الجيش السوري يعزز انتشاره في السويداء… والمقاومة تتقدّم نحو جرد قارة الحريري وجنبلاط يأسفان لـ«تجاوزات فردية»… والدروز يواجهون مذابح حلفائهما
كتب المحرر السياسي:
كما يقول الجراحون أنّ آخر الجروح التي تفتح في العمليات الطبية هي أول الجروح التي تبدأ خياطتها، بينما أول الجروح المفتوحة هي آخر جروح تجري خياطتها. ينظر المراقبون إلى انعقاد مؤتمر جنيف اليمني يوم الأحد المقبل، بعد إعلان المبعوث الأممي إسماعيل ولد شيخ أحمد عن اكتمال التحضيرات اللوجستية والفنية لانعقاد الجولة الأولى من الحوار، وتبلور الأوراق التي سيجري عرضها تسهيلاً لمهمة المتحاورين وفقاً للوساطة الأممية، كفأل خير، فاليمن هو آخر الجروح. وإذا كان ما سيجري في جنيف هو بدء خياطة هذا الجرح، فقد تكون علامة تفاؤل بأنّ العملية الجراحية النازفة التي تعيش المنطقة تحت وطأتها تدخل مراحلها الأخيرة.
على الجبهات اللبنانية السورية العراقية، على رغم اشتعال الجبهات، واستعار الحملات الإعلامية، وسخونة المواقف السياسية، أصاب الحدث التركي والانشغال بالهموم الداخلية، معسكر «جبهة النصرة» و«داعش» بالارتباك، باعتبار قواعدهما الخلفية وخطوط إمدادهما كلها هناك، وبدا أنّ السعودية الخارجة بثقل هزيمة من حربها على اليمن، عاجزة عن لعب دور محوري وهي تجرجر جراحات نازفة، بعد اضطرارها قبول الخروج من دور المراقب في مؤتمر جنيف إثر فشلها بحجز مقعد الراعي واستضافة المؤتمر ووضع الشروط على قبول المشاركين، ولم يكن ينقصها إلا ما حدث أمس كي يكتمل النقل بالزعرور كما يُقال في المثل الشعبي، فنتج من التوغل الذي حققه الثوار الحوثيون في جنوب السعودية نحو منطقة جيزان احتلال قاعدة عسكرية مركزية وأسر ضباطها وجنودها، وصار المضيّ بالخيار العسكري السعودي لمواكبة حوار جنيف خياراً مكلفاً يصعب الاستمرار فيه.
مع الانهماك السعودي والانكفاء التركي، أطلت «إسرائيل» برأسها من بوابة اللعب على أوتار الحمايات الطائفية كما هي العادة دائماً، فبعد المجزرة التي ارتكبتها «جبهة النصرة» في قرية قلب لوزة في ريف إدلب بحق سكانها من الموحدين الدروز وذهب ضحيتها حوالي أربعين من أبنائها كباراً وصغاراً ونساء ورجالاً، صارت الحدث الذي هزّ وجدان اللبنانيين والسوريين، وطغى على سائر الأحداث. وبينما ساد الوجوم والغضب جبل لبنان وسارعت المكوّنات اللبنانية السياسية والحزبية والروحية والمرجعيات لحملة استنكار واسعة انبرى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط يبرّر المجزرة ويصوّرها حادثاً فردياً، بينما أشاد بحكمته الرئيس سعد الحريري، مبدياً أسفه للتجاوزات المسيئة، فيما أبناء الطائفة الدرزية يواجهون حرب تكفير وإبادة على أيدي حليف الحريري وجنبلاط. وفي محافظة السويداء السورية انكشفت الصلة بين المجزرة وبين الخطاب السياسي الجنبلاطي والدعوات «الإسرائيلية» التي حملها الموفدون والرسل ممن يتواصلون مع عدد من فاعليات الجليل المحتلّ، ومضمونها جميعاً، إعلان حياد المنطقة بضمانة «إسرائيلية» جنبلاطية كشرط لحمايتها من مجازر مشابهة، والحياد هو مطالبة الجيش السوري بمغادرة المنطقة. وشهدت المحافظة حالة من الغليان والغضب أسفرت بعد اتصالات مع قيادة الجيش السوري عن تعزيز انتشار الجيش هناك ونشر المزيد من وحداته، وتعبيرات شعبية تضامنية مع الجيش، تأكيداً على رفض العرض «الإسرائيلي» الجنبلاطي بإعلان الحياد. وجاءت برقيات التضامن من قادة الجولان المحتلّ تأكيداً على «أنّ الموحدين الدروز حماة ثغور وليسوا دعاة انفصال»، وأنهم «رواد نهضة واستقلال وليسوا عملاء للاحتلال»، فيما كانت معارك ضارية تدور بين الجيش السوري ومجموعات «جبهة النصرة» في منطقة مطار الثعلة الواقع بين محافظتي درعا والسويداء.
لبنان الذي عاش الحدث وأعرب قادته عن تضامنهم ووقوفهم مع أبناء الطائفة الدرزية في لبنان وسورية جنباً إلى جنب، كان لا يزال يعيش دوامة البحث عن مخارج لأزمته الحكومية المتمادية، التي بدا أن لا أفق للخروج منها راهناً، بينما كانت المقاومة تحقق المزيد من الانتصارات، في جرود القلمون وتتقدّم نحو جرد قارة، ووحدات «داعش» تنهزم تباعاً أمامها.
عملية إدلب رسالة إلى دروز السويداء
طغت المجزرة التي ارتكبتها «جبهة النصرة» فرع تنظيم «القاعدة» في سورية بقيادة المدعو عبدالله التونسي، بحق أبناء بلدة قلب لوزة في جبل السمّاق بإدلب، على المشهد السياسي اللبناني. وانشغلت القوى السياسية بتداعيات هذه المجزرة التي ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة. والخوف في لبنان على أهالي بلدة عرسال التي تحوّلت إلى معسكر لـ«جبهة النصرة» المتسلحة بعقيدة التكفير والقتل. في مقابل ذلك سارع الحزب التقدمي الاشتراكي إلى تبرير ذبح النصرة نحو 40 درزياً محاولاً التستر على الأمر، مصوراً الجريمة على أنها إشكال فردي بين عدد من الأهالي وعناصر من «النصرة».
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» «أنّ إسرائيل طرحت فكرة حماية الدروز في السويداء، وأنّ النائب وليد جنبلاط الذي يسوّق لـ«جبهة النصرة» والعلاقة معها، لا مشكلة لديه في علاقتها مع «إسرائيل»، ولا بما يبيحه لنفسه من لعب على مثل هذه العلاقة أسوة بما عرفه اللبنانيون في حرب الجبل في الثمانينات». ولفتت المصادر إلى «أنّ عملية إدلب رسالة موجهة إلى دروز السويداء إما القبول بالحماية «الإسرائيلية» أو استمرار «جبهة النصرة» بارتكاب المجازر بحقهم لكي يقبلوا بالأمر الواقع»، معتبرة «أنّ الغاية من كلّ ذلك تخويف أهالي السويداء ومحاولة إجبارهم على الانقلاب ضدّ الدولة السورية».
معركة جرود الجراجير في حكم المنتهية
وفي سياق متصل، يواصل الجيش السوري وحزب الله تقدّمهما في جرود القلمون وعرسال، بعد سيطرتهما على منطقة البلوكسات الاستراتيجية الواقعة جنوب جرود الجراجير. وشدّدت مصادر عسكرية لـ«البناء» أنّ معركة القلمون جرود الجراجير باتت بحكم المنتهية، وما تبقى ليس إلا عملية تطهير وتنظيف ووضع منظومة لمنع المجموعات الإرهابية من إعادة تكوين بنيتها في المنطقة.
ولفتت المصادر إلى «أنّ المجموعات الإرهابية لم تعد قادرة على القيام بالعمليات الجماعية أو القتال الجبهوي، بل أصبحت كلّ خلية تدافع عن نفسها. في وقت تستكمل المقاومة العمل باتجاه قارة من غير أن تكون هناك أخطار تغيّر اتجاه الأحداث والنتائج. ولفتت المصادر إلى «أنه لم يعد هناك في جرود عرسال إلا بعض الجيوب وممرات التسرّب الفردي للمسلحين الذين يقصدون عرسال للالتجاء.
ولفتت المصادر إلى «أنّ تطهير المنطقة الجنوبية الغربية انتهى عملياً ولم تبق إلا بقعة صغيرة في وادي الخيل عبارة عن 20 كلم».
وطالبت كتلة الوفاء للمقاومة الحكومة «بتحرير عرسال من الإرهابيين»، معتبرةً «أنّ نهج كتلة المستقبل السياسي تدميري ومن حق اللبنانيين اختيار رئيسهم».
دعم معنوي لقهوجي
وأكّد رئيس الحكومة تمام سلام «وجود قرار واضح من الحكومة يؤكّد أهلية الجيش اللبناني في مهمته الأمنيّة»، مشيراً إلى المواجهات في الداخل وعلى الحدود مع «إسرائيل» والمعارك في جرود عرسال». وأشار سلام، بعد جولة قام بها داخل وزارة الدفاع، إلى «أنّ الخطط الأمنيّة التي اتبعتها الحكومة على كافة الأراضي اللبنانية أدّت إلى تحقيق الأمن والاستقرار وقضينا على الفتنة». وشدّد على أنّ «الجيش ميدانياً يعرف كيف يتحرك ويحمي الوطن».
ورأت أوساط سياسية لـ«البناء» في زيارة الرئيس سلام إلى اليرزة دعماً معنوياً لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يطلب منه تيار المستقبل عدم التدخل في عرسال وفقاً لما يسوّق له وفد تيار المستقبل الذي زار قهوجي وبعض القوى السياسية».
جولة حوار جديدة الاثنين
وتعقد الاثنين جولة حوار جديدة بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة، ستبحث في الوضع الأمني عموماً وملف عرسال خصوصاً، وفي عمل الحكومة». وأكدت مصادر قيادية في تيار المستقبل لـ«البناء» «أنّ الحوار مع حزب الله ليس أكثر من لجنة ارتباط تعالج المواضيع الهامشية التي لا تؤدّي إلى استقرار طويل الأمد». ولفتت المصادر إلى «أنّ وجهة نظر تيار المستقبل، أنّ ما يجري في عرسال هو مسؤولية الدولة، هي وجهة نظر معظم القوى السياسية في الحكومة، إلا أنّ الفريق الآخر مستمرّ في التعطيل والعماد ميشال عون سيخرّب البلد كما فعل في 1989».
وعلى الصعيد الحكومي، يبدو أنّ رئيس الحكومة مستمرّ في تريّثه في الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء. ولفتت مصادر وزارية لـ«البناء» إلى «أن لا جديد على المستوى الحكومي الذي يعيش المراوحة بانتظار تواصل القيادات المعنية علّها تجد حلاً لهذا الوضع غير الطبيعي»، مشيرة إلى «أنّ أحداً من وزراء التيار الوطني الحر وحلفائه لم يهدّد بمقاطعة الجلسات، إنما أكد «أنّ الأولوية في مجلس الوزراء هي للتعيينات العسكرية على أيّ بند من بنود جدول الأعمال».
وأكدت مصادر عين التينة لـ«البناء» أنّ الرئيس نبيه بري الذي أخذ ملفات أكثر حساسية على عاتقه، يأخذ هذا الموضوع على عاتقه أيضاً، وسيتحرك في أكثر من اتجاه لمنع تعطيل العمل الحكومي.
وحذرت المصادر من تعطيل الحكومة لأنّ تعطيلها يعدّ أخطر من تعطيل المجلس النيابي، وسينعكس التعطيل سلباً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في البلد».
عون يكلف باسيل وضع حزب الله في إطار «إعلان النيات»
وفي إطار جولته على الكتل ورؤساء الأحزاب والقيادات لشرح وتسليم «بيان إعلان النيات» بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية زار النائب إبراهيم كنعان رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط والأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان. وعلمت «البناء» أنّ العماد عون كلف وزير الخارجية جبران باسيل فور عودته من كندا، التواصل مع حزب الله ووضعه في إطار إعلان النيات مع «القوات».
فتحعلي: مستعدّون للتعاون لحلّ مشاكل المنطقة
وأمس التقت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سغريد كاغ السفير الإيراني محمد فتحعلي. وعلمت «البناء» «أن الأجواء كانت ممتازة، وقدمت كاغ تقريراً قصيراً عن زيارتها لطهران والتي بحثت خلالها في الملف الرئاسي اللبناني وملفات العراق واليمن وسورية مع المسؤولين الإيرانيين. وشكرت السفير الإيراني لتوفيره أساس الرحلة المذكورة.
وتحدثت عن المحادثات التي أجرتها مع نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسين أمير عبد اللهيان وأنّ الاجتماع كان فرصة مفيدة لتبادل وجهات النظر حول القضايا الهامة من الطرفين». ولفتت كاغ إلى «أنّ المسؤولين الإيرانيين يتمنّون على الأطراف اللبنانيين انتخاب رئيس في أسرع وقت، ويشدّدون على أهمية حلّ أزمات المنطقة سلمياً».
وأعرب فتحعلي خلال لقائه كاغ عن «استعداد الجانب الإيراني لأيّ مساعدة والتعاون مع المنظمات الدولية لحلّ مشاكل المنطقة».