بلاد العرب أوطاني… «فيسبوكياً»

خالد المسالمة

صدحت بكلمات ذلك النشيد آلاف الحناجر على مدى خمس وعشرين سنة، هي عمر مخيم الشباب القومي العربي منذ دورة انعقاده الأولى في العام 1990 حتى اليوم، الشعور بالعزة والفخر والفرح عند التنقل بين كلمات ذلك النشيد يخالطه اليوم شعور بالانكسار والحزن على ما آلت إليه أحوال أمتنا العربية وأقطارها، لكنّ التشاؤم لا يجوز أن يسود ويتحتم على شبابنا أن لا يعرف اليأس، فما يبدو اليوم تراجعاً أو ضعفاً أو هزيمة لا بدّ، وبكلّ أمل، أن يتبدّل إلى انتصار وحرية وتقدّم واستقرار. فالشعوب متى امتلكت إرادتها لا بدّ لها أن تصل إلى غاياتها.

فوجئت بدعوة رمتني داخل مجموعة «بلاد العرب أوطاني» على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، تلك المجموعة التي أنشأتها شابة عربية مصرية من المشاركين السابقين في المخيم، والتي قالت في وصف المجموعة إنها أنشئت من أجل التواصل بين المشاركين في المخيم سواء زملاء الدورة السنوية الواحدة أو زملاء الدورات المتعاقبة عبر ربع قرن من الزمن. وفي حالة أشبه بانتشار النار في الهشيم تضاعفت أعداد المنضمّين إلى المجموعة، وخلال ساعات وبسرعة مذهلة كبرت تلك المجموعة ليفوق عدد أعضائها 350 شاباً وشابة يمثلون مختلف الأجيال التي التحقت بالمخيم عبر سنواته منذ دورته الأولى حتى الدورة الخامسة والعشرين، في حالة تدلّ على عطش الشباب إلى التواصل فيما بينهم وشوقهم إلى تبادل معلومات حياة كلّ منهم وأخباره الشخصية والعامة.

غمرت السعادة كلّ الموجودين في المجموعة « الفيسبوكية « الذين شكروا صاحبة فكرة إنشائها، بمشاعر جياشة في تذكر تفاصيل يوميات المخيم والصداقات الناشئة عنه، وتذكر المشاركين بعضهم بعضاً عبر مواقف ونهفات وصور أبدى كثيرون دهشتهم منها كما فرحتهم بها رغم مرور الزمن عليها، وخصوصاً قدامى المشاركين الذين منعتهم الظروف من التواصل والتلاقي وأصبحت قدرتهم أكبر على ذلك باستخدام المجموعة. لفتني في خضم «البوستات» الكثيرة على مجموعتنا العتيدة، بالإضافة إلى التهليل والترحيب والسعادة بها أمران: الأول، ذكر معظم الأصدقاء والإخوة الأعضاء في المجموعة أنّ مشاركتهم في مخيم الشباب القومي العربي مثلت لهم نقطة تحول في حياتهم وتكاد تكون هذه المشاركة الحدث الأبرز الذي أثر في تكوين شخصياتهم بل وبناء مستقبلهم، وكانت أيام المخيم أجمل أيامهم التي عاشوها إلى الآن، حتى أنّ المخيم جمع بين شباب وفتيات كونوا بالزواج عائلات وأسر عابرة للحدود المصطنعة بعد أن نشأت بينهم علاقات أهلتهم للارتباط وتشارك المستقبل. أما الأمر الثاني الذي لفتني فهو، فهو أنّ مجموعتنا، وبرغم الانقسام الشديد الذي يعصف اليوم بشباب الأمة وشيبها، والذي سبب القطيعة وبناء المتاريس الافتراضية بين الناس وأدى إلى انهيار صداقات وأخوة دام بعضها عقوداً، تجمع بين ظهرانيها أعضاء مختلفي المشارب والآراء السياسية، وحتى الفكرية أحياناً، لكن يحمل كلّ منهم للآخر وداً واحتراماً وتقديراً لا بدّ من الإشادة به والبناء عليه والتشجيع على استمراره وجعله نموذجاً يحتذى. انتشر خريجو مخيمات الشباب القومي العربي جغرافياً في مشارق الأرض ومغاربها، كما انتشروا ضمن سويات مختلفة اجتماعياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً ومهنياً، وبعدما كانوا شباباً في مقتبل العمر تشاركوا أيام أحد المخيمات التي جمعتهم، أصبح لمعظمهم شأن كلّ في محيطه ومجتمعه، وأحياناً نجاح بارز لبعضهم في مجالات مهمة على مستوى بلدانهم، وبدا ذلك جلياً عبر مساهمات أعضاء المجموعة «الفيسبوكية» الناشئة، وبطلب من مشرفتها عند التعرف بالأعضاء الجدد أو التذكير بهم.

أبدى كلّ أعضاء المجموعة حماسة لفكرة إنشائها، واستعداداً لتطوير الفكرة وتفعيل المجموعة، بل الإضافة إليها ونقلها من العالم الافتراضي، رغم أنها ليست افتراضية صرفة، إلى الواقع في دعوة إلى لقاء أعضائها في بلد ما وفي وقت قريب، ولاقى هذا اقتراح اللقاء استحسان الجميع. إذن هي مجموعة «فيسبوكية» ضمت مجموعة من النخبة العربية الناشئة والتي تصدرت، كفئة شابة، المشهد العربي منذ خمسة أعوام تقريباً، وفي ظلّ ما نعيشه كأمة عربية من مآس وكوارث وأزمات، وخصوصاً أزمة الهوية والكيانات المبشر بها، حرضت هذه المجموعة البعض وحركت لديهم الشعور بالحاجة إلى التواصل واللقاء والنقاش والمبادرة والبناء والتجربة للانتقال من القول إلى الفعل ومن التخطيط والتفكير إلى التنفيذ والممارسة. هذا ما يحتاجه شبابنا كما تحتاجه مجتمعاتنا وبلداننا اليوم والسؤال الدائم والمفتوح ما العمل ؟

تجربة عظيمة تلك التي جمعت كلّ هؤلاء الأشخاص بكلّ ما يمكن أن يؤخذ عليها من مآخذ وسلبيات لا تخلو تجربة إنسانية منها، فكم هو جميل أن يتواصل الإنسان مع إخوة وأصدقاء شاركهم أياماً لا تنسى بكلّ تفاصيلها، فضلاً عن مشاركتهم حلماً ليس أوله الشعور بالهم العربي الواحد، وليس آخره وحدة الأمة العربية ونهضتها وتقدمها.

شكراً مي يسري على مبادرتك الجميلة والشكر بداية ونهاية لأصحاب فكرة إنشاء هذا المخيم والقيمين على استمراره طيلة ربع قرن من الزمن وكلي أمل أن يحرص الجميع على إبقاء هذه النسمه العليلة نقية من تلوث الصراع والفرقة والانقسام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى