تحية لروح الخالد حافظ الأسد

في العاشر من حزيران قبل 15 سنة، رحل العظيم حافظ الأسد، ولا أجمل مما كتبه فيه الشاعر الفلسطيني الراحل الصديق سميح القاسم:

ما الموت؟!

ماذا يُخبّئ جفنكَ المسبولُ تحتَ الترابِ

وقلبكَ المغلولُ يا من فتحتَ على الوضوحِ بصيرةً شرفاتها المعلومُ والمجهولُ

مثواكَ في قلبِ التراب

وقلبنا هذا الترابُ ووعدهُ المأمولُ

لا دمعَ نسكبهُ عليك

وإنما دمُ أمّةٍ حولَ الضريحِ يسيلُ

يا صاحبَ الشهداءِ أشهدُ موجعاً يوم الغمامةِ أعتم التأويلُ

وتسللت عبرَ الصدوعِ غشاوةٌ عبرت فآبَ إلى النبيلِ نبيلُ

وأنا المقيمُ على المقابرِ حارساً ولجثتي ملءَ الحياةِ صهيلُ

أقبلتُ تحملني إليكَ هزائمي ومآتمي والقهرُ والتنكيلُ

وأممتُ صدركَ فاحتضنت مواجعي ومواجدي، فإذا الفروعُ أصولُ

وإذا الهمومُ الكثرُ همٌّّ واحدٌ دولٌ… يشاءُ جموحنا فتدولُ

دارٌ وأهلُ الدارِ تحتَ ركامها جددٌ سباها غاصبٌ ودخيلُ

ما قامَ فيها للكفاحِ مُكافحٌ إلا وقامَ وراءهُ قابيلُ

أسدَ العروبةِ هل تغادر ساحها وعلى التخومِ فرنجةٌ ومغولُ

وبنو أميّةَ يولمونَ خيولهم وضيوفهم قبلَ الأفولِ أفولُ؟

وسيوفهم كلمُ الهوى المصقول سمّ الشعوبيينَ في أقداحهم ومن الندامى قاتلٌ وقتيلُ

ناديتُ من رئةِ الترابِ فأقبلَتْ في جانحيّ خرائبٌ وطلولُ

وأتتكَ راعفةُ الحنين مرابعٌ ومراتعٌ وحدائقٌ وحقولُ

وأتت جبالٌ من مواجعِ أمةٍ موجوعةٌ… ومن الهوانِ سهولُ

وأتى نزيف النقبِ في أغلالهِ وعلى الفجيعة كرملٌ وجليلُ

ومررتُ بالجولانِ أسألُ نارَهُ قبساً فضوّأَ بالدماءِ يسيلُ

«واحافظاهُ»… تصيحُ جولانيّةٌ ويعاهدُ التكبيرُ والتهليلُ

قسماً بهاجرَ أمّنا وبلادنا سيعودُ من منفاهُ إسماعيلُ

ويعود من منفاهُ إسماعيلُ ويعودُ باسمِ اللهِ إسماعيلُ

أسدُ العروبةِ قيلَ «مُتَّ»… وإننا موتى نُصدّقُ موتنا ونحيلُ

هلْ مُتَّ والراياتُ يرسمُ ظلّها وطناً وشعباً والحياةُ فصولُ؟

فالموتُ أهونُ ما يكونُ على الفتى مِن دونهِ الإذلالُ والإرغامُ

ما الموتُ والأشبالُ بعثٌ ناشرٌ بعثاً يصولُ

على المدى ويجولُ

وتطلُّ ساهرةً على أحبابها من قاسيونَ وقلبها قنديلُ

ودمشقُ تطوي الليلَ عن أهدابها

ومن الجنوبِ إلى الشمالِ مشاعلٌ ومن السهولِ إلى الجبالِ سيولُ

أهلٌ على شرفِ الكفاحِ جمعتهم وهنا المشيئةُ ساعدٌ مفتولُ

جعلوا قبائل عبرة وتعارفوا… بتقى يكرِّمُ ثائراً وينيلُ

حلّت عليكَ جديلتيها أرزةٌ وبكاكَ زيتونٌ وأنَّ نخيلُ

وطفت على اليرموكِ حسرةُ خالدٍ وذوى الفراتُ أسىً وغصّ النيلُ

يا راحلاً عنّا إلينا لم تغبْ فينا ولم يُطفئ خطاكَ رحيلُ

أعطيتَ ما وسعَ العطاءَ وإنّهُ دأبُ الكريم غداةَ عقّ بخيلُ

لكَ في قبابِ القدسِ وشمُ مروءةٍ وعلى فلسطين العذاب جميلُ

وأسوتَ في لبنانَ جرحاً نازفاً

وجناحكَ الأبويّ أمّنَ خائفا فعليهِ ظلّ من يديكَ ظليلُ

ولممتَ شملاً في الجحيمِ مُشتتاً ماذا عليكَ إذا كبا مشمولُ

رجل الرجالِ، إليكَ بردةُ ثورةٍ قلبي على خيطانها مغزولُ

وعليكَ من نسجِ الوريدِ قصيدةٌ

صمتَ الكلامُ بها فأنتَ تقولُ

إغماضةُ العينينِ منك تأمّلٌ يسعى إليهِ السائلُ المسؤولُ

إغماضةُ العينينِ مولدُ فكرةٍ وعقيدةٌ خلفَ الجبينِ تجولُ

أغمضْ إذاً عينيكَ واسبرْ غورنا وامنحْ لنا أفقاً إليه نؤولُ

رجل الرجالِ، ولا نلمْ أحزاننا الوقتُ صعبٌ والصراعُ ثقيلُ

وإذا القلاعُ استنفرت حرّاسها نامَ الكثيرُ فللقلاعِ قليلُ

وقليلُ مثلكَ للكثيرِ مثيلُ أغثاكَ إنّا أمّةٌ ملغومةٌ ولدى الغزاةِ منافذٌ وذيولُ

ويبيحُ أبوابَ الديارِ لطامعٍ فينا عميلٌ في الديارِ ذليلُ

نازلتَ «إسرائيلَ» في روغانها قلقاً وخلفَ الظهرِ «إسرائيلُ»

وشواطئ ومرافئ ومواطئ منها بما يلدُ الذهولَ ذهولُ

وعبرتَ من شَرَكٍ إلى نصرٍ إلى شَرَكٍ وصبركَ في القصارِ يطولُ

وتشدُّ أزركَ «شدّةٌ وتزولُ»

أسد الرجالِ وفي صمودكَ عبرةٌ وعليكَ من غارِ الفدى إكليلُ

لم تُحنِ قامتكَ العواصفُ وانحنى لنسيمِ روحكَ سادرٌ ضِلّيلُ

منّا الكرومُ ومنكَ طلعُ كرومنا فاهنأ وقد ورثَ الأصيلَ أصيلُ

واهنأ فمن صلبِ الرسالةِ فارسٌ آتٍ ومن صلبِ الصمودِ رسولُ

ووصيّةُ الآباءِ دينُ بنوّةٍ بوتينِ قلبكَ عرقها موصولُ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى