الإسلام السياسي: هل يقبل التعدّدية والانتخابات؟

عامر نعيم الياس

شكّل «حزب العدالة والتنمية» منذ وصوله إلى السلطة في تركيا وبالغالبية المريحة له والضامنة لحكمه، نموذجاً تبنّاه الغرب قبل غيره في تقديم مثال على قابلية الأحزاب الإسلامية في الحكم. نموذج لنقل التجربة إلى الدول الإسلامية، خصوصاً العربية. هكذا كانت رغبة واشنطن، وهكذا عمل «حزب العدالة والتنمية» بدءاً بالحكم على قاعدة التغيير في الداخل التركي، وصولاً إلى التمكين على المستوى الداخلي، وليس انتهاءً بالإمبريالية الإسلامية العثمانية مع بدء الفوضى العربية في عام 2010، إذ كشف الحزب الإسلامي المحافظ الخارج من عباءة الإخوان المسلمين ممثلاً بحزب الرفاه، عن وجهه الحقيقي، وبدأ رجب طيّب أردوغان بالدفع بمشروع أسلمة المنطقة تحت قيادة «السلطان» الذي أصبح رئيساً لجمهورية أتاتورك.

نتائج الانتخابات البرلمانية التركية أبقت جمهورية أتاتورك عند اسم مؤسسها وانتهى حلم أردوغان بتغيير أسس الجمهورية التركية وتحويل البلاد من نظام برلماني تعدّدي إلى نظام رئاسي، يمنح القاطن في القصر الرئاسي السلطة المطلقة لاستكمال المشروع الإخواني في المنطقة، أو ما تبقى منه في سورية والعراق تحديداً. لكن التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء المكلّف أحمد داود أوغلو حول نيّته العمل على تشكيل حكومة ائتلافية تركية حملت في طيّاتها وطريقة توجيهها تحذيراً مبطناً للأحزاب السياسية التركية ومن ورائها الكتل الشعبية الداعمة لها من مغبة تعطيل مهمة رئيس الوزراء المكلّف، في تحذيرات تشبه بالشكل والمضمون تلك التي تطلقها كافة المجموعات المحسوبة على الغرب وديمقراطيته عندما تخسر الانتخابات. فهي تبدأ بالتشكيك بنتائجها التي تعتبرها محسومة لمصلحتها قبيل صدورها، ملوّحةً بعصا الاضطرابات والفوضى، والسؤال الملحّ أضحى اليوم لا يتمحور حول خسارة أردوغان مشروعه التوسعي الإمبريالي، لكن حول استعداد «حزب العدالة والتنمية» للقبول بنتائج الانتخابات والاعتراف بالصفعة التي وجّهها الشارع التركي له والتي أنهت من الناحية العملية حقبة الحكم المطلقة للحزب الإسلامي.

ما هي الطريقة التي سيخرج بها الحزب من الحكم، هل هي عبر الفوضى والاضطراب وتفعيل الاستقطاب في الشارع التركي واستخدام الشارع وسيلة لإبقاء طيف «العدالة والتنمية» في الحكم، وإن خرج رسمياً إلى المعارضة، أم عبر القبول التام بنتائج صناديق الاقتراع والاندماج الكلّي في القواعد العامة للديمقراطية وحكم الدول؟

يتمسك «حزب العدالة والتنمية» بالحكم، فهو ومنذ وصوله إلى الحكم عام 2002 اعتمد مقاربة خادعة، تقوم على تبنّي الديمقراطية بالاسم، والاعتماد على الانفتاح الاقتصادي وخطب ودّ المستثمرين عبر تفعيل التشريعات التي تلبّي طموحاتهم من جهة، خصوصاً المحافظين منهم، ومن جهة أخرى استبدال دمقرطة تركيا التي كانت تعاني من الاضطرابات السياسية حينذاك، بما هو موازٍ لهذه العملية من ناحية الشكل، وهو تحديث القوانين وإجراء إصلاح تشريعي يخاطب وجدان المواطن التركي المصاب بخيبة أمل كبيرة من جراء الأوضاع التي كانت سائدة في تركيا في عام 2002، وهو ما نجح به «حزب العدالة والتنمية» بالفعل، لكن كل ما سبق استند في الجزء الأكبر منه، خصوصاً في السنوات الأخيرة إلى خطاب الفرز والاستقطاب الذي مزج بين داخل تركيا وخارجها إلى حدٍّ سمح برسم خريطة الاستقطاب والفرز والعداء لتركيا ابتداءً من الداخل التركي وصولاً إلى اليونان وأرمينيا وسورية والعراق. ولعل في إجماع الأحزاب التركية الثلاثة الفائزة في الانتخابات على رفض خطاب أردوغان الطائفي في الداخل والخارج، خير دليل على وجهة الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا الذي لا يزال حتى اللحظة مصرّاً على توصيف ما جرى في مصر بحق الرئيس الإخواني مرسي بأنه انقلاب، ويدعم «داعش» و«النصرة» في سورية.

ما سبق يوضح أنّ الإسلام السياسي أو ما يسمى بحدود السياسة الإسلامية التي كشفتها أحداث ما يسمى «الربيع العربي» تتعارض إلى حدّ كبير مع المبادئ العامة للديمقراطية وبناء الدولة على قاعدة القبول بالآخر، وما أفرزته صناديق الاقتراع. فالمشروع الإسلامي مؤطر في سياق تشكل الطائفة أساسه ما ينزع عنه بالدرجة الأولى صفة الأممية ويحوّله إلى مشروع استبدادي لا أكثر ولا أقل، فهل يستمر أردوغان بحلمه العثماني، أم يقبل بنتائج الانتخابات ويقدم نموذجاً على إمكانية اندماج الإسلام السياسي بالنظام العام؟ الأيام المقبلة كفيلة وحدها بالإجابة عن هذا السؤال.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى