صراصير أردوغان

نظام مارديني

بين أردوغان والكاتبة البريطانية ديبورا ليفي مؤلفة «السباحة إلى المنزل» الكثير من التقاطعات. في حين ترسم ليفي شخصياتها بعناية الخبير، وتقدم رواية فيها من الصنعة الكثير، فانسابت فصولها بسهولة بين منعطفات الحوار لتبني جسوراً للعلاقات وتهيئ لأحداث درامية مقبلة… رسم أردوغان سياساته في منعطفات وهْم بناء جسور للعلاقات فضلّ طريقه بعناية الخبير في السقوط الأخلاقي، والانتخابي.

في السقوط الأخلاقي، وعدم احترام الوجدان الشعبي التركي، ذهب أردوغان بعيداً بسياسته الداخلية والخارجية التي وصفت بالمغامرة والتخبط.

في السياسة الداخلية اتسمت توجهات أردوغان بالتعالي والغرور إلى حد اصابته بجنون العظمة، وآخر مظاهر هذا الجنون تجلى ببنائه قصراً يحوي على نحو 1200 غرفة، وبتكلفة 600 مليون دولار بسبب، كما صرح أردوغان نفسه، وجود صراصير في المبنى القديم وبما لا يليق بمكانة رئيس الجمهورية، وكأنه أراد بوجود 1200 غرفة أن يخدع الصراصير إذا ظهرت مجدداً في قصره الجديد، وذلك بتغيير غرفته كل مرة حتى لا تتمكن الصراصير من متابعته خلال لقاءاته مع ضيوفه والظهور فجأة. وهذه الحيلة مهينة للشعب التركي قبل أن تكون مهينة لضيوفه.

لا شك في أن رسائل بليغة في لغتها ومغزاها أودعتها صناديق الاقتراع، منها:

– أولى تلك الرسائل يمكن وصفها بالشخصية حيث دفعت نتائج الانتخابات أردوغان إلى ان يكره صورته في المرآة وينكرها، وقد يحطّم المرآة لو أستطاع، لكنه يدرك أن ذلك لن يُغير شيئاً في حقيقة صورته كـ«داعشي» قميء. وهو كـ«داعشي» ليس غريباً على الصورة، بل هو في أصل تشكيل هذا التنظيم، ولمَن لا يريد ان يعترف فعليه أن يراجع سياسات أردوغان المذهبية والطائفية منذ تفجر الحرب الكونية على سورية.

– الرسالة الثانية التي أكدتها الانتخابات ان لا مجال بعد اليوم لأي سلطان كما كان يسعى أردوغان لاعادته من القبر. فقد ولى زمن السلاطين.

– الرسالة الثالثة، إن لا مجال لاحلال النظام الرئاسي محل النظام البرلماني العلماني القائم منذ 90 عاماً.

– الرسالة الرابعة، إن لا مجال لإنكار وتقزيم الدور الكردي في الحياة السياسية التركية، وهي رسالة تنطوي على إعتراف بأن المواطن الكردي لم يعد ناطوراً في المبنى التركي بل أصبح شريكاً في بنائه.

ويبقى أن تركيا تقف الآن أمام تحول جذري في سياستها الخارجية بخاصة في سورية والعراق سوراقيا ، وذلك بعدما تجلى البعد الخارجي بالاندفاعة المتهورة غير المحسوبة في الأزمة السورية، حيث تجاوز خطاب أردوغان ضد الدولة السورية أكثر خطابات المعارضة المسلحة تطرفاً، وهو الذي تورط بدعم المجموعات التكفيرية بالمال والسلاح والتدريب وفتح الحدود.

تركيا جديدة تولد الآن، لكن غير تلك التي عمل لها الحالم بـ «الأخونة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى