ما هي معايير دعوة الطاقات الاغترابية؟ وأين أخطأ وزير الخارجية وأين أصاب؟
علي بدر الدين
قد تكون الحماسة الزائدة، لتحقيق الإنجازات والنجاحات في ظل حكومة الرئيس تمام سلام التي تشكلت قبل الاستحقاق الرئاسي بأشهر قليلة، دفعت بوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، إلى الإسراع في إعادة تنظيم البيت الداخلي لوزارة الخارجية، واتخاذه قرارات إدارية وتنظيمية قد لا تكون صائبة أو موفقة إن لناحية التوقيت أو لناحية المعطيات المتوافرة والنتائج المتوقعة، خاصة في ما يتعلق بالاغتراب اللبناني الذي يتمتع بشخصية مستقلة نوعاً ما وله صفة تمثيلية ومؤسسة اغترابية جامعة معترف بها كممثلة شرعية للمغتربين وحاضنة لهم هي الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم.
من حق الوزير باسيل أو أي وزير آخر أن يتخذ ما يراه مناسباً من إجراءات وقرارات لإدارة شؤون وزارته، لتحسين الأداء وزيادة الإنتاجية وفق رؤيته وبرنامج عمله لإنجاح الوزارة وإثبات القدرة والجدارة في تحمل المسؤولية. ولكن من حق المغتربين اللبنانيين على وزير الخارجية قبل إصداره القرارات وتعميمها على السفارات والقنصليات اللبنانية في العالم إطلاعه على أوضاع الاغتراب اللبناني وعلى المؤسسات الاغترابية بسلبياتها وإيجابياتها، ونجاحاتها وإخفاقاتها، وعلى قانونية انتخاباتها ومؤتمراتها والصفات التمثيلية لها. وحكماً فإن الوزير باسيل يعلم جيداً حال الانقسام السائدة على مستوى الجامعة الثقافية التي انعكست على المغتربين في أماكن وجودهم تحت عناوين وشعارات سياسية وطائفية، اعتمدها البعض شماعة لإمرارها على نحو يخدم مصالحه وتوجهاته، ما أضرّ كثيراً بسمعة المغتربين وأساء إلى تاريخ اغترابي يتجاوز عمره قرنين من الزمن.
أعتقد أنه كان على الوزير باسيل قبل تبنيه قرار مجلس شورى الدولة الذي يحمل رقم 19348 بتاريخ 19/3/2014 وتعميمه على البعثات الدبلوماسية اللبنانية في الخارج طالباً فيه وقف العمل بتعميم وزير الخارجية السابق عدنان منصور الذي كان طلب إلى هذه البعثات التعاون مع الجامعة الثقافية الذي يترأسها أحمد ناصر… كان عليه إذن:
أولاً: الاطلاع على تفاصيل موضوع الخلاف في الجامعة الثقافية ولقاء «رؤسائها» ورموزها على نحو منفرد أو جماعي والاستماع إلى وجهات نظرهم ورؤيتهم للأمور وبالتالي معرفة مكمن الخطأ والانقسام، ومن هي الجهة التي تمثل الشرعية الاغترابية والجهة التي تنتحل الصفة لتقسيم الجامعة وتشويه حضورها وصورتها أمام المغتربين.
ثانياً: الطلب إلى البعثات الدبلوماسية والقنصلية اللبنانية في الخارج معلومات وتقارير مفصلة عن كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالمغتربين وبمؤسستهم الأم الجامعة وبالمجالس القارية والوطنية المتفرعة عنها.
ثالثاً: الأهم من ذلك كلّه الاطلاع من مديرية المغتربين ومديرها العام المخضرم المحامي هيثم جمعة على حقيقة أوضاع المغتربين والجامعة، فهي تملك منذ عقدين من العمل الدؤوب والناجح خبرات ومعلومات تفصيلية ونجاحات وإنجازات وإحصاءات دقيقة، وبالتالي فهي على تماس مباشر مع جميع المغتربين اللبنانيين ولديها ما يكفي من الملفات التي تلقي الضوء على شؤون المغتربين وقضاياهم ومشاكلهم وأزماتهم وانقساماتهم وإيجابياتهم وقدراتهم وطاقاتهم في مختلف المجالات وعلى المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية والمالية كافة. وغالباً ما نجحت برعاية مديرها العام جمعه وتوجيهه في حل مشاكل مستعصية وساهمت في توحيد المغتربين وإنجاح مؤسستهم وشكلت قوة دعم ومساندة لهم، خاصة في المراحل الصعبة التي واجهتهم في اغترابهم.
على ضوء ما يجمعه الوزير باسيل من ملفات ومعلومات وتفاصيل دقيقة تشكّل لديه معطيات كافية ووافية للتعاطي مع الملف الاغترابي الشائك والمهم في آن واحد، وإمكانه تحديد وجهة البوصلة ووضع الخطط والبرامج وإصدار القرارات بموضوعية، على نحو يخدم لبنان ومغتربيه ويسهّل أمامه اتخاذ ما يراه مناسباً لمصلحة لبنان المقيم والمغترب وتنتفي عنه صفة الاستعجال في اتخاذ القرارات أو الانحياز إلى هذا الفريق أو ذاك، خاصة أن الآمال الاغترابية معلقة على حماسة الوزير جبران واندفاعه لتوحيد الاغتراب ومؤسساته وليس العكس. وهو يدرك جيداً قوة المغتربين وثروتهم البشرية والاقتصادية والمادية والمكانة السياسية والإدارية المرموقة التي بلغوها في العالم.
لا يحق لأي كان أن يبدد هذه الثروة أو يضعفها، فيها تكمن قوة لبنان واقتصاده ومداخيله المالية السنوية التي تقدر بأكثر من عشرة مليار دولار. والمطلوب من الوزير أو أي وزير حاضراً ومستقبلاً وضع سياسة رسمية اغترابية منفتحة غير انتقائية وغير استنسابية، وإصلاح ما أفسدته الحكومات المتعاقبة التي فشلت في توحيد الاغتراب والجامعة، والإفادة من هذه الطاقة المؤثرة والفاعلة في الوطن الأم وفي الاغتراب، وفي إخراجها من دائرة الانقسامات والصراعات التي عجزت الحكومات ووزراء الخارجية واللجان التي شكلت عن تحقيق ذلك وتوفيرهما الأمان والاستقرار للمغتربين.
هنا تبدو الأسئلة والاستفسارات واجبة وملحة، حول المعايير التي وضعها الوزير باسيل لدعوة «الطاقات» الاغترابية الفاعلة إلى عقد لقاء في بيروت، فهل سيكون الاختيار منصفاً وموضوعياً أم سيكون استنسابياً، سياسياً، طائفياً ومناطقياً؟ وهل استعان الوزير بلائحة الأسماء التي يجب أن توجه إليها الدعوة من مديرية المغتربين أو من الجامعة الثقافية أو من مجموعة المستشارين؟ نأمل في أن يوفق في الاختيار الصحيح كي لا نضيف مشكلة جديدة إلى الملف الاغترابي، ونسأل أيضاً هل الغاية من اللقاء ـ المؤتمر التعارف أم توحيد الجامعة أو ما يحكى عن توجه إلى تشكيل «لوبي» اغترابي بديل من الجامعة؟ أم سيكون مجرد لقاء فولكلوري لبناني يعيدنا بالذاكرة والحسابات إلى زمن ولى طغت فيه المآدب والكلمات والتوجيهات لتنتج جعجعة من دون طحين؟
أسئلة كثيرة ربما تجيب عنها الأيام القليلة المقبلة قبل حدث اللقاء في 30 و31 أيار 2014.
يبقى السؤال الأهم: هل سينجح الوزير باسيل حيث فشل الآخرون؟ نأمل ذلك.