هكذا قادت السعودية مناورة انزلاق الاستحقاق إلى الفراغ الرئاسي
محمد ابراهيم
25 أيار هو الحد الفاصل بين مرحلة ومرحلة من الاستحقاق الرئاسي، فما قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية غير ما بعدها… ذاك ما يلمسه الزوار من كلام مرجع لبناني رفيع، استناداً إلى اعتبارات ومعطيات كثيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
يقول العارفون بما يدور حول هذا الاستحقاق إن تدخل بعض الدول والجهات لم يكن غائباً مذ طرح موضوع انتخاب الرئيس اللبناني الجديد، وإن على نحو غير ظاهر أو مباشر. لكن هذا العامل سيكون حتماً أقوى بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية تحت عنوان أن اللبنانيين عجزوا عن انتخاب رئيسهم، وأن لبننة الاستحقاق لم تكن تجربة ناجحة.
وإذا كانت هذه الحقيقة تحكم مسار عملية انتخاب رئيس الجمهورية إلاّ أن هناك اختلافاً في تحديد مسؤولية الفشل في إنجاز هذا الاستحقاق، علماً أن الوقائع الأخيرة التي سجلت في باريس تكشف الطرف الذي ربط موقفه بتوجيهات مباشرة من مرجعيته في الخارج.
تؤكد نتائج اللقاءات والاتصالات التي شهدتها العاصمة الفرنسية أخيراً، لا سيما الحوار بين العماد ميشال عون ورئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري، أن تردد الثاني يعود في المقام الأول إلى أن المملكة السعودية تفضل عدم حسم موقفها والرهان على المماطلة حتى اللحظة الأخيرة، كأنها تنتظر شيئاً أو أمراً ما قبل أن تحسم قرارها، مع رغبتها ضمناً في عدم وصول عون إلى سدة الرئاسة للأسباب التي نقلت عن لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل أخيراً.
أما إبقاء باب الحوار والتوصل مع العماد عون، فيعود إلى أسباب عديدة منها أن الرياض تحسب حساب أي تسوية محتملة قد تأخذ مجراها بإيعاز من واشنطن وفق تقويمها للوضع والتطورات في المنطقة. عدا أنها تنتظر معرفة دورها وموقعها مستقبلاً بعدما رسمت التطورات الأخيرة معالم صورة جديدة للمشهد الإقليمي على ضوء نجاح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في الانتخابات، وما حقّقه الرئيس بشار الأسد في سورية من انتصارات عسكرية بفضل الجيش العربي السوري وصمود الشعب، ومن نجاح سياسي تمثل بالمصالحات التي جرت وبالتحضيرات المدروسة لانتخابات الرئاسة.
من هنا، يرى العارفون أن سياسة التعطيل ثم الانتظار التي مارستها وتمارسها السعودية حيال لبنان كانت السبب الأساسي في إعاقة انتخاب رئيس الجمهورية خلال المهلة الدستورية، علماً أن حلفاءها في لبنان بدءاً من «المستقبل» وانتهاء بالـ»القوات» وما بينها نفذوا هذه السياسة بحذافيرها فكان ترشيح سمير جعجع جزءاً منها، وكانت القوطبة على ترشح العماد عون حتى الآن الجزء الآخر من هذا السيناريو المستمر.
إن مقاطعة جلسات انتخاب رئيس الجمهورية لم تكن بالتأكيد سبب عدم انتخاب الرئيس بل نتيجة السياسة التي اعتمدها «المستقبل» وأعوانه حيال هذا الاستحقاق، بدليل أن انعقاد أي جلسة في ظل الواقع والمواقف الراهنة لن يؤدّي إلى حصول أي مرشح على النصف زائد واحد، خاصة أن النائب وليد جنبلاط متمسك بترشيح النائب هنري حلو أو بالأحرى تجيير أصواته لاستمرار هذا الواقع إلى حين نضوج الطبخة الرئاسية. ووفق المعطيات المتوافرة للمراجع لبنانية فإن الشغور أو الفراغ الرئاسي بات أمراً واقعاً، والمطلوب السعي إلى تقصير فترته وانتخاب الرئيس في أقرب وقت ممكن، فكلما مرّ الوقت أضحى التدخل الخارجي أقوى.
تستدرك المراجع قائلة إن العالم كله يتدخل في هذا الاستحقاق، وإن مجرد إطلاق واشنطن يد السعودية في ممارسة وقيادة مناورة لعبة الحوار بين الحريري والعماد عون هو تدخل بشكل أو بآخر، ذلك أن الرياض حاولت من خلال هذا الحوار بذر الخلاف ودق إسفين بين «الجنرال» والحليف الشيعي تحت شعار وجوب إعادة النظر بوثيقة الاتفاق بينه وبين حزب الله ليكون مؤهلاً للعب دور الرئيس الوفاقي. غير أن هذه المحاولة باءت بالفشل واصطدمت بموقف ثابت لرئيس التيار الوطني الحر الذي حرص ويحرص على الحفاظ على تعهداته والتزاماته الوطنية.
كذلك أرادت السعودية من هذا الحوار أن تزيد الشرخ بين المسيحيين، لكن العماد عون نجح في امتصاص الحملات التي تعرض لها من خصومه وتجنّب الدخول في سجالات ساخنة معهم، معتمداً منهجاً آخر يحفظ مسار الاستحقاق الرئاسي وفق قناعاته ومبادئه.
لا شك، بحسب المراجع، في أن «حزب الله تعامل مع هذه المحاولات والمناورات بكثير من الحنكة والدراية، وكان ردّه حاسماً عندما أكد أن مرشحه للرئاسة هو العماد عون من دون لبس أو إبهام.
في جانب آخر تعتقد هذه المراجع أن فرص الاتفاق بين عون والحريري تضاءلت في الآونة الأخيرة لا سيما بعد لقاءات باريس وما كشفته من مواقف وحقائق. وتضيف أنه بعد 25 أيار سيكون صعباً الاستمرار على هذا المنوال، ما يؤشر إلى أن الأمور سائرة إلى ازدياد التأثير الخارجي الذي يصبّ في خانة «رئيس التسوية»، على قاعدة انتخاب مرشح غير محسوب على 14 أو 8 آذار.
إذا كانت الأسماء التي ترددت وتتردّد لا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة، فإن أحجية اختيار الاسم لن تكون سهلة، علماً أن المعطيات الداخلية تلعب دوراً بارزاً في حسم هذا الاختيار، ليس على قاعدة تسمية الرئيس الجديد بل أيضاً على قاعدة عدم تكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان الفاشلة التي بدأت على أساس أنه رئيس توافقيّ وانتهت إلى حقيقة انحيازه إلى فريق «14 آذار» ضدّ خيار المقاومة والممانعة.