من يضمن للأردن نجاح هذا «الطموح» غير المشروع؟

محمد شريف الجيوسي

بغض النظر عما كتبه الزميل ماهر أبو طير، حول الجنرال د. بهجت سليمان السفير السابق في الأردن وما ساقه من اتهامات له ولكل من يعتقد مثله، مصادراً بذلك قناعات الآخر، حتى لو يكن بهجت سليمان عينه، بقوله: «كل أولئك الذين يطبّلون إعجاباً بكتاباته هم على شاكلته أساساً»، ناسياً أنّ من حق الناس، أي ناس، أن يعجبوا أو لا يعجبوا بكتابة هذا الكاتب أو آراء هذا السياسي أو الجنرال، ولا يحق لأي كان، أبو طير أو سواه، أن يحكم أو يعاقب من يخالفه الرأي، وهو أي أبو طير ساوى نفسه مع من اتهمه، إن كان ما اتهمه به صحيحاً.

أقول لكي أكون واضحاً، إنني تعاملت مراراً مع مقالات أبو طير بغض النظر عن قناعتي بها، وقد أعجبني بعضها، وسأبقى أتعامل معها عندما أرى ذلك ضرورياً، بغض النظر عمّا ساقه من اتهامات وسّع فيها دائرة اتهاماته، فأصاب أكثر مما يتخيّل، فقد أضحى بهجت سليمان حالة ينتظر عديدون قراءة ما يكتب في الأردن وخارجه، بما في ذلك سورية، وهو يمثل وجهة نظر ورأي يحترمه ويعتقد به العديد من المواطنين العرب، ولا يجوز بحال تقريع هؤلاء الناس، ليس لأجل الجنرال الدكتور بهجت سليمان، ولكن لكي لا يخطئ أبو طير.

وكنت أشير في تعاملي مع مقالات أبو طير، إلى أنه مقرب من صاحب القرار، حتى قال لي زميل إن ماهر أبو طير ما عاد في الأردن وهو يعمل الآن في الإمارات وبالتالي لا علاقة له بصاحب القرار، لكن مقالة أبو طير في 14 حزيران 2015، وفي شباط الماضي، لا أعتقد أنها خارجة على هذا الإطار، فقد تحدث الأردن الرسمي من دون مواربة عن الانتصار لما قيل إنه العشائر السورية في شرق سورية والعشائر العراقية في غرب العراق… وهو ما قد يعني موضوعياً توسع الأردن باتجاه أراض سورية وعراقية في حال نجح التدخل.

ولعل من المفيد التوضيح، أنني مع أي نظام أو حاكم عربي، قومي أو رجعي، ملكي أو جمهوري، اشتراكي أو رأسمالي، يستطيع توحيد شعث هذه الأمة، حتى لو كان ذلك بالقوةً وعبر اضطهاد خصومه ومنافسيه، على أن لا يكون إثنياً أو طائفياً أو مذهبياً أو تكفيرياً أو وهابياً أو إخونياً أو تابعاً، وعلى أن تكون أجندته التوحيد وليس التوسع، حتى لو اضطر لاضطهاد منافسيه وخصومه على طريق عملية التوحيد هذه.

أذكر أن المناضل السياسي والمفكر ناجي علوش قال لي في بيروت، لقد اضطهد بسمارك خصومه لكنه وحّد ألمانيا، ليتهم يضطهدوننا ويقيمون الوحدة لكنهم يضطهدوننا ولا يقيمونها .

والسؤال هو بكل صراحة ودقة، هل يقدر الأردن على توحيد الأمة فيما هو غارق بالمديونية، وغيرها، وفيما نحن بتنا نعاني من أمراض اجتماعية وسياسية واقتصادية لم تكن معروفة في المجتمع الأردني قبل توقيع معاهدة الذل في وادي عربة؟

وهل التوسع الذي تحدث عنه أبو طير، سيمرّ هكذا بسلاسة وتقبل حتى تلك العشائر التي يجرى الحديث عنها؟ هل جنبلاط المتقلب ومن مثله يراهن عليهم؟ هل هم على مقدرة كافية من سوريين وعراقيين على الاستمرار؟ وهل من يخذل دولته يراهن عليه في أن لا يخذل غير دولته؟ وهل الأميركيون لن يخذلوا الأردن كما خذلوا سواهم في جهات الأرض الأربع؟

ثم هل يمتلك الأردن تفويضاً شعبياً أردنياً ومن الشعبين السوري والعراقي أو من نظاميهما، بالتدخل لكي تتحقق مشروعية التدخل ولا تكون له مضاعفات لاحقة تودي بكل شيء؟

نرى الحلفاء في الخليج متبايني الرؤى حدّ التخاصم والتنابذ حول قضايا رئيسة وإن اتفقوا ضد سورية وغيرها، وأحد مكوناته خارج هذه المعادلة تماماً، وبعضهم يولي حرب اليمن جل اهتمامه ويقاطع من يختلف معه في هذا التوجه ومنهم الأردن.

الحرب شرق سورية وغرب العراق، ليست نزهة، وليست خياراً مطلوباً ولا يسيراً، ولها تبعاتها واستحقاقاتها وتداعياتها وأثمانها وشروخها وفتنها، ويحتمل أن تتيح للكيان الصهيوني اغتنام الفرصة والتوجه نحو الأردن شرقاً، بذريعة أنه مهدد من جيرانه، وإن وعد الأميركيون أو ادعوا التزام غير ذلك، بدلاً من أن نتوجه غرباً لتحرير فلسطين من رجس الصهيونية.

وليس بالضرورة أن تؤدي الحرب في شرق سورية وغرب العراق إلى الغايات المرسومة ذاتها أو المأمولة، فقد ارتدت كل مشاريع الفوضى الأميركية الخلاقة على نتائجها الأولية، فضاعت أوهام الناس في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والآن في العراق، ولم يتحقق غير الآلام والضحايا والفتن والتدمير. فما بالنا لا نحفظ للأردن ما هو عليه من استقرار نسبي، ولا نغامر كما غامرت جماعات ضللها الأميركيون وظنت أنها ستقطف لبناً وعسلاً، فإذا آمالها ومشاريعها الواهمة قبض ريح وهوان!

إن إصلاح بلدنا في الداخل أولى بنا وخيارنا، وذلك بعدم التورط أولاً في الحلف الأميركي والسعودي، وبالتنسيق ثانياً مع الجيوش الوطنية في سورية والعراق وليبيا ومصر واليمن ضد الإرهاب بكل مكوناته «معتدلاً» ومتطرفاً، وعدم إيواء منشقين وإرهابيين في بلادنا ثالثاً، ورابعاً إغلاق معسكرات التدريب الأميركية، وخامساً ضبط الحدود في وجه الجماعات الإرهابية بالاتجاهين، وأخيراً عدم استقبال مزيد من اللاجئين، وتسهيل عودة الراغبين منهم إلى بلادهم.

بكلمات وببراغماتية موغلة في الانتهازية، أقول من يضمن أن لا ترتد هذه المغامرة على الأردن ويلات ودمار، كما هو حاصل في الجوار وغيره؟ ألم تهزم أميركا في غير مكان على رغم كل ما ملكت من أسلحة متطورة وجيوش وأجهزة تجسس ومعلومات وشبكات اتصال متقدمة وعملاء في مناطق عدواناتها؟

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى