من القاهرة… رابع مستحيلات «المعارضة السورية»

سعد الله الخليل

بعد أكثر من أربع سنوات من التمسك بشعارات وسقوف عالية أدركت المعارضة السورية حتمية الحلّ السياسي للأزمة في سورية وأطلقت من القاهرة ما وصفته بخريطة طريق لحلّ سياسي تفاوضي للأزمة في سورية مستندة إلى اتفاق جنيف. والتي اعترفت للمرة الأولى باستحالة الحسم العسكري للنزاع كإحدى المستحيلات الثلاث وفق رؤيتها وتشخيصها لسنوات الأزمة، وهي حقيقة لم تأت بلا شك من فراغ، إنما بعد أن جرّبت كلّ أشكال العمل المسلح لمواجهة الدولة السورية منذ انطلاقة أولى صيحات الحرية السلمية المزعومة، حين برّرت حمل السلاح للدفاع عن المتظاهرين، وما رافقه من قتل عبثي للبشر وتدمير منهجي للحجر واستنزاف مدروس للدولة السورية، دفّعت الوطن أغلى الأثمان ضاربة عرض الحائط كلّ مبادرات التسوية التي أطلقتها القيادة السورية للوصول إلى ما يدّعيه مجتمعو القاهرة الحرص والقناعة باستحالة الوصول لما هو سواه، عازفين على وتر نشازهم عبارتهم الشهيرة «تأخر الوقت ولا حلّ سياسياً إلا بإسقاط النظام»!

ما الذي غيّر اليوم قناعاتهم؟ وأين أصبحت تشكيلاتهم المقاتلة؟ وماذا حققت على الأرض السورية؟ ومن عاد يسمع بما أُطلق عليه يوماً «الجيش الحر»؟ وكيف تحوّل من بقي من أفراده فور ظهور «جبهة النصرة» إلى طليعة مقاتلة مهمتها دخول القرى واستباحتها إلى حين دخول «النصرة» إليها، ليتحوّلوا خدماً لدى قيادات «النصرة» حين كان له صولة وجولة؟ أما اليوم فعلى الأرض محصلة تواجده صفرية لا قيمة لها إلا إذا كانت ترى في إنجازات «جبهة النصرة» و«داعش» مكاسب لها ونجاحات ميدانية تتغنى بها وترسم خططها المستقبلية بناء عليها.

ثاني مستحيلات المعارضة السورية استمرار منظومة الحكم الحالية مطالبة بآليات تنفيذية لنقل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية لهيئة حكم انتقالي، منطق تتفق عليه كل الأطراف، لكن التساؤل الأكبر من سيشكل الحكومة الانتقالية والمجلس الأعلى للقضاء والمجلس الوطني العسكري الانتقالي وفق ما يدعو إليه البيان؟

وطالما أنّ ثالث مستحيلات المعارضة السورية أيّ دور للمؤسسات الحالية وللرئيس بشار الأسد في مستقبل سورية، فبماذا ستختلف تلك المؤسسات عن حكومة أحمد طعمة التي شكلتها؟ وأيّ طعمة ستضيفها على الأرض السورية بعد أن فشلت في حماية منزل رئيس حكومتها من اقتحام تنظيم «داعش» والعبث بمحتوياته؟ ولعلّ في الصورة رغم بساطتها ما يكشف عمق مأزق المعارضة السورية المجتمعة في القاهرة واقتصارها كظاهرة غوغائية على المنابر لا أكثر ولا أقلّ لا وجود لها على الأرض السورية.

مبادرة القاهرة القاصرة والتي لا يمكن لأيّ عاقل أن يناقش بقبول القيادة السورية السير بها، خاصة أنّ الرئيس بشار الأسد قدّم قبل أعوام ما هو أكثر نضوجاً وأكثر شمولية وقابلية للتطبيق، والكلّ يذكر كلمته في دار الأوبرا مطلع عام 2013 والتي تحقق أكثر مما تطمح إليه المعارضة وبسقوف أعلى مما تدعو اليه، وقد قوبلت حينها برفض من مطلقي مبادرات اليوم تحت يافطة أنّ «الوقت تأخر».

الغول والعنقاء والخلّ الوفي مستحيلات العرب الثلاثة قابلتها المعارضة السورية بمستحيلات ثلاثة تكشف قصر نظرها وجنوحها في الخيال والأوهام لتبدو عودتها إلى الأرض السورية رابع تلك المستحيلات.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى