الملف السوري ما بعد القاهرة والمستحيلات الثلاثة
توفيق المحمود
أنهت أطراف المعارضة السورية المجتمعة منذ أيام في القاهرة مشاوراتها بخصوص الأزمة السورية وخرجت بنتيجة مفادها أنه لا بد من السير في طريق الحل السلمي، ولكن بشرط أساسي وهو أن لا يكون للرئيس بشار الأسد دور في المرحلة المقبلة التي تبدأ حسب زعمهم بتشكيل حكومة انتقالية مؤلفة من المعارضة وجزء من الحكومة السورية الحالية.
الحكومة السورية رفضت مقررات مؤتمر القاهرة حول مستقبل سورية واعتبرتها مستحيلة، مشيرةً إلى عدم وجود طرح جاد من قبل المعارضة لإيجاد تسوية سياسية لحل الأزمة في البلاد وطالبتها باتفاق على منهاج وطني لوقف نزيف الدماء في الدولة السورية، وأن سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد كانت جدية في الحوار مع المعارضة، وأن المعارضة رفضت الحوار وتحلم بحدوث انقلاب سياسي في سورية، كي تستولي على السلطة.
فالأحداث في سورية تزداد حدة وتوتراً، يوماً بعد يوم خلال الفترة الأخيرة، سياسياً وميدانياً وبخاصة في ظل تسارع الأحداث في ميدان المعركة وخسارة الجيش السوري خلال شهر تقريباً عدداً من المدن والنقاط ابتداء من إدلب إلى جسر الشغور وتدمر ودرعا حيث أن دخول المجموعات الإرهابية المدعومة من تركيا، لوجستياً ومالياً وعسكرياً وكذلك نارياً، أدت إلى عودة المشهد السوري إلى المربع الأول من حيث التأثير على خطوات الحل السياسي الذي تسعى من خلاله الحكومة السورية بالتعاون مع حلفائها وبالتحديد روسيا وإيران من أجل تأطير كل الاجتماعات التي حصلت في موسكو بين أطياف المعارضة السورية وبين الحكومة السورية، كي ينتقل الجميع بالتزامن مع مبادرة دي ميستورا بشأن «جنيف 3» لكن التسعير الكبير من قبل المجموعات المسلحة والمجازر التي وقعت في مناطق عدة لا تعطي مجالاً للشك بأن الدول الراعية للمجموعات المسلحة المقاتلة في سورية لم تر حتى الآن أن الوقت قد حان للدخول في غمار الحل السياسي للازمة السورية، بما يتناسب مع مصالحها التي حاولت تحقيقها خلال السنوات الأربع منذ بدأت الأحداث في سورية، على رغم أن الكثير من الخبراء والمحللين يرون أن الفترة المقبلة هي الفترة الحاسمة، لأن الجميع قد ضاق ذرعاً، وبخاصة من عجز منهم كالسعودية والولايات المتحدة وحتى تركيا التي فشلت حتى الآن من تحقيق الهدف في اقتطاع مناطق عازلة على الحدود مع سورية، من أجل تحسين شروط اللعبة السياسية في مؤتمر جنيف المقبل إن حدث وتم عقده أصلاً، حيث أنه من الواضح أن الولايات المتحدة على رغم موقفها الصعب أمام فشلها في جميع الملفات وبالتحديد بخصوص ملف إيران النووي، حيث فشلت تماماً في إقصاء إيران عن المشهد أو ابتزازها في اليمن والعراق وفي سورية خصوصاً.
كما أن السعودية حاولت إغراء حلفاء سورية بالمال لأن العقل الخليجي يرتكز على المال ومنظومة بيع النفط وشراء الذمم والأقلام والحكومات والأحزاب والمشايخ، فحاول السعوديون كثيراً بتخطيط أميركي مقايضة روسيا مباشرة لفض تحالفها مع إيران، بالتالي تفكيك القوة الموحّدة، ومحاولة التفاوض مع روسيا لحفظ مصالحها في سورية واليمن ومصر وغيرها، عبر البوابة السعودية وليس عبر البوابة الإيرانية، للوصول إلى موقف روسي يتخلى عن الرئيس الأسد والنظام في سورية، لكن روسيا رفضت ذلك لأن الروس عادوا إلى المشهد السياسي الدولي نتيجة صمود إيران وسورية والمقاومة في لبنان والعراق، ولم يدفع الروس شيئاً، وها هي سورية تدفع الثمن نيابة عن محور المقاومة وروسيا، والمحاولة السعودية فاشلة وساذجة، فروسيا تملك من المليارات أكثر مما تملك السعودية.
وتصريحات الرئيس أوباما بخصوص مستقبل الأزمة السورية ودور الرئيس بشار الأسد فيها خلال لقائه في أيار الماضي بخالد خوجة رئيس ما يسمى بالائتلاف الوطني السوري حيث وصفه بفاقد للشرعية، وأن ليس له مستقبل في حل الشأن السوري أو القيادة، هذا التصريح الذي لاقى رفضاً روسياً وردت عليه بأن الشعب السوري هو من يقرر مصير الرئيس الأسد وليس الدولالأخرى، فهذا التصريح يأتي ضمن الهجمة الإعلامية المدعومة والمكرسة في شكل كبير جداً ليشكل ضغطاً سياسياً وميدانياً، لكن الشعب السوري وجيشه وقيادته لن يرضخوا بعد أربع سنوات من المواجهة الطاحنة مع المجموعات الإرهابية في المناطق السورية كافة.
اخيراً في ظل الظروف الراهنة والصعبة التي تعيشها سورية وفي اطار مواجهة الإرهاب الذي يعصف فيها منذ سنوات عدة، هل يكون هذا الطرح الذي قدمته ما يسمى المعارضة معقولاً؟ وهل تقبل به الحكومة السورية التي واجهت هذا الإرهاب لوحدها في ظل الضغط المستمر من قبل أطراف المعارضة السورية وبخاصة الخارجية التي اتهمت كثيراً بالتبعية للخارج وتنفيذ أجندات محددة؟