السعودية وحزب الله متفقان: تلازم عون والحريري في الرئاسات وخارجها
كتب المحرر السياسي
ليس في كلام زوار الرياض خبر إلا شرح الرئيس تمام سلام لكيفية تسلّم الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية، وتطمينه للبنانيين والخارج بأن لا داعي للقلق من شغور الرئاسة لأنّ كل شيء مرتب وتحت السيطرة.
وليس في كلام رئيس الجمهورية ميشال سليمان في رسالته للنواب سوى رفع العتب ومثله سيكون في مناقشات النواب الحاضرين، في ظلّ مقاطعة نواب كتلة الوفاء للمقاومة وبعض نواب تكتل الإصلاح والتغيير، احتجاجاً على ما يسمّونه الإهانات التي وجهها سليمان إلى المقاومة والزعماء المسيحيين، كما تقول مصادر الطرفين.
في موازاة ذلك بدا أنّ الوضع الدولي المتوتر بين روسيا وأميركا على خلفية الأزمة الأوكرانية، يدخل مرحلة جديدة مع قمة شانغهاي المخصصة لرفض التدخلات الأميركية في شؤون الدول الأخرى سواء بداعي حقوق الإنسان أو الديمقراطية، وهي القمة التي تضمّ روسيا والصين ومعهما دول كإيران وأفغانستان والعراق، حيث الأزمات مع أميركا وحليفتيها «إسرائيل» والسعودية.
القمة تنجز اقتصادياً بدء تشكيل محور اقتصادي جدي يمنع الهيمنة الأميركية على النظام المصرفي العالمي، ومحوره السيطرة على سوق الطاقة، كما تضع في مجال الطاقة خططاً ومشاريع عملاقة تربط الدول الحاضرة ومنها روسيا والصين وإيران والعراق وأفغانستان بشبكة أنابيب للنفط والغاز تصل للمتوسط.
في أوكرانيا حيث جبهة الاشتباك، بدأت التراجعات من الحكومة الأوكرانية المدعومة من الغرب، وأعلنت عزمها إقرار قانون يناقشه البرلمان بدءاً من اليوم لسحب الجيش من المناطق الشرقية التي أنجزت الاستفتاء على الانفصال، تمهيداً للحوار على إصلاحات دستورية حول شكل الدولة بصورة ملفتة في تطابقها مع الموقف المعلن من وزيري خارجية روسيا وألمانيا، بينما في العراق كان رئيس الحكومة نوري المالكي يحسم موقعه الحاسم والمقرّر في تشكيل الحكومة الجديدة، بتأكيد حصوله على الثلث المعطل الذي لا تتشكل حكومة من دونه وفقاً للدستور، الذي يجعل نيل الثقة مشروطاً بتصويت ثلثي النواب معها، ويجعل الرئيس الحالي للحكومة يصرّف الأعمال من دون مهلة ريثما تتشكل حكومة جديدة.
في هذا المناخ الدولي والإقليمي المرجح لكفة خصوم واشنطن، سعت السعودية لنقل لعبة الاستحقاق الرئاسي إلى الرياض لتعزيز وضعها التفاوضي، لتجد أنها تفادياً لربط الملفات بعد خسارتها في العراق، لا يوجد أمامها من مفاوض إلا حزب الله؟ وأعادت بلسان الرئيس تمام سلام توجيه رسائل الودّ تجاه حزب الله علناً، والتخفيف من أهمية قتاله في سورية، لحساب التركيز على دوره كمعبّر عن شريحة كبيرة من اللبنانيين، وتكشف مصادر ديبلوماسية سعودية أنّ الرياض تبنّت معادلة العماد ميشال عون التي وصلت بضفتها معادلة حزب الله، وقوامها أن العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري مربوطان بالتوازي والتزامن والتلازم، ببلوغ الرئاستين الأولى والثالثة، فإذا كانت معادلة حزب الله هي أنّ وصول عون سيزيل الفيتو على وصول الحريري، فإنّ معادلة السعودية هي أنّ عدم وصول عون سيعني عدم وصول الحريري.
سلام وحكومته «رئيساً»
في هذا الجو، فإنّ الفراغ الرئاسي لن يبقى هاجساً. بل سيصبح واقعاً بعد أربعة أيام باعتراف القوى السياسية مجتمعة. إذاً، قبل 24 ساعة من موعد الجلسة الخامسة لانتخاب رئيس الجمهورية وأربعة أيام على انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، أقفل كل إمكان لحصول مفاجأة في اللحظات الأخيرة تفضي إلى التوافق على شخصية مقبولة لرئاسة الجمهورية، إذ عادت الأمور إلى نقطة الصفر وسُدّت الأبواب أمام المساعي للحؤول دون حصول فراغ في رئاسة الجمهورية.
وعلى وقع ذلك تتواصل الاتصالات الداخلية والخارجية مع اقتراب ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان من الانتهاء في 25 أيار لكيفية إدارة الأزمة.
ونشطت الحركة السياسية، فكان أبرزها زيارة رئيس الحكومة تمام سلام إلى المملكة العربية السعودية ولقائه الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز الذي لم يكن مدرجاً على جدول الأعمال، وولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
وعلمت «البناء» أنّ الرئيس سلام تبلغ من السعوديين ضرورة الاستعداد لتولي مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية، ما يجعل من سلام وحكومته رئيساً موقتاً للجمهورية إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية.
وألمحت المصادر إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الحكومة في المملكة السعودية، وأدائه المختلف عن المؤتمرات الصحافية السابقة التي كان يعقدها، فبدا بصورة جديدة وكأنه يتحضّر لأن يكون رئيس دولة موقتاً، لا سيما أنّ سلام أكد أنه في حال حصول شغور في موقع الرئاسة لا خوف من أن تكون الأمانة في مكان غير مناسب بل هي في صلب عمل السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء.
الرياض تستبعد عون وجعجع
وعلمت «البناء» من مصادر مطلعة أنّ المملكة استبعدت نهائياً كلّ من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن المسرح الانتخابي الرئاسي، فيما تجري المشاورات وبشكل علني بين الأميركي والفرنسي والسعودي على أسماء الصف الثاني، مشيرة في الوقت عينه إلى أنّ استبعاد عون يعني في المقابل استعباد الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة.
وأكدت المصادر لـ»البناء» أنّ الاستحقاق سيبقى يُدار من فريق واحد، فالسوري والإيراني لن يتدخلا قبل أن تتضح صورة الانتخابات العراقية وتنتهي الانتخابات الرئاسية السورية، والمفاوضات الإيرانية ـ الأميركية، وبالتالي فإنّ التدخل سيبدأ مع نهاية شهر حزيران المقبل.
ووفق مصادر سياسية واسعة فإن النتيجة الوحيدة التي يمكن استخلاصها مما انتهت إليه لقاءات باريس، أن قوى 14 آذار غير جاهزة للبننة الاستحقاق الرئاسي من خلال السير بمرشح توافقي لا سيما بترشيح العماد عون. ورأت أن النتيجة الثانية التي يمكن استخلاصها تفيد بوضوح أن الرئيس الحريري لا يملك القرار الذي يخوّله اختيار المرشح التوافقي، بل إن القرار الفعلي لدى السعودية التي لا يبدو أنها جاهزة لحسم الاستحقاق الرئاسي قبل معرفة مسار التسويات الإقليمية من الملف النووي الإيراني إلى التركيبة الحكومية الجديدة في العراق.
قهوجي الأكثر حظاً
وفيما أشارت المصادر إلى أنّ التداول يجري بأسماء قائد الجيش العماد جان قهوجي، والوزير السابق جان عبيد، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، شدّدت على أنّ حظوظ العماد قهوجي هي الأكثر ارتفاعاً. وشبّهت زيارته إلى السعودية، بالزيارة التي قام بها الرئيس ميشال سليمان قبل انتخابه رئيساً إلى مصر ولقائه مع مدير الاستخبارات المصرية آنذاك اللواء الراحل عمر سليمان.
لا نصاب في جلسة الغد
انطلاقاً من كل ذلك، كشفت وقائع الساعات الـ48 الماضية أن الوضع المتصل بالاستحقاق لا يزال معقداً وأن موجة التفاؤل التي سادت الأسبوع الماضي كان مبالغاً فيها، لا سيما أنها بنيت على وعود حريرية مشبعة بالمناورة، وعليه فإن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقررة غداً الخميس لن تعقد كسابقاتها بسبب عدم اكتمال النصاب، ففريق 8 آذار سيقاطعها ما عدا كتلة الرئيس نبيه بري، وبالتالي فإن الصورة ستبقى على ما هي عليه في ظل مناخ أصبح شبه مؤكد فيه، بأننا نتّجه إلى شغور رئاسي وأن لاّ رئيس جديداً قبل 25 أيار.
بري جاهز لكلّ الظروف
وقد أبلغ الرئيس بري كتلته أمس أنه على ضوء يوم غد الخميس سيحدد موعد الجلسة فربما دعا إلى جلسة صباح الجمعة على اعتبار أنه غير ممكن الدعوة يوم السبت إذ يقام حفل وداعي في قصر بعبدا ظهراً. ومن باب التفاؤل لم يستبعد الرئيس بري الدعوة إلى جلسة بعد ظهر السبت أو حتى مساء اليوم ذاته، إذا ما توافرت معطيات إيجابية. أما في حال عدم انتخاب الرئيس قبل 25 أيار فإن مرحلة جديدة ستبدأ في شأن الاستحقاق مع الأخذ في الاعتبار عامل التدخل الخارجي.
نصاب عادي لجلسة اليوم
وإذا كانت الجلسة الانتخابية الخامسة غداً لن تفضي إلا إلى تكرار سيناريو الجلسات الأربعة السابقة، في ظلّ عدم التوافق على مرشح جدي، فإنّ المجلس النيابي ينعقد اليوم عند الثانية عشرة ظهراً برئاسة الرئيس نبيه بري في جلسة بنصاب عادي أي 65 نائباً، تتلى في بدايتها نص رسالة رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب، والتي يحضّ فيها النواب على القيام بواجبهم لانتخاب رئيس جديد.
الوفاء للمقاومة لن تحضر
وفي السياق، علمت «البناء» أنّ نواب كتلة الوفاء للمقاومة لن يحضروا جلسة مناقشة رسالة رئيس الجمهورية، كردّ على اللغة التي دأب رئيس الجمهورية عليها منذ فترة بحق المقاومة.
… وأيضاً التغيير والإصلاح
ولما ترك الجنرال عون الحرية لمن يريد من نواب تكتل التغيير والإصلاح حضور جلسة اليوم، أكد مصدر نيابي في التيار الوطني الحر لـ»البناء» أنّ غالبية نواب التكتل سيتغيّبون عن الجلسة، احتجاجاً على إهانة الرئيس سليمان للأقطاب الأربعة الموارنة في حديثه الصحافي الأخير. ولفت المصدر إلى أنّ سليمان تأخر كثيراً برسالته، التي كان من المفترض أن يبعث بها عند تعطيل الانتخابات النيابية والمجلس الدستوري.
وشدّد المصدر على أنّ جلسة الخميس ستكون كسابقاتها ما لم يطرأ مرشح جدي للانتخابات الرئاسية، وإذ لفت إلى أنّ القوات اللبنانية ستتحمّل مسؤولية الشغور، غمز من قناة تيار المستقبل بالإشادة بالرئيس سعد الحريري معتبراً أنّ مجرّد عرض الحريري اسم العماد عون على جعجع، فهذا يسجل نقطة ايجابية من قبله، رافضاً الدخول في فرضيات عن تنسيق مواقف بين الرجلين.
المستقبل: الفراغ إلى بعبدا
وأكدت أوساط تيار المستقبل أنّ مصير جلسة الخميس سيكون كسابقاتها، وأنهم سينزلون الخميس إلى المجلس النيابي لانتخاب الدكتور جعجع. وإذ أكد أنّ الفراغ سيخيّم على بعبدا بعد 25 أيار، نتيجة عدم توافق المسيحيين، فإنّ الاستحقاق الرئاسي سيخرج نهائياً من لبنان، ليصبح التأثير الخارجي هو الأساس.
إدارة الأزمة
في غضون ذلك، علمت «البناء» أنّ فريق 14 آذار بدأ يبحث في مرحلة إدارة الأزمة ما بعد 25 أيار، حيث تمّ تشكيل لجنة لدراسة الممكن وغير الممكن لجهة المهام التي يمكن أن يضطلع بها مجلس الوزراء في فترة الفراغ، مع الأخذ في الاعتبار رد فعل المسيحيين في هذا الفريق، لا سيما أنّ القوات والكتائب والتيار الوطني الحر لن يقاطعوا المجلس النيابي فقط بل قد يلجأون إلى مقاطعة جلسات مجلس الوزراء.
الراعي ونادر الحريري
وفي سياق الاتصالات مع بكركي عقد لقاء تشاوري في الصرح البطريركي مساء أمس بين الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والسيد نادر الحريري.
أما في عين التينة، فقد اطلع رئيس مجلس النواب نبيه بري من وزير الصحة وائل أبو فاعور موفداً من النائب وليد جنبلاط، وتطرّق الحديث إلى المستجدات حول الاستحقاق الرئاسي، وحضر اللقاء وزير المال علي حسن خليل. فيما شدّد الرئيس السابق نجيب ميقاتي على أنّ لبنان لا يمكن أن يُحكم إلا بالوسطيّة والاعتدال، وأنّ من يريد غير ذلك يكون يريد قسمَه».
فتحعلي في بيروت
في سياق آخر، يغادر في الساعات القليلة المقبلة السفير الإيراني غضنفر ركن آبادي إلى بلاده، مع انتهاء مهامه الدبلوماسية في بيروت، فيما يصل السفير الإيراني الجديد محمد فتحعلي إلى مطار بيروت الدولي عند 8:15 من صباح اليوم، ليبدأ مهامه بزيارة وزير الخارجية جبران باسيل وتسليمه نسخة عن أوراق اعتماده. وكان ركن آبادي زار أمس مودعاً الرئيسين سليمان وبري، والوزير باسيل، وأكد أنّ ايران مع استقرار لبنان ومع إنجاز الاستحقاق الرئاسي بأحسن شكل ممكن.