مؤتمر هرتسيليا: العراق لم يعد يشكل خطراً على «إسرائيل»
كشفت محطة «سي ان ان» الأميركية، ان «تجمعاً لبعض الرسميين في إدارة باراك أوباما، والرسميين السابقين من جميع وكالات الحكومة الأميركية يناقشون حالياً الخطة التي تقدم بها نائب الرئيس الاميركي الحالي، جو بايدن، بالتشارك مع عضو مجلس العلاقات الخارجية ليزلي غيلب عام 2006 عندما كان بايدن عضواً في مجلس الشيوخ والتي تقضي بإنشاء نموذج «اللامركزية للسلطة في العراق»، مشيرة الى ان من بين المشاركين في مناقشة الخطة العسكر والـ»سي آي إيه» وباحثون مرموقون من مراكز الفكر مثل «مجلس العلاقات الخارجية» و«مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية» و«مؤسسة بروكينغ» و«معهد كارنغي للسلام» و«مؤسسة الولايات المتحدة للسلام».
وتابعت المحطة الأميركية ان «خطة بايدن غيلب تتمثل بأن تواصل الحكومة المركزية في العراق الاضطلاع بالقليل من الأعباء المهمة، على أن تؤول كثير من السلطات والمهمات إلى الحكومات الإقليمية في مناطق السنة والشيعة والكرد»، و«هو ما تم تنفيذه في كردستان في شكل ناجح».
وفي هذا السياق قال فريد زكريا محلل الشؤون السياسية ومقدم برنامج GPS على شبكة سي . ان . ان الاميركية ان الجيش العراقي لم ينهر بحسب ما وصفه عدد من النقاد التي تلت تصريحات وزير الدفاع الاميركي آشتون كارتر والتي قال فيها: «ان الجيش العراقي فقد الرغبة في القتال». وأوضح زكريا: «ان وزير الدفاع الاميركي نسي اضافة كلمة القتال من اجل العراق لينهي جملته ان هناك العديد من الاطراف التي تقاتل بشدة في العراق وأبدت استعدادها للقتال بشجاعة. فالاكراد يقاتلون بضراوة من اجل «كردستان» و«الشيعة» و«السنة» يقاتلون ايضاً، لكن لا احد يبدي الرغبة بالقتال من اجل العراق الذي انهار وان تنظيم «داعش» في معركة قوية مع الحكومة وهو يقاتل من اجل نشر افكاره.
وفي ضوء هذه التطورات المتلاحقة استعرض مؤتمر هرتسيليا الذي انعقد امس خريطة التهديدات الاستراتيجية التي تواجهها «إسرائيل» كما يفعل كل عام لكن هذه المرة جاءت الخريطة التي رسمها الطاقم السياسي والأمني في وزارة الامن «الاسرائيلية» الجنرال عاموس جلعاد اقل ظلمة مما كانت عليه في السابق وقال ان وحدة اراضي العراق ذهبت ادراج الرياح وتفككت الدولة العراقية عملياً ولم تعد تشكل خطراً على «إسرائيل».
وفي ضوء هذه المعطيات الخارجية فإن المشهد المحلي يتمثل بإقدام تنظيم «داعش الارهابي» على استخدام ورقة المياه كجزء من حربه القذرة ضد العراقيين من خلال غلق أهم مقدرات الحياة، الماء حيث قطع الماء عن مناطق عدة بالعراق عبر إغلاق السدود التي يسيطر عليها في غرب الانبار والواقعة على نهر الفرات ثاني اكبر انهار العراق بعد دجلة ما ادى الى انخفاض منسوب المياه وإعاقة وصولها الى المضخات التي تغذي مناطق المحافظة وأكد ان السيطرة على اهم الموارد المائية من قبل داعش بات اليوم يعرض الأمن الغذائي والمائي لأكبر كارثة انسانية حيث لجأت العصابات الاجرامية الداعشية الى استخدام ورقة حرب المياه بوصفها سلاحاً فعالاً لكن على الطرف الآخر هناك حقيقة باتت واضحة وساطعة تقول ان الخسائر التي مني بها تنظيم داعش الارهابي والضربات الساحقة التي تعرض لها على ايدي الجيش العراقي من شأنها ان تعجل بسقوطه الوشيك.
وكانت الانباء الواردة من واشنطن قد أكدت ان رموزاً بارزة في إدارة الرئيس باراك أوباما تشارك منذ أشهر مع خبراء وباحثين من أهم مراكز الفكر المختصة بشؤون السياسة الخارجية في مناقشات غير رسمية عبر جلسات عصف ذهني للبحث عن حل للأزمة الوطنية في العراق. وتقوم تلك المناقشات على أساس فك الارتباط بين الأقاليم وبين الحكومة المركزية، أو اعتماد التواصل الفضفاض الرخو بين الأقاليم وحكومة المركز، وذلك بحجة تخفيف حدة الصراع الطائفي والعرقي وهو الصراع الذي لن يتبدد طالما أن هناك شعوراً لدى جماعة أن المجموعة الأخرى مهيمنة على حساب حقوقها. وتقول المصادر الاميركية رغم غياب اتساق الوضع الجغرافي في الوقت الراهن، ووجود تداخل بين المجموعات، واحتمال أن يؤدي محو الحدود وغياب السيطرة المركزية إلى نشوب حروب طائفية أو إثنية، إلا أن التقسيم والاحتواء ما يزالان هما أقل الخيارات السيئة فظاعة، ويمكن للولايات المتحدة أن تبدأ في ذلك من خلال تسليح السنّة مباشرة ومساعدتهم على إستعادة أراضيهم من الإرهابيين وطمأنتهم بأنهم سيديرون تلك الأراضي فور استردادها.
والإرهاب اليوم، في العراق، يقوّي دور الجماعات والمؤسسات ما قبل الدولتية ويعززها على حساب دور الدولة وقوتها وديمومتها… وسيبقى الصراع محتدماً حتى بعد الهزيمة الحتمية لـ«داعش» طالما أن مصالح فئات متسيدة على جماعاتها تتطلب استمرار ضعف الدولة، ضامناً لها عدم المساءلة والعقاب.
إن اللجوء إلى العنف، وانتعاش الإرهاب، وبروز روح الكراهية، وإنكار حق الآخر في الوجود ما هو إلا تحصيل حاصل لهذا المناخ الإشكالي المأزوم، المدعم بالاقتصاد الريعي، والمغذّي للانتماءات والسلطات ما قبل الدولتية، والمغذّى منها.