حديث الجمعة
مختصر مفيد
سيدخل لبنان حكم الفراغ الرئاسي حتى يصدّق دعاة التمديد للرئيس ميشال سليمان سقوط التمديد، فهم أملوا أنّ ترشيح سمير جعجع وفقاً للطبخة السعودية الفرنسية سيغلق الباب على التفاهم على العماد ميشال عون كمرشح توافقي، وفقاً لمعادلة أقوياء طوائفهم للرئاسات، ويصير التعطيل حكمياً حتى يصير التهديد بالفراغ حتمياً، فترضخ بكركي ومعها سيدها، ويبدأ البحث الجدّي بالتمديد للرئيس سليمان كخيار مرّ، بدلاً من الأشدّ مرارة أي الفراغ. وفعلاً نجح التهويل بالفراغ، ونجحت الخطة ورضخ البطريرك بشارة الراعي الذي كان ضدّ التمديد، ليصير أحلى الأمرّين عنده بين التمديد والفراغ، وسيبقى الضغط مستمراً على شارع التيار الوطني الحرّ أملاً بكسر صموده برفض التمديد بتحميله مسؤولية الفراغ في الكرسي الماروني الأول والمسيحي الأول في الدولة اللبنانية، ومع الخامس والعشرين من أيار سيصدّق دعاة التمديد أنّ مشروعهم فشل، وأنّ الفراغ قد وقع، وأنه أهون من التمديد عند فريق المقاومة وداعميها وعند التيار الوطني الحر ومناصريه، وأنّ من يريد تجاوز الفراغ بعد وقوعه يجب أن يسلّم بأنّ موعد البحث بالتمديد قد صار وراءنا، وأنهم بسبب أوهامهم أغرقوا لبنان في الفراغ، وعندها سيكون على الراغبين برؤية رئيس جمهورية أصيل في قصر بعبدا البحث الجدي عن اسم توافقي يمكن أن يجتمع لانتخابه ستة وثمانون نائباً يشكلون ثلثي أعضاء مجلس النواب ولا يجتمعون إلا بتوافق يضمّ قوى الثامن والرابع عشر من آذار.
التطوّرات العسكرية المتسارعة في سورية مع الاستعداد للحسم الدستوري عبر صناديق الاقتراع تعني أنّ سورية ستدخل حكماً في الثالث من حزيران مرحلة جديدة سيكون أهمّ ما فيها، عدا مواصلة الجيش لتنظيف الجيوب التي يسيطر عليها المسلحون، التعدّدية السياسية التي يخوض غمارها السوريون، والتي تتجسّد ببدايات قد لا يصدق كثيرون أنها نواة حقيقية لمقاربات ستشغل وقت السوريين واهتمامهم إزاء كيفيات إعادة البناء، وحدود العلاقة بين السياسة والأمن والحرية من جهة، وبين ملفات الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد من جهة أخرى.
أوكرانيا نحو الفدرالية والتفاوض على موعد الاستفتاء على حق الأقليات بتقرير المصير، وما سينال جمهوريات شرق أوكرانيا الحديثة الولادة أسوة بشبه جزيرة القرم، ويبدو أنّ قرار سحب الجيش الأوكراني من شرق البلاد يأتي تمهيداً لهذه التسوية التي جرى إنضاجها بين روسيا وألمانيا.
رياضيات في الكلام
غالباً ما نُفاجأ بتحوّل النقاش مع شريك أو صديق أو حبيب إلى صِدام لا يحلّه إلا تراجع أحدنا كحال دخولنا في زقاق ضيّق بسيارة فتفاجئنا سيارة أخرى ونحن على يقين أنها عكس السير، وربما يفاجئنا أكثر يقين السائق الآخر بأننا عكس السير، ولا أحد منّا يملك دلائل كافية لإقناع فوري وسريع للآخر كي يتراجع لأنّ لا إشارات سير واضحة في الزقاق لكن أحدنا يجب أن يتمتع بذكاء وتواضع ولباقة التصرف ويقول في نفسه ما همّ أن أنفق يومي وأعصابي لأثبت اني على حق وأخسر ما هو أثمن بضعة من عمري وتوتراً في مشاعري وغضباً وقهراً فيقرّر العودة إلى الوراء قبل أن تتراكم الصفوف وراءهما ويصير التراجع مستحيلاً.
فهل نعرف كيف نقود حياتنا مع من نتشارك معهم جزءاً مهماً من عمرنا كما نقود سيارتنا في زقاق ضيّق ونعلمهم أن يتصرّفوا مثلنا فنتسابق إلى من يتراجع للآخر غير آبه بنظرية الوقوع بالتصادم، ليس مهماً طالما أننا واثقون من أننا على حق فنكسب حكم الخبير لكن نخسر العمر وتضيع فرص الفرح.
هناك من سيقول تعليقاً: جرّبنا وصار التراجع ضعفاً بعين الآخر، وهناك من سيقول: فرحوا بتراجعنا وصارت عادة: وهناك من سيقول: لكن الآخر كلما تراجعنا يكرّرها، ولكلّ هؤلاء أقول إذن أسأتم اختيار الشريك أو الزقاق أو فقدتم قيمة الإحساس بالفرح وضياع العمر، فلستم من أتحدث عنه بل عمّن لا زال يحدوهم الأمل بتنفس لحظات العمر بفرح، والمعادلة هنا أن نقول ما نريد ونفعل ما يطلبه الآخر، ونعلّمه أن يقول ما يريد ويفعل ما نطلب فسنصيب ونخطئ ويصيب ويخطئ، لكننا سنكتشف سهولة البسمة، وإن فشلنا فلنتوافق على شارع فسيح يتّسع لكلانا بلا معاكسة السير.
مفردات نستخدمها
القيمة الاستراتيجية للجيوش والقوى المسلحة عامل تقاس به النتائج الناتجة من أيّ حرب، وتحديداً للنصر والهزيمة بعدما لم يعد في حروب اليوم التعبيرات التقليدية عن النصر والهزيمة في حروب القرون الوسطى، وهي دخول المنتصر عاصمة المهزوم وإعلان استسلامه وفرض الشروط والجزية والنفي عليه أو تدمير القوة العسكرية للخصم كلياً في منطقة وسيطة والاكتفاء بذلك كنتيجة نهائية للحرب.
القيمة الاستراتيجية للجيوش تختلف عن تعريف القوة الصافية للجيوش التي تتكوّن من قراءة مقدراتها عديداً وسلاحاً ومالاً وحالة معنوية، فالجيوش تتحدّد قيمتها الاستراتيجية بمقدار ما تمنح صانع القرار السياسي القدرة على اتخاذ قرار حرب بحيث تصير القيمة الاستراتيجية لجيش هائل المقدرات صفراً إذا كانت نسبة القدرة على اتخاذ قرار بالحرب هي صفر، كحال الجيش السعودي وأغلب جيوش الخليج، بينما تصير قوة المقاومة في لبنان ذات قيمة استراتيجية عالية بمقدار ما تمنح قيادتها القدرة على اتخاذ قرار حرب كالتي تخوضها في سورية، أو التي خاضتها مراراً في وجه «إسرائيل» على رغم تفاوت القدرات قياساً ومقارنة.
في أيّ حرب صار النصر على ضفة من يخرج منها بقيمة استراتيجية أعلى لجيوشه، أي بالقدرة على الخوض في حرب جديدة، فالجيش الأميركي في أفغانستان عام 2001 خرج منتصراً لأنّ نتيجة الغزو منحته قدرة أعلى على خوض حروب جديدة. وكانت الحرب على العراق، بينما هو في حرب العراق مهزوم لأنّ نتيجة الحرب قيّدت القيادة السايسية على الدخول في حروب جديدة، والمقاومة في حرب تموز منتصرة لأنها خرجت بقدرة على خوض حرب جديدة، و«إسرائيل» مهزومة لأنها خرجت بمزيد من القيود على خوض الحرب من جديد.
حدث في مثل هذا اليوم
مقالتي اليومية كتب ناصر قنديل في 22-5-2013
هل تعرفون؟
هذا الصباح من دمشق كنت أقول في سرّي، وأحياناً من دون انتباه يرتفع صوتي ويسمعه الشباب معي من غرفة ثانية، وأنا أهتف «الله أكبر».
إنّ دولة عربية يقاتلها العالم كلّه لا زالت تقاتل بعد سنتين وتحقق الانتصارات؟
إنّ رئيساً عربياً يختار طريق فلسطين لا زال ثابتاً راسخاً بتحقيق النصر؟
إنّ جيشاً عربياً بعد ثلاثين شهراً من القتال على مساحة بلده كلها، وسقوط آلاف الشهداء، ويفتح أخطر جبهتين شمالاً وجنوباً في نفس الوقت ويخبّئ المفاجآت.
عشرة قتلى «إسرائيليين» يسقطون بنيران سورية على جبهة الجولان في يوم واحد ولا تجرؤ «إسرائيل» على شنّ حرب، وهي التي شنت كلّ حروبها الكبرى لأقلّ من هذا بكثير.
«الله أكبر» أنّ العالم يهتز لتحرير القصَيْر التي وصفتها «تايم» بـ 70 في المئة من حرب سورية، وأن من يسمّون أنفسهم «ثوّاراً» فجّروا كلّ جبهات القتال عندما سقط لـ«إسرائيل» من جنودها القتلى.
«الله أكبر» لو تعرفون معنى المعجزة الكبرى التي تسجلها سورية بعزّ وكرامة في زمن الخنوع والتكالب العربيين؟
لا مكان للكلام في زمن الفعل.
ذكر إن تنفع الذكرى
المقال الوارد هنا هو النص الذي كتبته في 20-4-2011 بعد أيام على أحداث درعا التي دشّنت الأزمة والحرب في سورية، وأضعه بين أيديكم لأمرين… الأول يتمثل بالانتباه، ومن على صفحات جريدة «تشرين» الحكومية، إلى وجود شكوى ومظالم وتطلّعات مشروعة شكّلت أساس اندلاع شرارة الأزمة من جهة، والانتباه إلى حجم المدبّر لسورية ومكانتها ومحاولات النيل منها من مجموعة القوى التي شكّلت حلف الحرب عليها من جهة ثانية.
إشعال الحرائق لتوازن الخسائر
لا يستقيم نقاش مشاهد التحرّكات الاحتجاجية التي تشهدها المنطقة وفقاً لمعيار واحد، كما لا يستقيم النقاش بتسطيح القضية وحصرها في أحقية المطالب التي ترفعها الاحتجاجات أو عدم أحقيتها، كما لا يستقيم النقاش بوضع كلّ الأوضاع العربية على مشرحة نمطية واحدة، والإصرار على أنّ واقع البلاد العربية متشابه في كلّ شيء، أو دفع المقارنات على قاعدة أبيض وأسود والمبالغة في المفارقات إلى حدّ جمع كلّ نقاط الضعف في ضفة وكل نقاط القوة في ضفة أخرى.
في المنطقة عاملان مشتركان، الأول حالة فوران ناجمة عن التفاعل العفوي والبريء والشبابي مع نماذج الثورات التي قدمتها تونس ومصر، والآخذة بالبرود في ضوء النموذج الآتي من ليبيا واليمن والبحرين حيث خطر الحرب الأهلية والتدخل الأجنبي، والثاني شكاوى متفرّقة من واقع سياسي واقتصادي واجتماعي يتطلب إصلاحاً، وفي بعض الأحيان تغييراً. حالتا الفوران والشكوى عندما تجتمعان تشكلان نواة لسيولة شعبية متحركة غير قابلة للضبط والسيطرة، ويرتب التعامل معها الكثير من التعقيدات، ويشكل تركزها في بيئة ذات تطلعات سياسية فرصة لتحوّلها إلى حدث سياسي لتخرج عن كونها تعبيراً شعبياً مجرّداً.
في تونس ومصر كانت حالة الفوران والشكوى عامة ولم تتزاوج مع البيئات السياسية ذات المصالح والبرامج، بما فيها القوى العريقة في تاريخ البلدين السياسي، إذ تنفست القوى السياسية المعنية من نتاج الحراك الشعبي من دون أن تتمكن من قيادته، على رغم تجذرها وتاريخها الطويل وامتدادها الاجتماعي والوطني.
في نماذج ليبيا والبحرين واليمن، نحن أمام مثال نطاق كاسح للفوران والشكوى، لكنه ليس شاملاً على الطريقة المصرية والتونسية، وأمام حضور فاعل ونشيط للسياسي وتمركزه في قلب التحركات بنسبة أعلى بكثير من تونس ومصر، ولكن ليس إلى حدّ الإمساك الكامل بالساحات التي فيها الكثير من الشعبي المجرّد.
ثمة إصرار على وضع سورية في دائرة الساحات المأزومة بالتحركات والاحتجاجات وإدراجها على لائحة البلاد المتفجرة في مناخ الحرائق المتنقلة والمتدحرجة، والتدقيق المنهجي يكشف ببساطة، أنّ ما تشهده سورية يذهب عكس الاتجاه الذي عرفناه في مصر وتونس، ويفسّر المسار المتعثر لنماذج ليبيا والبحرين واليمن، فما تشهده سورية يضمر فيه الشعبي المجرّد في دوائر ضيقة من الفوران والشكوى، ويتصاعد فيه السياسي إلى السطح فوراً ليبدو صافياً لا يحتاج إلى بحث وتدقيق.
فنحن أمام قاعدة ذهبية لفهم التحركات التي نشهدها عربياً، كلما اتّسع الشعبي إلى حدّ إغراق أغلب شرائح المجتمع بصورة تصل حدّ الإغلاق من جهة، ونجح في الطغيان على السياسي من جهة أخرى، فصار السياسي لاحقاً وتابعاً للشعبي، كان النقاء وكان المسار السلمي واضحاً وسلساً، وهذه حال تونس ومصر، وكلما كان الشعبي أقلّ من قدرة الإغلاق الاجتماعي من جهة، وأقلّ من قدرة إلحاق السياسي بمساره من جهة أخرى، بدأ السياسي بالصعود إلى السطح وتظهير انقسام شعبي حول الحراك، ورسم تساؤلات حول الأبعاد والمصالح والتداخلات الدولية والإقليمية، وتعقد المسار وصولاً إلى رسم ملامح حرب أهلية وتدخل أجنبي، وهذه هي الحال في ليبيا واليمن والبحرين، أما عندما يكون الفوران والشكوى متركّزَيْن في بيئة ضيقة، ويظهر السياسي محرّكاً وسابقاً ومهيمناً، نكون أمام رسالة خارجية واضحة المغزى، تستند إلى فوران مفهوم وشكوى مبرّرة في كثير من الحالات، لكنها موظفة بعناية في خدمة أجندة لها صلة بالتوازنات الكبرى في اللعبة الإقليمية والدولية، وهذه هي حال ما نشهده في سورية هذه الأيام.
الفوران حالة عدوى عامة في المنطقة من جرّاء التفاعل مع ثورات نجح خلالها الشباب في رسم صورة مثال يصوغون خلاله مصير بلادهم بأيديهم، وتفاعل الشباب السوري مع هذا الفوران مفهوم، كتطلّع أيّ شباب إلى المزيد من التأثير في الشأن العام لبلادهم، والشكوى حالة اعتراض على معاناة أو حرمان أو فساد أو حالة تطلع إلى عدالة وتطوّر وإصلاح، وهو أمر طبيعي الوجود في كلّ المجتمعات الحية، لكن عندما يجتمع الفوران مع الشكوى، وهو أمر طبيعي في المشهد العربي الراهن أن يطول أي مجتمع طبيعي، تنشأ حالة السيولة الشعبية التي تستدعي التنبّه العالي في التعامل معها، لا سيما في ظلّ وجود السياسي المتحفّز لتوظيفها ودفعها إلى مسارات مرسومة بعيداً عن البراءة والنبل اللذين يشكلان خلفية بيئة الفوران والشكوى، السياسي هنا خبيث ومتورّط في مشروعات خارجية وبريد رسائل تمثل جهات وقفت وتقف وراء خراب البلاد العربية ونهبها وإخضاعها لحساب «إسرائيل» لأكثر من نصف قرن. وهذا السياسي مكشوف النيّات لأنه في محطات الخطر التي عاشتها سورية في معركتها الشرسة دفاعاً عن الاستقلال والسيادة. كان السياسي نفسه جزءاً من أدوات حرب الإخضاع التي استهدفت سورية، ويُراد منه اليوم أن يقدم صورة سورية كواحدة من ساحات الحرائق المتنقلة، لتحقيق توازن الخسائر أمام ما يصيب الأنظمة التي رهنت مستقبل بلادها وشعوبها للغرب وخضعت للإملاءات «الإسرائيلية»، لأنّ المطلوب أولاً أن يعوّض الغرب و«إسرائيل» خسائرهما بخسائر موازية تصيب العرين الذي احتضن المقاومات العربية ورعاها حتى تحققت الانتصارات التاريخية الكبرى، فيحلّ توازن الخسائر بديلاً عن الفشل في الحؤول دونها، وثانياً تثبيت مقولة أن لا علاقة بين ما شهدته وتشهده البلاد العربية ومواقف حكوماتها من المشروعات الأميركية و«الإسرائيلية»، لتجريد الشعوب العربية من وطنيتها وقوميتها كهوية حاضرة وحاضنة في كلّ تحركاتها. والسياسي الحاضر بوضوح ساطع في ما يُراد لسورية أن تشهده موظف صغير في خدمة هذين الهدفين.
التعامل الليّن واليقظ والعقلاني مع الفوران البريء والعفوي، كما الإنصات والاستماع للشكوى النابعة من تطلع نحو العدالة والتطوّر والإصلاح، أو المتظلمة من معاناة وحرمان أو فساد، يشكلان نصف المهمة في مواجهة ما ينفق الغرب الملايين وينشئ له غرف العمليات في عواصم عربية وعالمية لتكون سورية مسرحاً له، لكن فضح السياسي الخبيث والموظف عند الأجنبي مهمة سيتكفل بها الشعب السوري، ولا يجوز التلكؤ في مواجهة استحقاقها تحت أيّ مجاملة أو مسايرة.
أحبّهم إلى قلبي
في وداع جوزف حرب كانت دمعتي من حبر على ورق أحبّ أن أستعيدها معكم.
جوزف حرب كمشة من تراب الجنوب
من كلّ دمعة في عين حبيب
لجوزف حرب كان نصيب
ولكل بسمة في قلب الجنوب
كان جوزف نبض القلوب
جوزف وحرب وسلام
رخص الذهب وضاع الحمام
وتاهت العروس وضاعت الأسوارة وتعقدت الدروب
وما بيبقى غيرك يا تراب الجنوب
بتولع حروب وبتنطفي حروب
وبتضلّك حبيبي يا تراب الجنوب
حبيبي أنت أيها الراحل مبكراً من صفك
أيها السرّ في انطفاء الكلمات على ملمس كفك
كما تلامس الشهب سطح الماء بغزل رفيع
تضيء ومضاً ثمّ تضيع
يقولون قد استغرق وميضها آلاف السنين وما أحسسْنا بالزمن
يا رفيقنا في الآلام وتعويذة تحمي الوطن
كما تلوناك في الأحلام واستعنّا بك على المحن
أيها النابض بالحبّ والحرب والمشتعل كشمع كنيسة قديمة
كم يستعبد خيالك تواضع اللغة فتخرج بين شفتيك الكلمات العظيمة
عطر رائحة المحراب وتشبّع أيدي الفلاحين بمرارة طعم التبغ
كان الحب عندك مواسم الفرح والعتاب والدمع وجفاف أوراق الخريف من الزند إلى النسغ
كأنّ الحب عندك في كتاب والوطن دم يجري بدلاً من الشريان في طرقات القرى
يتجمّع الحب والوطن في ساحة العين حيث تلبس العاشقات أثواباً لا تُرى
ويتزيّن العشاق فرساناً من ورق ويركبون أحصنة الريح يحاربون الورى
ومن المشغول من شرايين نبضنا وقلق ليالينا إن لم يكن مغزل الشعر بين إبهامك والسبابة
وكيف نكتب عن تاريخنا وأبجدية المقاومين إمساك زناد وأنت لا تمسك عن الكتابة
تمسك بيد مقاوم وراء صخرة
ومقاوم في حفرة
وكلماتك مسكوب العطر في الكتابة
والعبوة تصيب دبابة
لشعرك وفيروز كانت ليالينا المفتوحة على شاشة الفضاء كفراشات تحوم
صوت ملاك الحب والحرب في عتم البراري وضوء النجوم
لم يكن تلوّث الفضائيات قد صار تخمة تحتل التخوم
كانت السماء شاشة المشاهدة الوحيدة في ليالي المقاومين
وكان ترحالهم على حداء فيروز بعيونك حنين وبسكوتك حنين
وينفجر الجمع وتضمحل أمام اللحظة الحاسمة النفوس
فتصرخ الآهات لآهاتها أسوارة العروس
من قال مشغولة بالذهب
ومن قال سيوفهم قصب
ومن قال مش وقت العتب
نعتب عليك لرحيل بلا استئذان
و قد صرت ترتيل حبّنا وحربنا وصرت صوت الآذان
جمعت ما لم يجمع بيننا
كنت الكلمة لفيروز
وكنت الكلمة في تموز
لله درّك كم أحببت
وكم كتبت وكم انتحبت
ما كان العهد منك أن تخدعنا بجميل المحيّا
لقد عهدناك أنك تغالب الموت فيموت وتبقى أنت حيّا
وها هي تشتاقك الدروب
بتولع حروب وبتنطفي حروب
وبتضلّك حبيبي يا تراب الجنوب
من سينسى الحرب وجوزف حرب من ينسى الجنوب
ما انتبهنا أنك لما قلت مشغول بقلوب يا تراب الجنوب
كنت قد وضعت قلبك في كمشة تراب منه وهي تشتاق والشوق ضنين
بعيونك جنين وبِسكوتك حنين
تراب الجنوب مشغول بقلوب
وقلبك مشغول بتراب الجنوب
ولن تسكت يا نبض العاشقين
لن تسكت يا زغرودة رشاش بيد المقاومين
لن تسكت يا شاعر الحرب في تشرين
ولن تسكت بعدما لم تجد إلا الشام بين العرب تتحمّلك
لن تسكت فقد خسئت ملوك العروش وأنت للشعر الملك
لن تسكت ما أنبلك وما أجملك
ووسام الأسد آخر ما جمّلك
قالت له
قالت: كيف تعرف علاقة الحبّ بالزمان والمكان؟ فقال: الحبّ ليس فيه مكان للعقل والذكاء فهو كمية شغف وفقدان سيطرة وهذا يكفي للسقوط الشاقولي نحو الالتصاق، أي زوال المكان الفاصل والزمان الفاصل والالتصاق قاتل، لأنّ زوال المسافات، أي المكان بين الأجساد في أقصر زمن وتساكن الأرواح لأطول زمن في المكان ينهيان القلق والخيال ليحلّ الاطمئنان والمحسوس مكانهما وهي السعادة في ظننا فنسأل ماذا بعد؟ فيصير الحبّ دفاعاً لا هجوماً، والدفاع بداية الانهزام لأنّ الأجمل قد مضى وصار الحفاظ عليه أو استعادة بعضه هدفاً وكلّ هجوم يحتاج هدفاً ليتحقق يجب لأجله قطع مسافة في المكان وعبور مساحة من الزمان والهجوم قلق وخيال. فسألت: وكيف يعيش الحبّ؟ فقال: بذكاء ليس منه في لحظة سقوط الزمان والمكان بالابتعاد منعاً للوصال وبحثاً عنه من جديد. فقالت: العذاب يصير هدفاً ام نهاية العذاب هي الهدف؟ فقال: ليس من هدف في حال الخوف الا الشعور بالأمان، ولا شعور بقيمة الأمان بلا استمرار الخوف من الخوف. فقالت: أتتركني أغفو على صدرك؟ فقال: لكن كيف أنام أنا على صدرك أيضاً؟ فعلى الحبيب أن يتعلم كيف يسعد لسعادة الحبيب، وعلى الحبيب أن يتعلم متى يتوقف عن السؤال ماذا تفعل لأجل سعادتي وفرحي؟ بل ماذا عليّ أن أفعل لأفرح برؤية الفرح في عينيك؟ وبدلاً من: ماذا أريد منك، ماذا عساك تريد مني ويفرحني إبهارك أن أراك تتفاجأ وتندهش من كوني أدركته وفعلته، وهذا كله لا يستقيم متى استهلك المكان الفاصل وسقط الزمان الفاصل، فالأفعال التي تضيع بين كونها عطاء بسخاء صناعة الفرح في العينين والابتسامة أو كونها واجبات مستحقة لصناعة السكينة والأمان تفقد قيمتها في الحب فالحب حسن إدارة العلاقة بالمكان والزمان.