كلمات على هامش مؤتمر الاستثمار في دمشق
تامر بلبيسي
سورية أم الحياة عصية على الموت، فرغم الدمار والدم والآلام، لا يزال نبض الحياة فيها مصدر إعجاب وإنبهار والكلّ يقول ويعترف لو وقع ما وقع على سورية في أي بلد في العالم لما بقي فيه مظهر من مظاهر الحياة، بينما نحن نرى كلّ شيء يدور كعجلة لا تتوقف، عمال النظافة والحدائق ما زالوا ينهضون إلى أعمالهم مع طلوع كلّ فجر ليقولوا لكلّ مقيم أو قادم إنّ سورية بألف خير. يكفي أن نتخيل أنّ انقطاع الكهرباء لساعات عن مدينة شيكاغو الأميركية تسبب بعشرات جرائم القتل والاغتصاب والسرقة، بينما في سورية، بخلاف ما يرتكبه الإرهابيون من أعمال وحشية، تهبط نسبة الجريمة أيام الأزمات .
هذه هي سورية، ومؤتمر الاستثمار علامة من علامات الحياة لبلد يقيم أبناؤه أعراسهم، ويواصلون دورة حياتهم من قلب الركام، مؤمنين بأنّ ما وهبهم الله من مقدرات وعناصر حياة يستحق أن يقابلوه بهذا العزم وهذه الإرادة. وفي المقابل، فإنّ هذا المؤتمر هو جواب عن سؤال عما إذا كانت سورية فرصة استثمارية تستعد لها الدول الأجنبية الواثقة من عودتها إلى العافية. فلماذا لا يفكر السوريون بغير السوداوية نحو بلدهم بدلاً من أن يشاركوا في الاستعداد لملاقاة هذه الفرصة ويكونوا شركاء في عمران بلدهم؟ والشراكة هنا مقصد من دافعه الربح فقط، فكيف لا تكون مقصد الربح وبعضاً من الإيمان بالوطن؟
السوريون الذين يستثمرون سيوظفون بعد نجاحهم جزءاً من عائد استثمارهم داخل البلد ويشغلون جزءاً من يده العاملة، وشراكة السوريين في هذا المؤتمر علامة نبض الحياة السورية لكنها إشارة واعدة لمستقبل سورية وفرصها التي لا تبخل بها على أبنائها حتى وهي في قلب المعاناة .
المشاركون السوريون آتون ليقولوا لها: ها نحن هنا يا سورية نلبي النداء لننبض معك بإرادة الحياة، كما أنّ الذين يرون الفرص الواعدة ويسعون إلى ملاقاتها صنعوا من المؤتمر فرصة تلاقي العلم والوطنية والإرادة والمصلحة والعقل والعاطفة، فكانت المشاركات والحوارات وعمليات التعارف وأوراق العمل غنية بالمعاني المعبرة عن هذا الخليط الذي لن نجده في بلد غير سورية.
أما المغتربون الآتون فيعلمون أنّ الغربة طريق لبناء المقدرات وليست بحثاً عن وطن، بل بحث ضمني عن طريق لردّ الجميل للوطن، لذلك نجد أنّ المغترب السوري يحاول أن ينجح أولاً ليقدم صورة نجاح بلده، ثم يحاول أن يفعل شيئاً لبلده ليقول لنفسه أولاً أنّ جزءاً من عذاب الغربة كان لأجل الوطن وأنه لم ينس ولن ينسى .
وكما علّمنا الاغتراب نرغب أن تنتقل هذه الخبرة إلى بلدنا على ضفتي العلاقة بين المواطن والدولة، فيقتنع كلّ سوري بأنّ الدولة مهما عظمت قدراتها وخلصت نوايا المسؤولين فيها لا تستطيع أن تحلّ مكان المجتمع، فكلّ واحد منا لديه ما يفعله ويساهم من خلاله في التعبير عن حبه للوطن، ولأنني من المغتربين أتمنى أن أرى جمعية من ألف مغترب سوري من متوسطي القدرات، يلتقون لإطلاق ألف مشروع إنتاجي ويلقون الدعم التشريعي والإجرائي، لإقلاع من خارج الروتين، فهذا هو طريق النهوض بسورية.
سورية أعطتنا جميعاً وستعطينا جميعاً لكنها اليوم تنادينا فلنلب النداء .
مغترب سوري في الكويت