الوضع الأمني في لبنان جيد… والسؤال كيف؟

روزانا رمّال

بين خط أحمر وتهديد ووعيد ومعارك كلامية وسجالات لا تنتهي بين مشاريع تحققت ومشاريع قيد التحقق، ينتظر لبنان ما ستحمله الأيام المقبلة من أحداث أمنية قد تؤثر على مجمل الواقع السياسي ومجمل التعقيدات السياسية والحكومية أهمها ملف التعيينات وما أرخاه من أجواء اصطدام تحكم الشارع اللبناني بأبرز تياراته السياسية فلا تنازلات، ولا تسويات حتى، تلوح في الأفق.

المعارك الوحيدة الدائرة في الواقع والتي لا تتأثر بكلّ هذه التباينات هي المعارك التي يخوضها حزب الله في وجه الإرهاب القابع على حدود البلاد و الذي يهدّد أمنه يومياً، وتتوالى التقارير الأمنية والاستخباراتية التي تتحدث عن سيناريوات دخول الإرهابيين من الحدود في عرسال إلى عرسال البلدة، فباقي قرى وبلدات الجوار.

أمن لبنان الذي تعرض إلى أضخم اهتزاز أمني شهده بعد الحرب الأهلية اللبنانية جاء عام 2005 بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري والذي لم يكن حدثاً عادياً على الإطلاق، فتبعته سلسلة اغتيالات وضعت ضمن إطار انتفاضة أو ثورة اجتاحت لبنان من أجل التغيير مهما كان هذا التغيير.

لم تسلم دول الربيع العربي من فتح أبواب ونوافذ للإرهاب استطاعت خرق الدول وفتح نزف يحتاج وقتاً طويلاً للقضاء عليه من بينها مصر وسورية و ليبيا واليمن. سورية التي تأثرت بشكل كلي بهذا الإرهاب حجراً وبشراً ومؤسسات، هي الدولة الأقرب إلى لبنان وهي الشقيقة الوحيدة الباقية، ولو كره الكارهون الذين ينتظرون التغيير المقبل عليها جراء الإرهاب الذي فتك بها واستطاع في رأيهم إظهار أنّ الحكم الحالي أوصل البلاد إلى هذا الوضع الصعب بسبب تمسك الرئيس الأسد بكرسي الرئاسة.

تكررت المحاولات نفسها لتعتبر أنّ حزب الله هو أحد أهم أسباب الإرهاب في البلاد بسبب تدخله في سورية، فاستانفت موجة الاغتيالات واجتاحت السيارات المفخخة لمدة سنتين على الأقل الاراضي اللبنانية في شكل متفرق، إلا أنه وبجهد مشهود له استطاعت استخبارات الجيش اللبناني أن تلقي القبض على أخطر المجموعات الإرهابية التي اعترفت تدريجياً بأنّ الخلايا الباقية النائمة في البلاد التي لا يمكن وضعها اليوم إلا في إطار الجمود أو التأجيل ليوم ما قد يكون قادماً ربما من باب وضعه احتمالاً موجوداً ربطاً بالنزاع السوري بأقلّ تقدير.

لحسن حظ اللبنانيين توقفت التفجيرات وباتت السيارات المفخخة تقع بين أيدي الأجهزة الأمنية بسلاسة وسهولة نتيجة عمل جدي وتعاون واضح بين كلّ الأجهزة الامنية والتشديد الأمني على الحدود اللبنانية وفي المطار وغيرها من المنافذ، عدا عن حواجز المناطق الفرعية. كلّ هذا وضع في إطار الواجب الأمني الطبيعي، لكنّ ما حدث منذ أشهر رسم أسئلة عديدة، وخصوصاً أنه لم يكن حادثاً عادياً على الرغم من أن اللبنانيين تناسوا بعض الشيء ما جرى وهو أنّ الإرهاب الموجود اليوم في جرود عرسال كان قد دخل عرسال البلدة دخول الفاتحين وعلناً أمام عدسات الكاميرات، وكان قد اختطف عدداً من العسكريين اللبنانيين الذين لا يزالون حتى اليوم بين أيدي الإرهابين.

جاء دخول الإرهاب إلى عرسال مباغتاً وتقريباً على الطريقة «الداعشية» في دخول الموصل وتكريت حتى ظنّ اللبنانيون حينها أنّ الزحف قادم إلى المناطق كافة بالتتالي لكنّ الذي حصل أثبت أنّ وراء هذه المجموعات قوة سياسية نافذة وكبيرة لا تريد تدهور الوضع في لبنان لأسباب غير معروفة حتى الساعة.

انسحب الإرهابيون حينها من البلدة أو اختفوا منها وتراجعوا حتى الجرود ولبثوا هناك طيلة أيام الشتاء القارس. لم يحرك أحد ساكناً سوى في هذه الأيام التي قرر حزب الله وحده المواجهة فيها كقرار استراتيجي لا يمكن التراجع عنه .

الوضع الأمني في لبنان اليوم هو جيد جداً، بغضّ النظر عما يجري في جرود عرسال وفي القلمون تحديداً التي ينتصر فيها حزب الله في شكل صارخ والتي كان من المفترض أن تكون أولى العوامل التي ستكون سبباً في إعادة التفجيرات وتعزيز احتمالات الاحتقان المذهبي فيه، وخصوصاً بين القرى المتداخلة ليبقى السؤال: من الذي لا يريد للبنان التدهور الأمني، وماذا يمثل لبنان بالنسبة إلى هذه القوى التي تستطيع في وقت قياسي لملمة «داعش» و»النصرة» وردهما إذا أرادت، تماماً كما سحبتهم «بليلة ما فيها ضو قمر» من البلدة أو من أمام الأعين أقله؟

يقول وزير داخلية سابق لـ»البناء» أنّ لبنان «يمثل بالنسبة إلى الدول الغربية، عدا عن دوره الهام أمنياً وموقعه على البحر المتوسط و الخوف من زحف الإرهاب من خلاله إلى أوروبا موقعاً أساسياً في عمليات إعادة إعمار المنطقة المقبلة»، لافتاً إلى «أنّ لبنان سيكون القاعدة الأساس لهبوط طائرات رجال الأعمال الأجانب وفندقهم الذي سينتقلون منه إلى سورية لإعادة إعمار ما تهدم وأنّ هذا كله يتحضر لما بعد الاتفاق السياسي المقبل». ويضيف: «إنّ مسالة المرفأ والحوض الرابع في لبنان والخلاف الذي جرى حوله يتعلق بعملية الإعمار المقبلة في سورية وربما العراق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى