أنبياء اليأس وأبطال الشؤم

د. سليم مجاعص

في المروياّت التي تلقّن في المدارس أنّ قائد الحملة على الأندلس أحرق سفنه أو أغرقها بعد إنزال قواته، واشتهر قوله في التاريخ: «العدو أمامكم والبحر وراءكم…»، ويعمد المعلّمون والمعلّمات الى الإشارة الى حنكة ذلك القائد الذي عرف كيف يجعل محاربيه يقاتلون بضراوةٍ أشدّ، وعزمٍ أمضى، اذ لم يترك لهم أيّ خيار آخر!


ومهما يكن من صحة هذه المروية أو عدمها، فإننا نرى فيها سذاجة استراتيجية بالغة، إذ اختار ذلك القائد أن يحرم نفسه ومهمته من مرونة حركية حربية مهمة. فبفقدان سفنه لم يعد لديه خيار مكان القتال وزمانه، وهي عوامل قد تكون حاسمة في تأمين النصر. كما أنه حرم نفسه ومحاربيه من خطوط الإمداد والإسعاف. إنّ نحر الذات ليس بحنكة، والمجازفة بأرواح الأبطال ليست دراية! وماذا نقول عن ثقة ذلك القائد بمحاربيه وتصميمهم على القتال، ولعلّه كان يتعامل بعقلية من تعوّد الغزو والكرّ والفرّ، وليس الصراع لتملّك الأرض والأصقاع.

نسوق هذا الكلام لأنّ أنبياء اليأس وأبطال الشؤم يقولون لنا: الدولة العبريّة وملايين سكانها، وشبكة عمرانها، وترسانتها الحربية أمامكم، والدول الكبرى الحاضنة لها، والمسعفة لغاياتها، وراءكم، والتسليم لجبروت الإثنين خطوة كتبت عليك، ومن كتبت عليه خطى مشاها!

جوابنا بالطبع أنّ ما كتب ويكتب يمحى بإرادة أقوى! والقضاء والقدر هما ما تقرّره إرادتنا نحن، لا ما ينعمه علينا أنبياء اليأس. إن اتجاه الهجرات البشرية قابل للعكس، فكما جاؤوا من الشتات يرحلون. والشبكة العمرانية قابلة للزلزلة، فكما زلزلوا وما زالوا يزلزلون شبكاتنا العمرانية، تزلزل شبكاتهم. والترسانة الحربية تمكن محاكاتها ومجابهتها، أليس ذلك من دروس حروب التحرير القومية!

وغرض أبطال الشؤم في الكيانات السورية واضح: إنه إنقاذ ماء الوجه بوقاحة الحكمة التي أعطيت للجهّال وحُرم منها العاقلون. فأبطال التسليم هم المستفيدون من التسليم، وهم الصانعون من الذلّ نياشين ومراكز. هم سماسرة الموت في سلطات صورية صنعها أعداء الأمة وأعداء حياتها. هم الذين أحرقوا المراكب والسفن وتهاونوا بأرواح الابطال.

إنّ بناء حياة الأمة ورسم مصيرها يبدأ بالعز وليس بالذلّ.

إنّ قيادة صراع الأمة يبدأ بالثقة وليس بالانخذال. الثقة بالأمة وبأبطالها وبطلاتها، فلا تحرق مراكبهم، ولا يرمى بهم وبهنّ في شدق الموت من دون حساب.

إن تمثيل إرادة الأمة يبدأ بالوجدان الحي لحقيقة مصالحها ومتطلبات تأمين حياتها وليس بوجاهات التراكم والإقطاع السياسي.

إنّ خدمة الأمة تبدأ بتقديم مصالحها على غايات الفرد ومطامع الطامعين، وليس بخدعها أنّ الزحف على البطون بطولة وهمية ما دام الزاحف يدعي التمرّد ولا يمارسه.

والى أهلنا في الجنوب السوري نقول: نحن لا نكتفي بالمحافظة على تلة قرب أريحا عندما يدفعنا الواجب القومي الى المطالبة بجبل الكرمل تلال الجليل كلّها!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى