«الصراصير طردتني من قصري الأول والشعب يحاصرني في قصري الثاني»

غسان يوسف

في كلام نقله أحد الصحافيين الأصدقاء عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد الهزيمة المنكرة التي مُني بها حزبه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة التي جرت في تركيا في السابع من حزيران الجاري، اعترف أردوغان أمام بعض المقرّبي منه بأنّ الشعب بات يحاصره في قصره الجديد، بعد أن طردته الصراصير من قصره الأول!

كلام أردوغان وإنْ لم يكن علنياً يمثل اعترافاً أولياً بأسلوبه الخاطئ تجاه الشعب، فالحقيقة تقول إنّ الشعب في تركيا ليس نسيجاً واحداً كما كلّ دول المنطقة.

في تركيا قضية عمرها عشرات السنين، وحتى الآن لم يعترف أردوغان بحقوق الأكراد وقضيتهم، فهو سجن عبد الله أوجلان رئيس حزب العمال الكردستاني، ووقف إلى جانب «داعش» في محاربتها للأكراد في سورية والعراق، ووصف صلاح الدين ديمرداش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي بالصبي التافه! فوجه الأكراد له صفعة وصلت إلى حدّ الحصول على ثمانين نائباً في البرلمان، كان نصفهم في صفوف حزب العدالة والتنمية. والأكراد يتمنّون أن يتجرّأ أردوغان على إجراء انتخابات مبكّرة ليكملوا الصفعة ويزيدوا عدد مقاعدهم.

المكوّن الثاني في تركيا هو المكوّن العلماني الذي يهاجمه أردوغان بشدّة وبلغة بعيدة عن السياسة ولا تليق برئيس وزراء أو برئيس جمهورية. يقول أردوغان في إحدى خطبه: «إنّ هؤلاء الأعداء من المثليين والعلويين والملحدين» والمقصود المنتمين إلى حزب الشعب التركي – طبعاً مع عدم إغفال اتهام الناس بالمثلية لتشويه الصورة – ما دعا حزب الشعب إلى رصّ صفوفه والمحافظة على مواقعه، وفضح عنصرية وطائفة أردوغان، خصوصا أنّ حزب الشعب هو إرث مؤسس الجمهورية التركية الحالية كمال أتاتورك.

إضافة إلى ذلك يرفض أردوغان الاعتراف بالإبادة الأرمنية، ويُعادي كلّ من يقول الحقيقة حتى ولو كان من أفضل أصدقائه.

خلافات أردوغان وعنجهيته لم توفر حتى أصدقاءه القدامى والذين يتبعون العقيدة نفسها كخلافه مع فتح الله غولن وعبدالله غل ونجم الدين أربكان إلخ… حتى لم يبق صديق لأردوغان من تياره سوى أحمد داوود أوغلو الشخصية الضعيفة .

ولم يكتف أردوغان بمخاصمة الداخل بل امتدّت خصوماته وعداواته إلى الخارج، فتدخل في مصر ودعم الإرهاب في سورية والعراق وليبيا، وأيّد «درع الجزيرة» في البحرين و«عاصفة الحزم» في اليمن، وجعل من نفسه رأس حربة للغرب وحلف شمال الأطلسي، وقوّى العلاقة العسكرية مع «إسرائيل» في السرّ وهاجمها في العلن.

وللتذكير فإنّ أردوغان اعتقل في عام 1998 عندما كان رئيساً لبلدية اسطنبول بسبب تغنّيه بهذا البيت من الشعر علناً وأمام الجماهير: «المآذن حرابنا، والقباب خوذاتنا، والجوامع معسكراتنا، والمخلصون جنودنا».

ما أدّى إلى اعتقاله بتهمة التحريض على الكراهية الدينية، ثمّ إلى منعه من العمل في وظائف حكومية، أو الترشح للانتخابات العامة، لكن شاءت الأقدار أن يصل هذا العنصري إلى سدة الرئاسة ويتدخل في الكبيرة والصغيرة من أمور الشعب التركي، حتى وصل به التقوقع والتعصّب إلى استبدال الشرح العلمي للأعضاء التناسلية البشرية في كتب العلوم المدرسية بصور لمجموعة من البط والدببة إلى جانب صور أخرى خارجة عن موضوع الشرح تماماً!

والكلّ تابع ملاحقته للصحافيين وسجنهم حتى باتت تركيا من أكثر البلدان التي تحوي في سجونها صحافيين، كما عمل على إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي كـ»فيسبوك» و«يوتيوب» و«تويتر» للتغطية على فساد ابنه والدوائر المقرّبة منه!

لا شك انّ أردوغان نفسه هو الخاسر الوحيد في هذه الانتخابات، لكن لا نبالغ إذا قلنا إنّ الرابح الأكبر من هذه الانتخابات هو شعوب المنطقة التي عانت من دعمه للمجاميع الإرهابية، وفي مقدّمتها «داعش» و«النصرة»، والسؤال هل سيفلت المجرم من العقاب يوماً ولو طال الزمن؟ خصوصاً أنّ رؤساء الأحزاب الثلاثة المنافسة في تركيا يطالبون بمحاكمته بعد ثبوت ارتكاباته ودعمه للإرهاب في المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى