مسؤولية الإعلام وموضوعيته

شبلي بدر

سواء كان إعلاماً اجتماعياً بجميع تفرّعاته، أو إعلاماً حربياً بكلّ تفاصيله ودقته وصدقيته المطلوبة، فالمسؤولية لا يمكن إلا أن تطاول جميع المواضيع المطروحة، لأنها في هذه الحال تصبح ملكاً للمشاهدين والمستعمين معاً، الذين لهم حق إبداء الرأي في بعض ما تحويه من وقائع، أو في آراء بعض من تَستصْرِحهم المحطات المرئية أو المسموعة إغناءً وتوضيحاً لأيّ موضوع يطرح ويذاع من قبلها. وللإعلام المكتوب في هذا المجال مسؤولية كبرى، لأنّ الكلمة المكتوبة تبقى راسخة في أذهان القرّاء أكثر من الصوت والصورة، على رغم التراجع في أعداد القرّاء في زمن العولمة وخفايا مقاصدها ومساوئ استخدامها.

الأهمّ في تلك التعليقات أن يكون الشخص المُستصْرح أو ضيف الحلقات المعروضة الحية، ذا خبرة في ما يطرح عليه، إضافة إلى ما يتحلى به من سعة اطلاع وإدراك واحترام في الوقت نفسه من الجمهور المتابع لتلك المواضيع، وكذلك شخصية الضيف ومسيرته العلمية والثقافية والمناقبية والنضالية والأخلاقية، كل تلك الصفات مجتمعة تعطي جدية واحتراماً وثقة للسامعين والمشاهدين، ولا تلقي ظلالاً من الشك والريبة، مهما كان موضوع الحلقة المطروحة على الهواء، إذا كان تاريخ الضيف المستصرح يخلو من اللمعات والومضات، وفي مسيرته بعض علامات الاستفهام والمستمسكات والإدانات التي تطاوله، والأشدّ ألماً من كلّ ذلك إذا كان بعض المشاهدين يعرفون عنه أنه ليس على خلق كريم.

تقع بعض الفضائيات في أخطاء عديدة، مثل أن تأتي بمدّعٍ تعمشق على أسوار المعرفة في غفلة من الرقابة والمحاسبة، ليجيب على السؤال المطروح عليه، ظناً من معدّ البرنامج أو الحلقة أنه قد يفيد أو يغني في إجابته ويعطي إضاءة موضوعية تشدّ المشاهدين أو المستمعين وتدهشهم من «سعة اطلاعه»، فيخبط خبط عشواء ويعلك الكلام ويمضغ المعاني، فقط كي يأخذ حيّزاً ولو قصيراً من أعصاب المتابعين، ويعود بهم إلى إعادة استذكار مسيرته وتاريخه التنظيمي أو الأكاديمي أو الاجتماعي وهلم جراً، فيسقط في وهدة الماضي الذي يحاول التملص منه بـ»الضحك على الحاضر».

لا نظن أنّ الإفلاس في انتقاء هذه العينات من المسْتصْرَحين قد وصل إلى هذا المستوى المنزلق إلى الحشو الكلامي، وتعبئة الوقت بما لا يفيد، إذ لا تستفيد أية فضائية أو محطة إذاعية من أمثال هؤلاء الانتهازيين الذين قفزوا فوق أسوار المناضلين الحقيقيين وركبوا موجات الإعلام، فقط حباً بالظهور وانتهاز الفرص للاستعراض والدعاية لأشخاصهم ليس إلا، ذلك يدعونا إلى التوجه نحو بعض المسؤولين الإعلاميين لأن يتوخوا الدقة والحذر والتبصّر في انتقاء الأشخاص الذين يستضيفونهم في برامجهم، وأن لا يؤخذوا على حين غرّة ببعض الأسماء التي يحاول أصحابها تلميع صورهم، لأنّ التاريخ لا يمكن أن يتغاضى أو يسامح من كان محور سخرية واستهزاء الماضي الذي سطر سيرة هؤلاء المزايدين على مؤسساتهم وأحزابهم وتنظيماتهم، وحتى على الذين يعرفون بدقة مفاصل حياة كلّ واحد منهم، إذ أنّ بعض هؤلاء السفسطائيين أُخرِجوا من المواكب النهضوية، حين ثبت بما لا يقبل الشك أنّ الانتماء إلى المستقبل الواعد المشرق قد مات في نفوسهم وضمائرهم.

على رغم أنّ البعض يجيد التلاعب على الكلام ويخرج من جعبته أدوات السحر والألفاظ المنمّقة، ويجيد بدهاء مزج السمّ في الدسم، كلّ ذلك يدفعنا إلى التذكير بمأثور القول عن «العفاف»، سواء صدر عن «زيد» أو «عمر» أو عن أيّ مدّعٍ بأنه مرجعية وحجة لا يرقى إليها الشك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى