اغتيال اللواء حسين اسحاق… تعدّدت الروايات والعدو مغيّب

عامر نعيم الياس

القائد استشهد، عبارة ألفها السوريون على مدى ثلاثة أعوام من الحرب التي تشنّ على سورية، فالقادة في الجيش والقوات المسلحة كانوا مخلصين للتقاليد العسكرية ولشعار مؤسستهم «وطن، شرف، إخلاص». وفي سياق التضحيات المستمرة التي تقدمها المؤسسة العسكرية أعلن عن استشهاد اللواء حسين اسحاق قائد الدفاع الجوي في سورية، الرواية الرسمية قالت: «إن العماد شرف استشهد أثناء الاشتباكات مع العصابات الإرهابية المسلحة في المليحة». رواية تبنّتها وبشكل مثير للريبة الصحافة الأميركية إذ عنونت «نيويورك تايمز» الخبر بـ«مقتل مدير إدارة الدفاع الجوي في معركة قرب العاصمة»، فيما الصحافة البريطانية عمدت إلى طرح فرضية أخرى، فعنونت كل من «غارديان» و«تليغراف» بـ«مقتل قائد سلاح الدفاع الجوي السوري بهجوم نفّذه الثوار». إذن نحن في مواجهة فرضية وجود هجوم يستهدف اغتيال اللواء الحاصل على وسام شرف من الرئيس الراحل حافظ الأسد على إسقاطه طائرة أميركية إبان الغزو الأطلسي للبنان عام 1982 وكان حينها برتبة نقيب، ويكتمل هنا جزء من الصورة أيضاً فالغربيون وربيبتهم «إسرائيل» لا يتركون ثأرهم ولو بعد حين، ولعلّ في التاريخ القريب والبعيد ما يثبت ذلك. وللقريب في زمننا ترجيح على ما مضى، كوننا نعيش في مرحلة من الانحطاط والإفلاس الأخلاقي على المستويات كافة، نعيش في زمن «ثورات» أباحت لنفسها التعامل مع العدو بحجة التغيير ضاربةً بعرض الحائط أحد أهم أسس الفعل الثوري وهو تصحيح الخلل البنيوي في مفهوم الهوية الوطنية وتخليصه من أيّ انحراف إن وجد. في الحالة السورية تحديداً نحن أمام «ثورة» تحاول نسف الهوية الوطنية فاتحة الباب على مصراعيه أمام التعاون والتطبيع مع العدو التاريخي لسورية «إسرائيل». صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية روّجت للتطبيع محاولةً جذب الرأي العام الأميركي لسورية الجديدة الصديقة لـ«إسرائيل»، فقد عنونت أحد تقاريرها «الحرب في سورية تحضّ على تبادل ثقافي غير مألوف مع «إسرائيل»»، إذ ساهم مستشفى نهاريا في إنقاذ أكثر من 900 من السوريين الذين تعرضوا لإصابات خطرة منذ آذار 2013، وقد أكد عبد الإله البشير قائد الجيش الحر الذي عولج هو الآخر في «إسرائيل» «أن التنسيق بين تل أبيب والسوريين على الجانب الآخر من الحدود لا يقتصر على إنقاذ وإعادة الجرحى، فهي لديها نظام للتنسيق والتعاون مع بعض الميليشيات المتمردة».

نحن إذاً أمام «نظام تنسيق وتعاون» بين المسلحين و«إسرائيل» لا يقتصر على الدعم اللوجيستي بل يتعداه إلى الدعم الاستخباراتي والعسكري بالعتاد وفي بعض الأحيان بالعديد لتنفيذ بعض المهمات الخاصة في الداخل السوري، وعند هذه النقطة تحديداً لوحظ تضارب في روايات المعارضة السورية حول استشهاد اللواء اسحاق، فبينما رحب بعض بهذا الإنجاز المعنوي وفقاً لبيان الجبهة الإسلامية، تحدثت رواية «علمانية نخبوية» مضادة لأيمن عبد النور صاحب موقع «كلنا شركاء»، عن خلافات داخل النظام في سورية أدت إلى «تصفية مدير إدارة الدفاع الجوي»، تضارب من دون الخوض في تفاصيل بعضها ساخر وآخر مثير للشفقة، يكشف عن وجود طرف ثالث قام بتنفيذ عملية بهذا الحجم، ما أربك حلفاء الغرب في سورية وأجبرهم على نسج روايات مفكّكة حول هذا الأمر.

قد يرى البعض في كلامنا هذا عودة إلى نظرية المؤامرة التي باتت تسبّب الصداع لبعض النخب «التغييرية» و«الحيادية» في العالم العربي عموماً وفي سورية خصوصاً، ربما قد يحق لهم ذلك فالمؤامرة غير موجودة في هذا المشهد. نحن أمام واقع أصبحت فيه الخيانة ثورة تقتل وتغتال وتدمر كل ما هو سوري، تشطب كل من تجرأ يوماً ما على إسقاط طائرة أميركية هنا وأخرى «إسرائيلية» هناك.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى