ليبيا… انقلاب السحر على الساحر

حميدي العبد الله

نظام القذافي لم تكن فيه أيّ إيجابيات، فهو بدّد ثروة ليبيا، ولم يستطع تثمير هذه الثروة الهائلة لتنمية هذا البلد والارتقاء بمستوى شعبه، وكدّس عائدات النفط في المصارف الغربية حتى استولت عليها الحكومات الغربية عقب إطاحته، علماً أنّ ثروة ليبيا كانت تؤهّلها لبناء نموذج يشبه نموذج دبي، بل أكثر تفوّقاً منها لقربها من أوروبا ومن دول ذات كثافة سكانية مثل مصر، لكن ليبيا ظلت في عهده فقيرة مهملة تفتقر إلى أبسط الأشياء.

تخلى القذافي عن القومية العربية، وخاض مغامرات في أفريقيا انتهت إلى تبديد المزيد من الثروة، وبدّدت هوية ليبيا القومية.

تخلى عن الوطنية واستقلالية القرار السيادي لمصلحة الدول الغربية، عندما نفذ ما يُسمّى بالاستسلام الوقائي لمصلحة الولايات المتحدة وحليفاتها الأخرى في الغرب.

لكن الشعب الليبي لم يكن للحظة واحدة يتوقع أنه سينتقل من هذا الواقع الأليم الذي كان يعيشه في ظلّ حكم القذافي إلى الواقع المأسوي الذي تعيشه ليبيا الآن، إذ تتساقط القذائف على رؤوس الآمنين، وتحوّلت ليبيا من أقصاها إلى أقصاها إلى غابة للسلاح والمسلحين الذين يجوبون شوارع مدنها وقراها ويعتدون على المواطنين. ووحدة ليبيا، كياناً سياسياً وأرضاً، عرضة للتقسيم، ولم يبق لديها جيش وطني، وثروتها النفطية سائبة ومصدر نهب للشركات الأجنبية وللميليشيات المسلحة… فهل هذا هو البديل الذي كانت تنشده غالبية الشعب الليبي؟ ليس هذا بالتأكيد ما كان يتطلع إليه الليبيون، والنتيجة هذه ليست من صنع الليبيين، رغم وجود الكثير من الحركات والقوى الليبية التي لعبت دوراً كبيراً في الوصول إلى هذه النتيجة. ما يحصل في ليبيا اليوم ما كان ليحدث لولا توافر عاملين اثنين:

العامل الأول تدخل الناتو عسكرياً، إذ ساهمت هذه العملية العسكرية في إسقاط الدولة الليبية وليس الاستيلاء على الحكم في ليبيا. وبديهي أن يؤدي سقوط الدولة الليبية وتفكيك مؤسساتها، خاصة المؤسستين العسكرية والأمنية إلى مثل هذه النتيجة. وهذا حدث في العراق علي أيدي المحتلين الأميركيين وحلفائهم الغربيين، وتكرّر في ليبيا. ومن البديهي أن تكون النتيجة على هذا النحو، أي مشابهة لما آلت إليه حال العراق من فوضى واقتتال نتيجة حلّ الجيش العراقي، وهي جريمة تعترف اليوم الولايات المتحدة بأنها السبب الرئيسي لما يعانيه العراق راهناً.

العامل الثاني، إن الدول الغربية والدول الدائرة في فلكها في المنطقة وبخاصة السعودية وقطر اللتين لعبتا دوراً في إسقاط النظام، ساهمت في حشد الإرهابيين من كلّ حدب وصوب والاستعانة بهم لإسقاط القذافي، تماماً مثلما فعلت وتفعل الآن في سورية، وبديهي أنّ هذه القوى الإرهابية عندما يشتدّ ساعدها وتحصل على مواقع راسخة، ويصبح المال والسلاح تحت سيطرتها ستنقلب على مشغّليها، وتعلي شأن مصالحها وتطلعاتها الخاصة، وهذا ما يحدث الآن في ليبيا، ليس بعد الهجوم الذي استهدف محطة الـ «CIA» في بنغازي وأدى إلى مقتل السفير الأميركي فحسب، بل في ضوء سيطرة هذه الجماعات الإرهابية على مناطق واسعة من ليبيا وتحويل تلك المناطق إلى قواعد لتوسيع سيطرتها داخل ليبيا، وتحريك الإرهابيين إلى دول مجاورة أخرى مثل مالي والجزائر وتونس ومصر، ولاحقاً سيأتي دور الدول الأوروبية لقربها الجغرافي من ليبيا.

لعبة الفوضى التي أطلقها الغرب في ليبيا، خاصة فرنسا والولايات المتحدة، ترتدّ عليه اليوم، ويمكن القول إنّ السحر انقلب على الساحر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى