آخر الكلام «قلب لوزة» وأخواتها

وليد زيتوني

لعلّ المجزرة التي نفذتها «جبهة النصرة» بأهالي قرية قلب لوزة في منطقة جبل السماق التابعة لمحافظة إدلب، لم تكن فريدة من نوعها. فـ«جبهة النصرة» لها باع طويل في هذا السياق على امتداد الأرض السورية. وهي وقرينها «داعش» ابنان شرعيان لـ«القاعدة»، غرفا من النبع الإيديولوجي نفسه، وانتهجا السلوك نفسه من ليبيا إلى العراق وسورية ولبنان واليمن وتونس.

غير أنّ هذه المجزرة وبغضّ النظر عن الطريقة التي نفذت بها، قد أخذت أبعاداً أخرى، لم تأخذها مثيلاتها، لارتباطها المباشر بمشاريع التقسيم المعدّة لسورية، والتي يعمل العدو الصهيوني على تحقيقها من خلال نجاحه في الاختراقات الواسعة لهذه التنظيمات عبر المشغل الأساسي الأميركي والمموّلان السعودي والقطري والمشرف الميداني التركي.

فقلب لوزة كانت رسالة واضحة لمحافظة السويداء بعد التصريحات «الإسرائيلية» المتكرّرة حول استعدادها لحماية الطائفة الدرزية. بل وترافقت هذه المجزرة مع هجومين استهدفا مطار الثعلة في السويداء والمنطقة المتاخمة لدرعا في محاولة للإيحاء بأنّ خطراً محدقاً يطاولها، وبالتالي تصبح الطريق ممهّدة لطلب الدعم «الاسرائيلي».

هذا العمل الاستخباراتي «الإسرائيلي» لم يلق آذاناً صاغية في جبل سلطان باشا الاطرش، بل على العكس تماماً، اندفع شرفاء السويدا بالتعاون مع جيشهم للذود عن أرضهم وعرضهم في مواجهة خطة التقسيم المشبوهة.

لكن المفارقة كانت في مواقف وليد جنبلاط الذي نصّب نفسه زعيماً على الطائفة الدرزية على رغم أنّ تعداد الطائفة في سورية يفوق ما يزيد على ثلاثة أضعاف الطائفة في لبنان، مع الأخذ في الاعتبار أنّ دروز لبنان منقسمون وبشكل حادّ في المواقف السياسية الأساسية، وبالتالي فإنّ جنبلاط ليس قيّماً على الطائفة حتى في لبنان إلا بقوة البلطجة السياسية.

يؤخذ على جنبلاط في ما خصّ هذه المجزرة النقاط التالية:

أنّ المجزرة ليست فردية كما ادّعى، ففيها ما يفوق أربعين شهيداً، وهي نتاج محاولات «النصرة» انتهاك المحرمات الدرزية في جبل السماق، من نبش القبور وتدمير مراقد الأولياء والدعوة إلى تهجير أهل المنطقة، وإجبار السكان على اتباع الطقوس والأعراف الوهابية.

ويتساءل مراقبون: هل الحرب الأهلية الأخيرة في لبنان، والتي بدأت بحادثة عين الرمانة فردية؟ وهل الأحداث الطائفية عام 1860 والتي بدأت بين صبيان الحي الواحد هي حادث فردي؟ وهل الثورة عام 1958 التي ابتدأت بمقتل نسيب المتني حادث فردي؟

إنّ المجزرة لم تقع نتيجة خلاف بين القرى الدرزية والمحيط، فهذه المنطقة تعيش الحياة المشتركة منذ مئات السنين كما هي حال السويداء، وعقد الراية والصلح يقوم نتيجة صراعات دموية مستمرة، إنما من يفتعل الأحداث في سورية هم الأغراب الذين استجلبهم المشروع الأميركي ـ السعودي ـ التركي من أصقاع الأرض كافة.

إنّ المجزرة لم تقع في المنطقة التي يسيطر عليها «النظام»، بل هي منطقة يسيطر عليها حلفاؤه وحلفاء السعودية ويأتمرون بأوامر «إسرائيل» التي تعالجهم في مستشفياتها، وتقدّم لهم الدعم الميداني واللوجستي.

إنّ المجزرة وقعت خارج حدود الدولة الدرزية التي ترسم في الأحلام، وعلى هذا الأساس يتوجب تهجير دروز إدلب إلى حيث ستقام الدولة المزعومة.

إنّ عدد الدروز في سورية يتجاوز خمسمئة ألف، وهو ما يعادل عدد أكراد سورية، وقد صنع هؤلاء معجزة الصمود في كوباني ومناطق الشمال في وجه «داعش». فلماذا يطلب من أهل جبل العرب وهم أهل العزة والكرامة الخضوع لسيف الجزار؟

يقول جنبلاط إنه على الدروز موالاة أكثرية الشعب السوري، وفي الواقع هم كذلك، ألم يطلع السيد جنبلاط على الانتخابات الرئاسية السورية ونتائجها؟

في الختام نقول: إنّ جبل العرب الذي رفض الدولة الدرزية في سايكس ـ بيكو لن ينجرّ مهما كانت الضغوطات إلى دولة تقسيم المقسّم، وإن لدينا الثقة بأهل جبل العرب وحكمتهم وقدرتهم وشهامتهم ووطنيتهم، وهم لا يحتاجون لأيّ درس في السياسية من أحد، فهم من صنع تاريخ سورية الحديث وسيبقون عنواناً للعزة والشرف والكرامة والإباء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى