ظروف تعيين قائد الجيش بين الأمس واليوم… أسهم التمديد لقهوجي ترتفع… وفيتو سعودي على روكز

هتاف دهّام

لا تشبه ظروف تعيين قائد جديد للجيش في أيلول المقبل موعد نهاية ولاية العماد جان قهوجي، ظروف تعيين القادة السابقين للجيش.

تغيّر الواقع السياسي نتيجة التطورات الاقليمية، لا سيما الحرب السورية وتداعياتها على لبنان، وما أحدثته من انقسامات واصطفافات فرضت نفسها لاعباً أساسياً في الانتخابات الرئيسية والتعيينات الأمنية والعسكرية.

ارتفع صخب معركة قيادة الجيش. لن يقبل رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي أمهل الحكومة حتى منتصف أيلول، أن يتمّ التمديد للقائد الحالي.

طريقة عمل جنرال الرابية مع التمديد، ستختلف تماماً عن طريقة التعاطي مع التمديد الأول عام 2013. فهو تحدّث عن خطوات سيعلن عنها في حينه، لن يدخل في تسويات مع أحد، لا مع تيار المستقبل ولا مع غيره. لن يفصل التعيينات العسكرية عن الانتخابات الرئاسية.

بات تعيين قائد جيش الى جانب انتخاب الرئيس ملفاً إقليمياً ودولياً، على ضوء المجريات الأمنية في العراق وسورية وتداعياتها على لبنان، ومعركة تطهيرعرسال وجرودها من الإرهابيين التكفيريين، كلّ ذلك يستدعي من الأفرقاء المعنيين التعاطي مع تعيين قائد للجيش انطلاقاً من الحسابات السياسية.

تفرض الأخطار الأمنية على الحدود الشرقية والجنوبية أن يحافظ قائد الجيش على علاقة جيدة بالمقاومة وعدم التصادم معها، والمحافظة على عقيدته القتالية التي أرسيت بعد الطائف في عهد العماد اميل لحود حين كان قائداً للجيش، وعدم الارتهان لفريق سياسي محدّد حتى لا يستعمل الجيش في الحسابات والسياسات الداخلية، وان يتمتع بالقدرة على التفاهم مع الجهات الغربية وبخاصة الولايات المتحدة الاميركية.

تنطبق هذه المواصفات على قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، القائد المثالي للمرحلة الحالية، إلا أنّ ما يقف سداً منيعاً أمام تبوئه هذا المنصب على رغم كفاءته التي يشهد بها الخصوم قبل حلفاء العماد عون، كونه صهر الرابية، فضلاً عن أنّ البعض لجأ إلى انتهاج سياسة الكيدية حيال تعيينه لاعتبارات سياسية، تعود الى أحداث عبرا ومعركته ضدّ جماعة الإرهابي أحمد الأسير وتطهير فوج المغاوير المربع الأمني للأسير.

جوهر الأزمة أنّ تيار المستقبل ليس على استعداد ان يعطي العماد عون قيادة الجيش والرئاسة معاً بإيعاز سعودي، وفي الآونة الأخيرة أعلن ذلك صراحة بجزمه أن لا تعيينات عسكرية قبل انتخاب الرئيس، في الوقت الذي تؤكد مصادر التيار الوطني الحر أن ليس هناك من إمكانية للتراجع عن الموقف الذي اتخذه الجنرال عون، فالتيار الوطني بات محرجاً مع قواعده الشعبية.

وتجري اتصالات بعيدة من الأضواء بهدف إيجاد مخرج لهذا الموضوع، والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري العميد روكز، وتداول معه في الأوضاع والتطورات الأمنية، وأكد له ثقته به، لكن لغاية الآن لم يتبلور أي حلّ، بل على العكس مواقف 14 آذار تطالب بانعقاد مجلس الوزراء حتى لو قطع وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله جلسات الحكومة. ولذلك فإنّ احتمالات التأزيم أكثر من احتمالات الحلحلة.

لذلك، ترتفع أسهُم التمديد الثاني للعماد جان قهوجي. تأجيل تسريحه في أيلول محسوم لمدة سنتين أو أقله 18 شهراً، في ظل صعوبة التوصل إلى تفاهم بين المعنيين على التعيينات نتيجة التجاذبات السياسية.

يحظى تمديد قهوجي الثاني بدعم إقليمي ودولي، لكن عون لن يقبل بغير روكز قائداً للجيش، وفي غياب التعيين ستذهب الأمور إما الى تسلّم العميد الأقدم رتبة عماد القعقور السنّي الذي تنتهي خدمته في 19 أيلول، أو إلى الفراغ، وهذان الخياران لن يسمح بهما. وأمام ذلك وعلى قاعدة «أهون الشرّين» سيتمّ التمديد لقهوجي، الذي يسبق انتهاء ولايته انتهاء ولاية رئيس الأركان وليد سلمان الذي إذا لم يمدّد له في شهر تموز المقبل سيحلّ نائبه مكانه.

مرّ تعيين قائد الجيش في لبنان بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: المرحلة الشهابية والتي استمرّت حتى عام 1970، وكان موقع قيادة الجيش في تلك المرحلة يتمتع باستقلالية محددة.

المرحلة الثانية: مرحلة ما بعد الشهابية وبدأت مع بداية عهد رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية. كان موقع قيادة الجيش مرتبطاً بشكل لصيق برئيس الجمهورية الذي يعينه ويعيّن كلّ القادة الأمنيين، والمنظومة الأمنية كلها كانت تحت سلطة رئيس الجمهورية كونه الرئيس الأعلى للدفاع.

المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد الطائف، استعاد خلالها قائد الجيش استقلاليته بأقلّ مما كانت عليه في المرحلة الشهابية، وفي الوقت نفسه تقلصت صلاحية رئيس الجمهورية في تعيينه، ولم يعد صاحب القرار الوحيد بذلك.

في مرحلة ما بعد الطائف لم تكن علاقة العماد اميل لحود جيدة مع الرئيس الراحل الياس الهراوي، وكذلك لم تكن علاقة العماد ميشال سليمان جيدة بالرئيس اميل لحود. الا ان هاتين الحالتين لا تنطبقان على علاقة العماد جان قهوجي بالرئيس ميشال سليمان أثناء توليه سدة الرئاسة.

تمّ تعيين العماد سليمان قائداً للجيش بتوجيه من اللواء غازي كنعان، وتمّ تعيين العماد اميل لحود قائداً للجيش باختيار لبناني وتوافق سوري. وتم تعيين جان قهوجي قائداً للجيش بتوافق داخلي أيضاً ومن دون أي فيتو خارجي عليه.

الا انّ تعيين قائد الجيش اليوم يخضع إلى مجموعة عوامل وتفاهمات اقليمية ودولية. ويُظهر المشهد الحاصل اليوم التدخل الخارجي الواضح والعلني الذي لم تعرفه قيادة الجيش منذ نشأته.

تضع السعودية اليوم فيتو على تعيين العميد روكز قائداً للجيش لكنها لا تعلن ذلك. وعندما تسرّع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بالموافقة على تعيينه في مقابل العميد عماد عثمان مديراً عاماً للأمن الداخلي، أبدت الرياض استياءها من الامر، وأبلغته امتعاضها ما استدعى تراجعاً من الحريري في وقت لاحق.

ترى أوساط متابعة «أنّ السعودية تريد من قائد الجيش ان يلغي التنسيق الحاصل اليوم مع المقاومة في محاربة اسرائيل والتكفيريين، وتريد أن يكون حاضراً لاحتضان الحالة الحريرية كما حصل في عام 2005، وتشجع على التنسيق بين الجيش و«اسرائيل».

بغض النظر عن أن العامل «الاسرائيلي» لم يكن، كما تقول الأوساط، عاملاً مؤثراً في تعيين قائد الجيش، باستثناء ما يقوله البعض عن العماد ابراهيم طنوس وارتباطه بحزب الكتائب، لكن ذلك لم يكن محسوماً أو مؤكداً.

وفي تقديرات مراجع عليا في البلد فإن الاتفاق النووي الايراني آخر الشهر سيفتح الباب على انفراجات داخلية على مختلف المستويات.

