورية، وذلك أيضاً وفقاً لـ«فابريم بالانش» الخبير الفرنسي في الشؤون السورية. إذ يقول أن 10 إلى 15 في المئة فقط من سكان سورية يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها «داعش»، و 20 إلى 25 في المئة في مناطق تقع تحت سيطرة «جبهة النصرة»، و 5 إلى 10 في المئة في الأراضي التي تسيطر عليها القوات الكردية.
ويضيف بالانش: أما الحكومة في دمشق، فلا تزال تملك القوات العسكرية المتمثلة في جيشها النظامي ودعم جزء لا يُستهان به من الشعب السوري… وها نحن نسير نحو تقسيم غير رسمي لخطوط الجبهات الأمامية يمكن أن يتطور إلى أسوأ من ذلك.
يتحدث المقرّبون من النظام عن تراجع حكوميّ مفيد لسورية. ويقول أحد السياسيين البارزين والمقرّبين من النظام: إن تقسيم سورية صار أمراً حتمياً. على النظام أن يمسك بمفاصل الساحل السوري ويحكم السيطرة عليها، أي المدينيتن المركزيتين حماه وحمص فضلاً عن العاصمة دمشق.
ويضيف مشترطاً عدم الكشف عن اسمه: إن الخطوط الحمراء التي لن تسمح السلطات باختراقها هي دمشق ـ بيروت وخط دمشق ـ حمص الدوليين، وكذلك المنطقة الساحلية برمّتها.
يسيطر النظام بشكل محكم على محافظتي اللاذقية وطرطوس، المركز الرئيس للطائفة العلوية، والتي تشكل جزءاً من الإسلام الشيعي الموالي للأسد بينما ترتع الجماعات الجهادية المتطرفة في شمال وشرق وجنوب البلاد، حيث مُنيت محاولات النظام لاستعادة بعض الأراضي في محافظة حلب بالفشل.
وتبقى الحركة الهجومية الوحيدة للنظام الآن في جرود القلمون على الحدود اللبنانية، لكن حليف النظام السوري في لبنان حزب الله، هو الذي يتولى زمام المبادرة في القتال.
ويؤكد مصدر دبلوماسي يتردّد دوماً إلى دمشق، إن الجيش السوري قد كُلّف حالياً مهام حراسة النظام. ويضيف: ترك هذا الوضع المسؤولين السوريين في قلق عميق، غير أنهم مؤمنون بأن إيران وسورية لن تسمحا للنظام الحليف بالانهيار.
ويعتقد بعض المراقبين أن هذا الموقف الدفاعي الحالي للجيش السوري يحصل بناءً على اقتراحات من إيران، التي تعتقد أنه من الأفضل السيطرة على عدد قليل من الأراضي في مقابل البقاء بأمان.
أما هيثم منّاع، فقد حثّ السلطات السورية على مواجهة الحقائق وتغيير الاستراتيجية من خلال التركيز فقط على حماية المناطق الاستراتيجية.
قد يعود هذا التحوّل إلى تضاؤل حقيقي في عديد قوات النظام، التي تفككت وتناقصت بعدما كانت تعدّ حوالى 300.000 جندي، وذلك بحسب آرام نيرغيزيان، زميل بارز في مركز الولايات المتحدة الاستراتيجية والدولية للدراسات. ويؤكد أنه يبدو أن النظام قد قبل واقع تأمين والحفاظ على والدفاع عن المنطقة التي يسيطر عليها بما يمتلك من جنود وقوات.
ويبلغ عديد هذه القوات 175.000 من رجال الجيش والميليشيات الموالية للنظام السوري والمقاتلين الأجانب بمن فيهم مقاتلي حزب الله في كل مكان.
ويقول المرصد الآنف الذكر أن 68000 من قوات النظام هي بين الـ220.000 الذين لقيوا مصرعهم منذ بداية الصراع. غير أن نيرغيزيان يعود ويؤكد أن هذه الاستراتيجية الجديدة لا تعني أن النظام يتعرّض للانهيار بل يمكن أن تكون في صالحه.
أما خطوط التموين فإن المبالغة في مواجهتها أقلّ بكثير، وستخضع لضريبة الهيكلية القيادية وسيطرة النظام للحصول على المزيد من هوامش المناورة.
ويقول توماس بياريت، وهو خبير في الشؤون السورية في جامعة أدنبرة، أنه وكي يحيا النظام، لا بدّ له من خفض توقعاته والتركيز على محاور دمشق ـ حمص ـ الساحل… فربما لا يزال النظام يملك الوسائل ـ عسكرياً للحفاط على الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد، لكن يمكن للمزيد من الخسائر أن تضعفه من الداخل.