الزاروب العربي واستحقاق الثالث من حزيران في سورية ومحفّزات الموقف الصهيونيّ من إيران
المحامي محمد أحمد الروسان
في سورية فاشيّة دينيّة متصاعدة، وفي أوكرانيا فاشيّة ونازيّة جديدة تتوسّع، وفي أروقة مجتمعات استخبارات الطرف الثالث في المسألة الشامية، كخصوم للدولة الوطنية السورية، جلسات عصف ذهني وخلاصات. وتفيد المعلومات المتسربة، وعن قصد، بأنّ منظومة الحسم الاستراتيجي في الأزمة الراهنة استطاع النسق السياسي في دمشق تحقيقها، والعملية ما زالت مستمرة وترافقها عمليات الحسم الميداني لتعزيزها وتثبيتها على أرض الواقع وعبر لغة الميدان، إن لجهة التكتيكي منها حيال انتخابات الرئاسة في الثالث من حزيران المقبل، وإن لجهة الاستراتيجي نحو ما بعد نتائج الانتخابات الرئاسية، وأي صيغ سياسية تفاوضية قد تُفرض كحلول تستهدف: سد الأفق السياسي وتعميق الخلافات والأزمة، بعبارة أخرى إعادة إنتاج الأزمة السورية، في المعنى السياسي، من قبل الطرف الثالث وبعض زواريبه من مشيخات القلق والبعض العربي الآخر، ودفع أو تشجيع النسق السوري للجلوس إلى طاولة المفاوضات من جديد.
معروفٌ للجميع أنّ السياسة استمرار للحرب، فبنية الأخيرة بتفاصيلها استمرار للسياسة، وأي عملية عسكرية لا تقود الى نتائج سياسية هي عملية فاشلة بامتياز، حتّى لو كانت عملية عسكرية داخلية. فما نلحظه في سورية أنّ معظم العمليات العسكرية في الداخل السوري من قبل قطاعات الجيش السوري وتشكيلاته تقود الى نتائج سياسية مبهرة للدولة، ويكفي أنّ المجتمعات السورية المحلية لم تعد حاضنة لمعظم سفلة الإرهاب المُدخل والمنتج في الداخل السوري، وصارت طاردة بعمق له، ورافقت ذلك المصالحات السياسية لإخراج الإرهابين من غير الجنسية السورية ومشغليهم، وصولاً إلى استحقاق الثالث من حزيران المقبل الانتخابات الرئاسية.
كرّست الأزمة السورية، كأزمة إقليمية ودولية ينام ويصحو الجميع على حوادثها، مفهوماً جديداً للسياسة سيدرّس لاحقاً في جامعات العالم ومراكز البحث الأممي، إذ لم تعد السياسة فن الممكن، فهذا مفهوم قديم وتقليدي أكل الدهر وشرب عليه ومنه حتّى شبع. السياسة الآن بفعل مفاعيل وتفاعلات وعقابيل ومآلات الحدث السوري صارت تعني فن إنتاج الضرورة كمنتج شامل. بعبارة أخرى صارت السياسة منتجاً أمنياً، ومنتجاً سياسياً، ومنتجاً اقتصادياً، ومنتجاً عسكرياً، ومنتجاً ثقافياً وفكرياً، بعيداً عن فلسفات سياسات تدوير الزاويا الخلافية في السياسة كمفهوم ونهج ووسيلة.
بعد الإنجازات العسكرية السورية الأخيرة والمتواصلة، إن عبر العمليات العسكرية الهجومية مرّات عديدة والعمليات الدفاعية أحياناً، وإن عبر سياسات واستراتيجيات المصالحات التي انتهجتها وتنتهجها الدولة الوطنية السورية، بات للنصر مفهوم جديد ومعيار مستحدث في علم الحروب، والأخيرة الحرب لا تحسم بالحل العسكري وحده، بل بالحل السياسي الذي أضحت له قيمه أخلاقية وقيميّة اجتماعية تحاكي تجليات النصر العسكري الميداني.
تسير الدولة الوطنية السورية بخط الحسم العسكري وخط الحسم السياسي المصالحات ، إن في مناطق فرض فيها الجيش السوري سيطرته الكاملة، وإن في تلك المناطق التي صارت على مشارف الفرض العسكري عليها، ودفعها الى فكرة الخروج والعودة الى حضن الدولة من جديد. فدمشق جادت وأبدعت وبمهنية محترفة في فن ممارسة الحرب ضد الإرهاب المدخل الى الداخل السوري من قبل دول الجوار مجتمعةً، وضد الإرهاب المصنّع في الداخل عبر الطرف الثالث في الحدث السوري وزاروب البعض العربي القلق وقبل بدئه بسنوات، وما رافق ذلك من وضع استراتيجيات صناعة الكذبة في الأزمة السورية وصناعة القاتل والضحية.
أحسب أنّ مستقبل نهاية الأزمة في سورية، في حاجة الى من يجيد فن الحرب، على ما أسلفنا، ويتقن صناعة عملية السلام الداخلي عبر المصالحات الشاملة. ورأى العالم ما حدث في حمص القديمة وكيف سهّلت أطراف اقليمية مجبرةً ومكرهةً لذلك، لإخراج مجاميع ضبّاط استخباراتها من الداخل الحمصي القديم، من طرف سعودي وطرف تركي وطرف دويلة قطر، وكان منظر «السادة» الإرهابيين المنسحبين كأنّهم، لا بل هم مثل الجراد المنتشر الجائع نحو العرق الأخضر للصعود في حافلات ذلّهم الى حيث أرادوا أو أريد لهم أن يخرجوا اليه سوريّاً، ليصار الى تصعيدهم لملاقاة الحور العين التي «جاهدوا» لأجلها، ولن يجدوا إلاّ ما اقترفته أياديهم من ظلم حيث يهوون في نار جهنم بإذن الله تعالى، سبعون وسبعون وسبعون خريفاً حتّى يلج الجمل من سم الخياط خرم الأبرة .
صحيح أنّه تم انتزاع الورقة السورية السياسية من يد السوريين في بدايات الحوادث الى منتصفها تقريباً، وجعلها تتنقل بين مدارات التنازع الدولي وتنازعات البعض العربي المرتبط بالطرف الثالث في المسألة السورية، وتحديداً في أروقة مشيخات الرمال والقلق العربي، باستثناء واحدة أو اثنتين الى حد ما. لذا ليس القوي من يكسب الحرب إنما الضعيف هو من يخسر السلام.
عندما نقول المجتمع الدولي وأدواره في سورية وأزمتها نقصد به: الولايات المتحدة الأميركية، والدولة العبرية «إسرائيل»، وبريطانيا، وفرنسا، وزواريب البعض العربي التائه القلق، فإنّ عرب الرمال يريدون استمرار إسالة الدم السوري ومزيد من استنزافات عميقة وعرضية للدولة الوطنية السورية، مسنوداً بمحفظة مالية ضخمة وحملات بروباغندا معادية مضادة، لذلك فإنّ عرب الرمال وبعض العرب الآخر يدركون أنّ أميركا عندما تصل الى اللحظة التاريخية الحاسمة للمفاضلة والاختيار بين حلفائها ومصالحها سوف تختار الأخيرة، وخير مثال على ذلك جنيف إيران ومآلاته المقبلة.
وتركيا الدور التركي بقي على ما هو عليه إزاء سورية ولم يتغير . مثلاً علاقاتها في قمة السوء مع الرياض، وترغب في عدم معاداة إيران ومحاولتها المستميتة في عدم إثارة غضب الفدرالية الروسية، صارت تتخذ خطوات أكثر تشدّداً إزاء ما يسمّى بـ«المعارضة السورية» لديها، والأخيرة بمثابة طروحات أنثى متتالية لعيب في قناة فالوبها، بل أبلغت شريك الشيخ سعد الحريري في ثدي جيفري فيلتمان المساعد السياسي لبان كي مون، عقاب صقر الهارب من الداخل اللبناني والذي ينسّق مع «المعارضة السورية»، بعدم رغبتها في بقائه في تركيا.
محفزات الموقف الصهيوني من إيران:
في ظل كثرة «الكلام» هذه الأيام عبر وسائل الميديا الأممية وعلى مختلف مشاربها، حول أنّ كبار المسؤولين الإسرائيليين الصهاينة يؤكدون أن القوات «الإسرائيلية» الحربية الصهيونية قد أكملت استعداداتها اللازمة لجهة القيام بتوجيه الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي محفزات الموقف التصعيدي «الإسرائيلي» الصهيوني الجديد؟ أعتقد أنّ محفزات هذا الموقف الصهيوني «الإسرائيلي» المتفاقم يتمثل في الآتي:-
أحسب أنّ إدراك «الإسرائيليين» الصهيونيين المتزايد باستمرار، أن إيران على وشك أن تصبح قوة نووية، وفي هذا الصدد أشارت بعض المعلومات إلى أن إيران باتت تملك من موارد التكنولوجيا النووية ما يكفي لحيازتها قنبلة نووية خلال فترة زمنية ليست طويلة، أضف الى ذلك رغبة «الإسرائيليين» في ممارسة المزيد من الابتزاز، فـ«إسرائيل» تعاني ضغوطاً اقتصادية داخلية دفعت إلى تصاعد المزيد من الاحتجاجات إلى جانب أزمتها مع الفلسطينيين في المفاوضات العبثية، وما من سبيل أمام «إسرائيل» سوى اصطناع سيناريو توجيه الضربة العسكرية ضد إيران، وعدم الإذعان لرغبة واشنطن بعدم توجيه هذه الضربة إلّا بعد الحصول على الدعم الكافي لإخراج «إسرائيل» من أزمتها الاقتصادية وأزمتها مع الفلسطينيين.
كذلك رغبة الحكومة «الإسرائيلية» الصهيونية في توظيف مفهوم الحظر النووي الإيراني كوسيلة لحشد التأييد والدعم السياسي الداخلي، وذلك لأن القوانين والتشريعات «الإسرائيلية» الأخيرة والخاصة بحرية الرأي والرأي الآخر وحرية الإعلام عامة، سوف تتيح لحكومة نتنياهو تحويل «إسرائيل» الصهيونية دولة شمولية ليكودية بالمعنى الحقيقي، فالقوانين الجديدة تعطي السلطات «الإسرائيلية» استهداف جميع القوى السياسية «الإسرائيلية» التي تسعى إلى معارضة التوجهات الليكودية الرسمية.
تدعم ذلك أيضاً رغبة الحكومة «الإسرائيلية» الصهيونية في ابتزاز الموقف الدولي، الداعم للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لذا فإن التلويح «الإسرائيلي» – الصهيوني بضرب إيران الدولة المسلمة، سوف يدفع الأطراف الدولية داخل مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، لناحية التراجع عن دعم مشروع الدولة الفلسطينية كثمن لتراجع «إسرائيل» عن ضرب إيران.
يدعم هذه المقاربة الابتزازية لدولة الكيان الصهيوني معظم الموقف الدولي، سعي «الإسرائيليين» إلى القيام بعمل عسكري ضد قطاع غزة والضفة الغربية، وبالتالي فإن التلويح بضرب إيران هو السقف الأعلى الذي يتيح لـ«إسرائيل» خفضه لاحقاً ضمن الحد الأدنى، وهو في هذه الحالة القيام بعمل عسكري ضد الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديداً بالتركيز على قطاع غزة المحتل الذي تشير التسريبات إلى وجود نوايا «إسرائيلية» صهيونية لإعادة احتلاله أو احتلال جزئه الأوسط، ما يشطر القطاع المحتل نصفين.
إن رغبة «الإسرائيلي» الصهيوني جامحة في توجيه ضربة عسكرية ضد جنوب لبنان، والتلويح بضرب إيران المسلمة يهدف إلى رصد تحركات حزب الله اللبناني وفهم كيفية استعداداته، ما يتيح لـ«الإسرائيليين» استطلاع مراكز قوة الحزب العسكرية، ثم القيام لاحقاً بتوجيه المزيد من الضربات بالقدر الكافي لتدميرها، ما يفسح المجال عملياً أمام المضي قدماً في مخطط ضرب إيران.
تشير المعلومات المسرّبة عن قصد إلى أن الهدف الحقيقي غير المعلن للتلويح بضرب إيران، هو ردع دمشق ونسقها السياسي من مغبة استهداف «إسرائيل»، إذا تعرضت سورية لعملية استهداف عسكري أجنبي، وبالتالي فإن «إسرائيل» سعت من خلال هذا التلويح إلى توجيه رسالة إلى دمشق مفادها أن «إسرائيل» مستعدة للرد.
تتحدث المعلومات الاستخبارية التي ترصد بدقة، من قبل بعض مجاميع شبكات جاسوسية عنكبوتية وتتمتع بصدقية عالية، عن وجود العديد من تطورات الحوادث والوقائع الموازية للموقف «الإسرائيلي» الصهيوني التصعيدي الجديد ضد إيران، إذ رصدت بعض المصادر إعداد قيادة القوات البريطانية المزيد من الخطط العسكرية الساعية إلى استهداف إيران رغم اتفاقات جنيف إيران النووي، وأضافت التسريبات أن قيادة القوات البريطانية تستعد لرفع جاهزية قواتها في حال وجدت نفسها في موقف المشارك في عملية استهداف إيران، وبالتالي على القوات البريطانية أن ترتّب استعداداتها تفادياً لأي ارتباك أو تردد إذا حانت ساعة الصفر، عند لحظة إفشال المصادقة من قبل صقور الكونغرس الأميركي على أي اتفاق يتم التوصل اليه لاحقاً مع طهران عبر مجموعة 5 + 1 .