الجيش: تاريخ وقادة

تسلّم اللواء فؤاد شهاب قيادة الجيش من الفرنسيين، في الاول من أب عام 1945. بقي في موقعه لمدة 13 عاماً. كان القائد الأول للجيش بعد الاستقلال في عهد الرئيس بشارة الخوري، وتسلّم في عهد الرئيس كميل شمعون وزارة الدفاع، مع احتفاظه بقيادة الجيش في حكومة الرئيس سامي الصلح، ليستقيل في أول آذار 1957 من وزارة الدفاع، ويصبح في 31 تموز 1958، رئيساً للجمهورية بأكثرية 48 صوتاً، مقابل 7 أصوات نالها منافسه العميد ريمون إدّه. وتجدر الإشارة الى انّ جميل لحود كان اسمه مطروحاً لقيادة الجيش الا انّ الفرنسيين وضعوا فيتو عليه، لمعارضته السلوك الفرنسي ايام الانتداب في حوران، ورفعه العلم اللبناني في فالوغا.

شغل اللواء توفيق سالم منصب قيادة الجيش في 9 تشرين الاول من عام 1958 وحتى نهاية كانون الثاني من عام 1959 فقط، في فترة انتقال فؤاد شهاب من قيادة الجيش الى رئاسة الجمهورية.

تولى اللواء عادل شهاب قيادة الجيش في الاول من شباط عام 1959 وحتى 30 حزيران عام 1965.

عين العماد إميل البستاني في عهد الرئيس شارل حلو قائداً للجيش في الاول من تموز عام 1965. في عهده جرت اشتباكات بين الجيش والفلسطينيين، ليعقب ذلك توقيع اتفاقية القاهرة، التي حُمّل البستاني وزرها لوحده، والتي أضيفت إلى طائرات «الميراج» مع جمال عبد الناصر الذي كان يريد الحصول عليها من فرنسا التي لم تستطع في ذلك الحين بيعها من دولة ترتبط بمعاهدة عسكرية مع السوفيات، فلجأ طالباً مساعدة لبنان من البستاني الذي أعلن انه لا بدّ من أخذ موافقة الرئيس حلو الذي دارت في رأسه الشكوك كونه كان يعتبر البستاني طامحاً لرئاسة الجمهورية، ليُقال من منصبه في السادس من كانون الثاني من عام 1970 قطعاً للطريق على وصوله الى بعبدا.

عيّن العماد جان نجيم قائداً للجيش في7 كانون الثاني من عام 1970 بعد يوم واحد من إقالة البستاني. استشهد في حادثة تحطم طائرة هليكوبتر بعيد اصطدامها بجبل ايطو أثناء زيارته رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية، وقيل يومذاك بحسب بعض العسكريين المتقاعدين أنه حادث مدبّر.

عيّن العميد المتقاعد اسكندر غانم قائداً للجيش في 25 تموز من عام 1971 بعدما استدعاه الرئيس فرنجية من الاحتياط، على رغم أنّ فرنجية كان بإمكانه يومذاك الإتيان بأيّ ضابط من ضباط الجيش الأعلى رتبة. فشلت في عهد غانم صفقة شراء صواريخ كروتال الفرنسية الصنع للجيش اللبناني، بسبب ما شابها من عمولات وفساد. وبرزت خلال توليه قيادة الجيش مشكلة وجود المنظمات الفلسطينية في لبنان، وتنفيذ العدو «الإسرائيلي» عملية فردان التي أودت بحياة القادة الفلسطينيين الثلاثة كمال عدوان وكمال ناصر ويوسف النجار، من دون ان يتمكن الجيش من التصدّي للعملية، ما دفع رئيس الحكومة الراحل صائب سلام الطلب من رئيس الجمهورية إقالة غانم، من دون أن ينجح بذلك. وفي عهد حكومة الرئيس الراحل رشيد كرامي، غطى غانم صفقة باخرة الأسلحة المهرّبة الى شاطئ جونية لحزب الكتائب والتي على ضوئها انتهت ولايته بعدما طفح الكيل من تجاوزاته.

عيّن العماد حنا سعيد في العاشر من أيلول من عام 1975 قائداً للجيش بسبب قربه من الرئيس كميل شمعون. التزم الصمت حيال «الحركة الإصلاحية» التي قادها قائد المنطقة العسكرية في بيروت عزيز الأحدب والتي رمت إلى إنقاذ الجيش وإعادة لحمته والطلب من رئيس الجمهورية سليمان فرنجية الاستقالة تمهيداً لانتخاب رئيس جديد خلال عشرة أيام، وبقي سعيد في منصبه حتى الثاني من تموز عام 1977.

