حرب حزيران 1967… وتثبيت الكيان واقعاً إقليمياً
رامز مصطفى
مصادفة غير محمودة هي التي قاربت بين تاريخيـن لحدثيـن شكـلا تحـوّلاً استراتيجيـاً خطيـراّ علـى الأمن القومي العربي، وعلى مقــدّرات المنطقـة وحاضرها ومستقبلها، وفي المقدّمـة منها القضيـة الوطنية الفلسطينيـة. هذان الحدثان اللـذان كانـا بمثابة الزلـزال الـذي لم يُبــق ولـم يـذر. وهما الذكرى الـ67 لاغتصـاب فلسطيـن عام 1948، والذكـرى الـ48 لهزيمـة حزيران عام 1967، وهما يتصلان مباشرة بتداعياتهمـا بفلسطيـن وقضيتهـا الوطنيـة.
إذا كان الاغتصاب الصهيوني للأرض الفلسطينية عام 1948 قد حقق للحركة الصهيونية كياناً على مساحة 78 بالمائة، فإنّ هزيمة الخامس من حزيران عام 1967، قد أكملت حلم القادة الصهاينة في احتلال كامل الأرض الفلسطينية، بما فيها القدس.
ما حققته «إسرائيل» قبل 48 عاماً عندما هزمت جيوش ثلاثة دول عربية في آن واحد وهي الحرب الثانية، وما حققته من قبلها في حرب أسمتها الحرب الأولى عام 1948 1949. ففي حربها الأولى حققت نسف قرار التقسيم رقم 181 الصادر في العام 1947، وهي بذلك ألغت حدود التقسيم، وأما في حربها الثانية فهي ثبّتت حدود كيانها على أرض فلسطين التاريخية في العام 1948، من خلال القرار الأممي 242 والصادر في العام 1967، والذي طالبها الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة حرب الخامس من حزيران، حيث بات المجتمع الدولي ينظر إلى تلك الأراضي على أنها أراض محتلة، من دون التطرّق للأراضي الفلسطينية عام 1948. وهي أيّ «إسرائيل» تكون بذلك قد ثبّتت «مشروعية» كيانها الغاصب.
والسياق التاريخي الرابط بين الحدثين وما استتبعهما من تطوّرات وتحوّلات جيو سياسية في أكثر من محطة ومنعطف خلال العقود الماضية، جاءا ليستكملان مشروعاً تدرّج في خطواته لكي يصل إلى ما نعايشه اليوم من أحداث وتطورات هادفة إلى تغيير المنطقة وإعادة رسمها بالمعنى الجغرافي والديمغرافي والسياسي تتحكم فيه غرائز قوى طائفية ومذهبية وعرقية، تكون فيه «إسرائيل» الدولة الإقليمية الأقوى بين هذه المكونات الهجينة في المنطقة، بما يسوغ لـ«إسرائيل» أن تكـون دولـة ذات «قوميـة يهودية»، على حساب الفلسطينييـن وقضيتهـم وعناوينهـا الوطنيـة.
فحرب حزيران عام 1967 لم تكن بسبب ما حاول الكثيرون الترويج له، أنّ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قد أقدم على إغلاق ممرات تيران، وطلبه من قوات الأمم المتحدة الانسحاب من خطوط الهدنة مع الكيان «الإسرائيلي»، لأنه في العودة إلى الوثائق التاريخية أثبتت أنّ النوايا «الإسرائيلية» نحو شنّ الحرب كانت متوفرة لدى قادة الكيان، وبتشجيع مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، فعندما التقى مدير الموساد «الإسرائيلي» آنذاك المدعو «أميت» مع الرئيس الأمريكي «جونسون»، وبعد التداول سأل جونسون رئيس الموساد: «لو هاجمتم العرب الآن، فكم ستتحمّل هزيمتهم معكم؟» فكان جواب أميت «عشرة أيام تقريباً». فقال جونسون: «إذاً ماذا تنتظرون؟».
وتكشف الوثائق أيضاً، أنّ العدوان الصهيوني على مصر وسورية جاء بطلب سعودي، عندما كان الأمير فهد يترأس الجانب السعودي في اللجنة الأميركية السعودية، المكلفة بإدارة الحرب في اليمن ضدّ القوات المصرية التي أرسلها الرئيس الراحل عيد الناصر، حيث طلب فهد عام 1966 من الأميركيين، أن يطلبوا من «إسرائيل» شنّ هجوم واسع على سورية أو غزة، وفي هذه الحالة عبد الناصر سيتحرك للمساعدة، وعندها توجه له «إسرائيل « ضربة قوية، وإما أن يلوذ بالصمت، وهكذا تتعرّض شعبيته للتآكل والتراجع. وتضيف الوثائق أنّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» آنذاك ليفي اشكول، قد اتفق مع الرئيس الأميركي جونسون في أيار 1967 على تلبية الرغبة السعودية، من خلفية تحقيق المصالح الصهيو ـ أميركية من جهة، ومن جهة ثانية تسليف السعوديين هذا الموقف الكبير والذي تمثل في شنّ حرب حزيران 1967، مقابل أن تلعب المملكة السعودية مستقبلاً دوراً محورياً ومؤثراً في إيجاد حلّ لموضوع الصراع عن طريق حلول تسووية، مستندة إلى مبادرات ورؤى سياسية.
وعلى الرغم من أنّ القمة العربية الرابعة التي عُقدت في الخرطوم بعيد حرب حزيران قد تبنّت اللاءات الثلاثة «لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف»، وصحيح أنّ نكسة حزيران قد أيقظت الوجدان العربي وشكلت له الصدمة. مما نبّه الحسّ والشعور القوميين بالخطر الذي يحدق بالعرب ويتهدّد أمنهم القومي. حيث انعكس في الالتفاف العارم للشعب العربي حول الثورة الفلسطينية المعاصرة. وجاءت معركة الكرامة في 21 آذار 1965 وانتصار المقاومة الفلسطينية تعبيراً وتتويجاً لهذا التوجه الجديد لدى الشارع العربي ونخبه السياسية والحزبية من خارج الأنظمة، وبأنّ المقاومة وحدها الكفيلة بردع المعتدي والانتصار عليه. ولكن تطور الأحداث في المنطقة، وتحديداً بعد حرب 1973، وما تلاها من التوقيع على اتفاقات «كامب ديفيد» على الجبهة المصرية «الإسرائيلية»، وجدنا كيف أنّ المبادرات السعودية هي التي تصدّرت الأفكار الرسمية العربية بما يتعلق بأفق التسوية في المنطقة، من مبادرة الأمير فهد في فاس الأولى والثانية، إلى مبادرة السلام العربية، التي صاغها بخط يده الصحافي الأميركي توماس فريدمان وتبناها الملك عبد الله، بعد التوقيع على اتفاقات «أوسلو» بين المنظمة و«الإسرائيليين». لتصبح متبناة من قبل قمة بيروت عام 2002.
من المؤكد أنه وبعد مرور 48 عاماً على نكسة حزيران، ومع ما شهدته وتشهده المنطقة من سلسلة مديدة من التحولات والتطورات والأحداث إلى يومنا هذا. هذه الحرب «الإسرائيلية» على كلّ من مصر وسورية والأردن، واستكمال اغتصاب الكيان الصهيوني لكامل الأرض الفلسطينية ومعها الجولان وسيناء، لم تكن إلاّ في سياق طويل مما اعتبرته عام 2006 الوزيرة الأميركية رايس أنه المخاض على طريق تثبيت الكيان «الإسرائيلي» ليصبح جزءاً من منظومة الإقليمية التي يُعمل على فرضها، لا بل أن يكون هو الأقوى والأكثر قدرة وحضوراً في كلّ الميادين السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والأمنية والعسكرية.