أحسب أنّ عملية التسريب المتعمدة لبعض محتويات تقارير بعض مجتمعات الاستخبارات الغربية والعربية والمتعلقة بتطورات الملف الإيراني، خاصة الفقرات التي تسعى إلى اتهام إيران بأنها تنفّذ مخططات سريّة لتصنيع الرؤوس النووية غير التقليدية، تصب في هذا الاتجاه التصعيدي لخلق سلّة تبريرات تدفع إلى تخليق رأي عام أمم جديد ومتجدد حول معظم الملف النووي الإيراني، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى عملية التزامن الدقيقة جداً التي جمعت بين تسريب بعض محتويات هذه التقارير مع دعوة سعود الفيصل لنظيره الإيراني لزيارة الرياض، وإعلان «الإسرائيليين» إكمال استعداداتهم العسكرية ضد إيران.
تقول المعلومات إن الفترة القليلة المقبلة سوف تشهد تعاوناً عسكرياً استراتيجياً أميركياً- «إسرائيلياً»، إضافة إلى مطالبة «الأيباك» لواشنطن بضرورة عدم التدخل في التأثير على قرار «إسرائيل» بالعمل العسكري ضد إيران، إضافة إلى حديث بعض المحافظين الجدد القائل بأن واشنطن سوف تنظر إلى الضربة العسكرية «الإسرائيلية» ضد إيران إن حدثت بأنها أمر واقع، وسوف لن تتردد في الوقوف فوراً إلى جانب «إسرائيل».
تؤكد المعلومات أن بعض من كبار أعضاء مجلس النواب الأميركي نجحوا، لجهة إجراءات إمرار مشروع قانون جديد داخل الكونغرس الأميركي، يقيد صلاحية أي مسؤول أميركي بما في ذلك الرئيس أوباما من القيام بأي مفاوضات أو محادثات تتعلق بإيران مع أي طرف إلّا بعد موافقة الكونغرس. ويشير الخبراء إلى أن هذا معناه ألاّ يقوم الرئيس الأميركي أو أي مسؤول أميركي بالحديث مع «الإسرائيليين» حول أي إجراءات تتعلق بإيران. وبكلمات أخرى فإن هذا القانون يمنع المسؤولين الأميركيين من الاعتراض لدى «الإسرائيليين» على أي إجراء «إسرائيلي» ضد إيران.
تشير بعض المعلومات، إلى أن منظمة «الإيباك» أعلنت إعادة ترتيب أولويات جدول أعمالها، بحيث لم يبق ملف الدولة الفلسطينية أو عملية سلام الشرق الأوسط على قمة جدول أعمالها، والأولوية الآن هي لـ «الضربة العسكرية ضد إيران وارتباطها بالملف السوري» حصراً.
يعتقد كاتب هذه السطور ويحسب رغم هذه التطورات، أن تحليل المعطيات الميدانية الواقعية يفضي إلى نتيجة واضحة تقود إلى أن توجيه «إسرائيل» ضربة عسكرية لإيران أمر ضعيف الاحتمال للسببين الآتيين:
أولاً : عدم وجود ممر جوي متاح للطائرات «الإسرائيلية»، فحتى الدول التي يمكن أن توافق على إفساح المجال أمام عبور الطائرات «الإسرائيلية» سوف تجد صعوبة بالغة في حماية نفسها من الرد الإيراني، وبكلمات أخرى إذا كانت «إسرائيل» قادرة على حماية نفسها فإن تركيا والسعودية ستكونان في حالة انكشاف كامل أمام الرد الإيراني الذي سيكون مدمراً.
ثانياً: إنّ «إسرائيل» نفسها لن تستطيع مهما أوتيت من قوة أن تكون في مأمن من أخطار رد الفعل الإيراني، والذي سوف ينطلق من مسافة بضعة كيلومترات من حدود «إسرائيل» الشمالية، أي من جنوب لبنان وحزب الله وترسانته العسكرية.
عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd ahamd2003 yahoo.com