عيّن العميد فيكتور خوري في الثامن والعشرين من آذار عام 1977 قائداً للجيش بتسمية من بيار الجميل، وعرف عهده الكثير من الاشتباكات بين عناصر من قوات الردع العربية وأفراد من الجيش اللبناني. وأعفي من مهمات وظيفته كقائد للجيش بناءً لطلبه ووضع بتصرف وزير الدفاع الوطني اعتباراً من 8/12/1982، وقبلت استقالته اعتباراً من 22/5/1983.

عُين المقدم ابراهيم طنوس في 8 من كانون الاول عام 1982 قائداً للجيش اللبناني بتسمية من الرئيس أمين الجميّل، بعدما كان أحد مرشّحي بشير الجميّل. شهد عهده حرب الجبل، وعرف بتنسيقه مع الأميركيين بواسطة عميد يُدعى فيليب فارس، وأقيل عام 1984 في عز التأزم السياسي والعسكري.

عيّن العماد ميشال عون في 23 حزيران 1984 قائداً للجيش بعدما تم ترفيعه من رتبة عقيد الى رتبة عميد. كان أكثر القادة تسييساً. كلف من قبل الرئيس امين الجميّل، في نهاية ولايته في 23 ايلول عام 1988 بتشكيل حكومة عسكرية أصبحت في مواجهة الحكومة المدنية التي يرأسها بالنيابة الرئيس سليم الحص.

اتخذت حكومة الحص في عام 1988 قراراً بإقالة ميشال عون من قيادة الجيش وإسنادها بالوكالة إلى اللواء سامي الخطيب، استمرّ الوضع يراوح مكانه حتى شباط من عام 1989 عندما اندلعت اشتباكات عنيفة بين وحدات الجيش الموالية للعماد عون وميليشيا «القوات اللبنانية».

عيّنت حكومة الرئيس سليم الحص في 28 تشرين الثاني من عام 1989 العماد إميل لحود قائداً للجيش، اتخذ من رياق مركزاً له، لينتقل بعدها الى سبينس، فاليرزة. تمثل الحدث الأهمّ في عهده بإعادة دمج الجيش من مختلف المناطق والطوائف في وحدات متجانسة بعدما عانى الكثير من الانقسامات خلال الحرب الأهلية، وصولاً إلى عهد عون، وعمل لحود على إعادة بناء الجيش على أسس سليمة وإرساء عقيدة وطنية تخرج الجيش من التأثيرات السياسية المختلفة. مدّد له في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي وبقي في منصبه حتى 23 تشرين الثاني عام 1998.

عيّن العماد ميشال سليمان قائداً للجيش في 21 كانون الأول عام 1998، بعد انتخاب العماد لحود رئيساً للجمهورية. خاض الجيش في عهد سليمان معركة مخيّم نهر البارد ضدّ الإرهابيين مـن تنظيـم «فتح الاسلام»، وهي المعركـة التي قيـل إنهـا فتحَـت طريـق بعبـدا أمامـه.

عيّن العماد جان قهوجي قائداً للجيش في 29 آب عام 2008. مدّد له إثر القرار الذي وقعه وزير الدفاع فايز غصن الداعي الى تأجيل تسريح قائد الجيش ورئيس الأركان لمدة سنتين. خاض الجيش خلال حقبة قهوجي التي تنتهي في أيلول المقبل معارك عدة ضدّ الإرهابيين وتعرّض لاستهدافات متكرّرة وجولات من الاعتداءات الدموية في عرسال وعبرا وطرابلس وغيرها، وحاولت بعض القوى السياسية في 14 آذار إدخال الجيش طرفاً في النزاع الداخلي.

المادة 19 من قانون الدفاع المعدل 1984

يعيّن قائد الجيش من بين الضباط العامين، المجازين بالأركان الذين لم يسبق أن وضعوا في الاحتياط بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الدفاع الوطني.

يحمل قائد الجيش رتبة عماد ويُسمّى «العماد قائد الجيش» ويرتبط مباشرة بوزير الدفاع الوطني .

رئيس الأركان يوسف شميط

عيّن قائداً أعلى للجيش بالوكالـة اعتباراً من 9/9/1967

ولغاية 26/9/1967، ومن 5/8/1968 ولغاية 5/9/1968، ومن 20/6/1969 ولغاية 25/6/1969، ومن 21/8/1969 ولغاية 2/9/1969، ومن 28/9/1969 ولغاية 13/10/1969، ومن 22/5/1970 ولغاية 25/5/1970

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى