من دمشق ترتسم السياسات

د. حسام الدين خلاصي

على رغم صعوبة ما مرت به سورية وصعوبة المقبل من الأيام أيضاً، صار الصبر صموداً وتلازماً مع مسيرة الجيش العربي السوري وقوى المقاومة المساندة للقضية السورية والشعب السوري وبات عنوناً لشعوب المنطقة المعتدى عليها ودليلاً تمشي عليه وبقعة من أمل في الانتصار على قوى الاستكبار العالمي.

بات اليمن يطلق صواريخ سكود تحذيرية باتجاه المملكة الفاشلة، وباتت المقاومة اللبنانية تقاتل الصهاينة على جرود عرسال والشعب المصري يضغط باتجاه مواقف أكثر وضوحاً من القضية الرئيسية المركزية فلسطين وتحديد الهوية القومية لمصر، هذه التبدلات تحصل في زمن تشتد فيه المتغيرات العسكرية على الأرض السورية بين تقدم وتراجع بين نصر ونصر آخر يحدده مسار العمليات وفق الأولوية العسكرية التي تحددها القيادات العسكرية السورية.

تحت هذا المسمى الصمود السوري حصلت الانتخابات التركية، وامتدت الأنظار لتركيا مركز الوهابية التكفيرية في القرن الواحد والعشرين بعد أن نقلت الإدارة العسكرية في جزئها الأكبر إلى الأراضي التركية برعاية أميركية وتمويل سعودي والتخطيط «إسرائيلي»، امتدت الأنظار لتراقب سير العمليات ونتائج الانتخابات، فلقد صعد أردوغان في دعمه المسلح لإرهابي جبهة النصرة وجبهة الفتح في الشمال السوري من جهة إدلب ليقول أنا هنا ، وتوعد في خطابه الانتخابي بأن تركيا إسلامية وأوضح فيه تسلحه بجحافل الإرهاب المستوطن بأرضه ولم يشمل خطابه استقواءه بالجيش التركي كما فعل في انتخابات سابقة، حيث أهدى فوزه السابق لعواصم عربية ومدن منها حلب… وجلس ينتظر النتيجة.

لقد فتح سلوكه الاستعلائي المجال أمام منافسيه القوميين والأكراد كي يبرزوا عناصر ضعفه، ومع ظهور أدلة جديدة على تورطه في الإرهاب وقمعه للحريات العامة كشف وجهه الصهيوني وولاءه لـ «إسرائيل» أكثر من ولائه لقوميته التركية التي خططها سابقه القديم أتاتورك مؤسس الدولة التركية.

لكن كل هذه المعطيات لم تكن أهم من أن صمود دمشق الجيش والشعب والقائد هو من قدم للزمن فرصة تعرية هذا المجرم السفاح وحزبه الشيطاني، فلو أن دمشق ما صمدت وانهارت لكان تنظيم الإخوان الشياطين ومن ورائه القاعدة ومشتقاتها، اجتاح المنطقة ومهد لاقتتال طائفي ومذهبي تأتي على خلفيته جحافل الناتو لتنقذ وتقسم المنطقة برمتها.

صمود دمشق غيّر طبيعة الحياة السياسية في تركيا فسقطت قوى وصعدت قوى وصرحت المعارضة التركية بأنها ستجري محادثات مباشرة مع دمشق وستغلق تدفق الإرهاب إلى سورية، فهذا يخدم المصالح القومية التركية وليس كما كان يفعل المجرم أرودوغان والذي صرح عقب النتائج بأنه غير راض عن رئيس حكومته وغير راض عن الشارع التركي الذي لم يقدر مواهبه في الازدهار التركي، دالاً في ذلك على جنون عظمة يؤذن بانتهاء صلاحيته واقتراب موعد محاسبته.

إن تامين الحدود التركية من قبل حكومة ائتلافية لا تسمح للمجنون السفاح بمزيد من الإجرام لأن فيه أكبر انتصار وتفرغ للحدود وما عليها من إرهاب من الجانب السوري وعندها لا رحمة لإرهاب موجود مع وقف التدفق المكشوف من الشمال السوري، لذلك نجدهم الإرهاب يسارعون لكسب مناطق على الأرض لتحصيل مكاسب سياسية وتفاوضية أكثر خاصة وأن نهاية أردوغان اقتربت، وغالب الظن أنه لن يقبل بالنتائج وسيسعى لاستنهاض الإرهاب الإسلامي الذي يأتمر بأمرته لإشاعة الفوضى في تركيا انتقاماً ممن خذله واستكمالاً لمخطط التقسيم، وغالب الاعتقاد أن الجيش التركي ستقضي على أحلامه قبل البدء بها وسيجد نفسه في السجن كسابقه محمد مرسي في مصر.

تبقى لسورية الآن مهمة صعبة تتعلق بالجبهة الجنوبية مع عدم إهمال الشمالية، فالدعم الصهيوني المباشر لجبهة النصرة في الجنوب والتقدم الذي قد تحرزه هذه العصابات جنوباً أيضاً مثير للقلق، لأنه باتجاه دمشق، ولكن دمشق العصية أيضاً تعي خطورة الموقع والمكان واتضاح مسارات جديدة من الدعم من قبل الحلفاء سيتطلب حسماً سريعاً جداً في جبهة الجنوب مهما ازدادت خطورة المعارك، ولربما تخبرنا الأيام عن انتصارات تشابه انتصارات القلمون وبنفس الآلية لأن الجبهة الجنوبية هي مسرح عمليات الجيش العربي السوري المعتادة منذ بداية الاحتلال الصهيوني، وطالما 900 كيلومتر من الحدود التركية المفتوحة لم تحدد إلا المسار السياسي الذي انتظرته سورية في تركيا كبطاقة استراتيجية للربح، ستجد «إسرائيل» نفسها أمام خيارين، إما قطع رأسها إن طفح الكيل أو التراجع من الميدان وترك النصرة وغيرها لمصيرهم المحتوم ألا وهو الدعس تحت أقدام الجيش العربي السوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى