مصائب قوم عند جنبلاط فوائد

روزانا رمّال

مني النائب وليد جنبلاط بهزيمة ما بعدها هزيمة بعدما أظهر عدم إحراجه ولا انزعاجه من تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي، حين اعتبر الجبهة «معتدلة» تختلف عن غيرها فخذلته وأقدمت على ذبح دروز بينهم مشايخ في منطقة «قلب لوزة» السورية مطالبة إياهم بالتخلي عن طقوسهم وعقيدتهم .

تفوق النائب وليد جنبلاط يومها على الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وعلى تركيا وقطر وأبناء الحلف السياسي الدولي الواحد الذين يزينون تصريحاتهم الأكثر جموحاً بميزان المقبولية لدى المجتمع الدولي الرافض لأي فكر تفكيري «قاعدي»، فتفوق تطرفاً بهذا الاعتراف بحيث لم يصدر تصريح لأي مسؤول سياسي إقليمي أو دولي دعم وأدار ومول وسلح وتمنى سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانتصار الإرهاب في باطنه وظاهره أكثر غرابة من موقف جنبلاط الذي لم يشاركه موقفه سوى موشيه يعالون، شاء جنبلاط أو لم يشأ غضب واعترض نوابه ومؤيدوه أم لم يغضبوا أو برروا بصدفة تقارب المصالح وهو عار في الحالة «الإسرائيلية» أو لم يبرروا، فأرشيف تصريحات الإسرائيليين موجود.

فاقت شخصنة جنبلاط كلّ حدود استغلال المصائب للفوائد الشخصية التي تعيد ظهوره على الساحة السياسية الداخلية بعد أن خفت وبرد زخمه وسط تصدر حزب الله المشهد برمته داخلياً وإقليمياً في ذهن الأميركي والسعودي والإيراني والإسرائيلي، محاولاً استغلال فرصة الظهور إقليمياً بموقف اللاعب الأساس والزعيم الذي لا يمكن تخطيه إقليمياً في الأزمة السورية وهذا غير صحيح حجماً ونفوذاً بين دروز سورية .

وبين أن يضع جنبلاط النقاط على الحروف ويتهم داعمي «النصرة» من ممولين ومستهدفين حقيقيين للطائفة من أتراك وقطريين وسعوديين، وبين أن يطالبهم بالصمود والقتال ببسالة المتمسك بأرضه وطائفته ومعتقداته، يصوب اتهاماته على النظام السوري ويرتجل حلولاً ويتدخل ويحلل أساليب الحلّ السياسي في سورية ويعود إلى معزوفة باهتة وهي اتهام الرئيس الأسد بما يجري .

على أي حال يعتبر جنبلاط أنّ ما جرى برمته هو حادث فردي، وهذا في حدّ ذاته غريب ومدهش وهو يعد باتصالات تفيد في حلّ الأزمة التي يتعرض لها الدروز هناك عله ينجح هذه المرة في إبعاد الأذى عنهم ويكسب رهان الزعامة في سورية، وفي ذلك وحده اعتراف منه بمعرفة الجهة التي تمون على هذا النوع من الإرهاب. بالتالي كيف تكون هذه الجهة بشار الأسد؟

ليست المرة الأولى التي يقع فيها جنبلاط في تناقضات المواقف، فقد اعتاد اللبنانيون ذلك منه حتى سئموا، وتكاد الضجة الإعلامية تكون أكبر بكثير من حجم وليد جنبلاط وشعبيته لدى دروز سورية وهو الذي يحاول جاهداً ضمهم إلى كنفه بقوة لا تفترضها سوى رهانات طامحة إلى دولة درزية يحكمها على أساس زعامة يفرزها سقوط الرئيس بشار الأسد.

تدخل «إسرائيل» على خط الأزمة بطريقة غير مباشرة فتقول صحيفة «هآرتس»إنّ «إسرائيل» قرّرت عدم التدخل عسكرياً لحماية أبناء الطائفة الدرزية في سوريا رغم توجه قيادات الوسط الدرزي في البلاد إلى الحكومة بطلب تقديم الدعم العسكري لإخوانهم في الجانب السوري من الحدود، حسب الصحيفة.

أعمى حقد وليد جنبلاط على بشار الأسد وتصدر اهتمامه وامتد إلى طموحات أعلى وأكبر من أن يجيرها دروز سورية الذين لم يعطوه هذا الإنجاز بتنصيبه مسؤولاً عن الأرواح طيلة خمس سنوات تقريباً، فكيف يعطوه إياه اليوم؟ وعلى فرض تحقق ما في بال وليد جنبلاط سيكون في المحصلة قد جاء تحت سلطة وإمرة السلاح والإرهاب ولن يكون يوماً ولاءاً صافياً له أو تجييراً لزعامة مستجداة لا تشبه سوى أبشع أشكال الديكتاتورية والتسلط الذي يطالب غيره بالتخلي عنه.

يفوق طموح وليد جنبلاط ويتخطى واقعاً يكاد يغفل عنه، وكأنّ المتغيرات الإقليمية لم تصل إلى مسامعه حتى الساعة وكأنه فعلاً لا يقرأ الصحف ولا يستمع إلى نشرات الأخبار ولا يستقبل خبراء ولا يتابع ما يجري في المنطقة .

لم يمرّ عند وليد جنبلاط حتى الساعة أنّ إيران ستتوج دولة نووية في أواخر حزيران أو ربما مرّ عليه، لكنه يريد سباق الزمن بسرعة نووية تتوج أحلامه بآمال تسقط بشار الأسد خلال أيام. لم يمرّ عليه أيضاً أنّ خسارة أردوغان المدوية سمعها قادة «النصرة» الذين شرع وجودهم وفرق بينهم وبين القاعدة فخذلوه، وبالتالي حتى أيام الجبهة باتت معدودة .

إنّ اعتبار جنبلاط أنّ مجزرة «قلب لوزة» حادثاً فردياً وتصميمه على تصدّر المشهد عنوة عن فسح المجال لمواقف مشايخ عقل الطائفة الدرزية في لبنان والمنطقة المعتدى عليها في سورية، ليس سوى تأكيد منه على تقبل خذلان «النصرة» له أولاً واعتبار نفسه وصياً على شؤون الطائفة ثانياً وقصد الإيحاء بقدرته على إنقاذ الموقف عبر التواصل مع الدول من أجل حفظ أمن وسلامة الدروز هناك فيتم اعتباره المنقذ الأوحد .

مصائب قوم عند جنبلاط فوائد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى