تقرير

كتب إيتان هابر في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية:

القول الأكثر كرهاً الذي يمكن أن نتصوّره في هذه اللحظة، هو أيضاً الممجوج الأكثر تآكلاً، ولكنه الأصحّ في الحالة التي أمامنا. أحياناً، يكون المصاب بجنون الاضطهاد محقّاً أيضاً، فهو مضطهد حقّاً.

السؤال في هذه اللحظة ليس إذا كانت «دولة إسرائيل» مضطهدة عن حق أو عن غير حق ـ الحقيقة أنهم يضطهدونها. فتقرير لجنة التحقيق في الأمم المتحدة لفحص أحداث حملة «الجرف الصامد»، مجرّد عرض واحد من أعراض مرض اضطهاد شديد، لا من الأعراض الأشدّ. فقد اجتزنا فرعون، وسنجتاز أيضاً هذا التقرير.

صحيح أن أرشيف وزارة الدفاع يفيض على ضفتيه، ولكن لا يزال هناك مكان في جواريره لتقرير آخر كهذا. ومع ذلك، يخطئ من يقول «حمداً لله إن تخلّصنا»، فيتجاهل ما كتب، وأساساً، الأجواء العالمية حولنا: العالم تغير. نحن أيضاً، ولكننا لا نزال لا نفهم جيداً ما يحصل هنا.

هذا التقرير، مثل تقارير كثيرة سابقة ومماثلة، كتبها أناس لم يسبق لهم أن كانوا في ميدان المعركة. وهو من شبه المؤكد كتب في غرفة مكيفة، تحت إنارة مريحة وسليمة، لا تشبه على الاطلاق الجوّ السائد في ذروة الاشتباك الناري. لا خوف فيها، لا مفاجأة، لا خصم مريراً وشديداً مضاداً، لا مدنيين أبرياء يشغّلون عبوات ناسفة كبيرة متتابعة قرب النافذة. كيف نعرف ذلك قبل أن يرى التقرير النور؟ هكذا هي تقريباً كل التقارير. حكمة في نظرة إلى الوراء تشدّد النقد. روح الـ«لو» و«إذا» تلعب دور النجم على مدى الصفحات.

ومع ذلك، على رغم النقد على النقد، يتبيّن أنّ العالم يحلم الآن بحروب نقية. خبراء القانون والقضاء الدولي يريدون حرباً مثل تلك في «لونا بارك». من دون نار، من دون دخان، من دون خوف، مع الكثير من الحذر. صيدلية حقاً.

للخبراء الدوليين على ما يبدو شكاوى على جنود الجيش «الاسرائيلي» وقادته: في الطريق من هنا إلى هناك، من الجانب إلى الجانب الآخر، قُتل مدنيون، والاسوأ من ذلك، قُتل أطفال كثيرون. القلب يتفطر على كل «غير مشارك» ـ تعريف آخر يجب أن يختفي من العالم ـ حملات وحروب كانت ولا بدّ ستكون، ولكن يجب أن نتذكر أنّ غزة ليست الصحارى الفارغة لشبه جزيرة سيناء. الغزّيون يحققون أرقاماً قياسية في الولادة عالمياً، شوارعهم مليئة بالأطفال، وبعضهم دخل منذ الآن إلى أساطيرهم البطولية، مثل أطفال الـ«آر بي جي» في حرب لبنان الاولى.

هذا لا يعني أنّ ثمّة مبرّر لقتل المدنيين والأطفال. يجب عمل كل شيء، ولكن كل شيء، من أجل الامتناع عن إطلاق النار على الأبرياء. ولا يزال، كان بودّي أن أكون مع كُتّاب التقارير على أنواعهم في اللحظة التي تطلق عليهم نار دقيقة ـ ماذا كانوا سيفعلون كي ينقذوا حياتهم؟ الجواب أنّهم كانوا سيطلقون النار كالمجانين. نعم، حتى على المدنيين والاطفال. الأميركيون مثلاً، أخذوا حيوات خمسة آلاف وهناك من يقول: 15 ألفاً في بنما كي يصلوا إلى الحاكم تاجر المخدّرات الجنرال نورييغا. كلّهم، بالمناسبة، مدنيون أبرياء، والكثيرون منهم أطفال.

ماذا يعني هذا؟ أن الحروب ستكون دوماً الحروب ذاتها، للحياة وللموت. وفي الحروب التالية أيضاً ستؤخذ حيوات أبرياء. يجب عمل كل شيء يمكن عمله للامتناع عن المسّ بالمدنيين. ولكن إذا كان الخيار نحن أم هم في الحرب ـ سيكونون هم من سيعلّقون في ميدان المعركة. هذا صعب. لا بل أنه يبعث على القشعريرة. ولكن، هذه هي الحقيقة.

الاستنتاج لدى المستويات السياسية والعسكرية العليا يجب أن يكون مختلفاً تماماً: عمل كل شيء من أجل الامتناع عن الحرب، وإذا لم يكن هناك مفر، وكان يجب الخروج اليها، فتخطيطها بحيث أن سبل الاندلاع وسبل القتال تكون بشكل تمنع فيه معارك زائدة. كيف يمكن عمل ذلك؟

في هذه الاثناء، سنبقى مصابين بجنون الاضطهاد ونؤمن بكراهية «إسرائيل ـ بالفعل يكرهوننا»، وينبغي عمل كل شيء كي لا نعطي أسباباً لذلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى