المشروع «الإسرائيلي»: حالة كيانية في غزة… وتقاسم مدني وظيفي في الضفة
راسم عبيدات
يبدو أنّ المشروع الوطني الآن يقف على مفترق طرق، فالوضع على درجة كبيرة جداً من الخطورة، فهذا المشروع معرض لخطر التصفية والتفكك والإندثار، ليس فقط بفعل سياسات وممارسات طرفي الانقسام، المعمقة والمكرسة له، بل أن تلك السياسات والممارسات والتصرفات والسلوكيات، والتطورات المحيطة بالواقع الفلسطيني، عربياً وإقليمياً ودولياً، والتي يتابعها ويدرس اتجاهاتها وتأثيراتها وأبعادها الاحتلال على كيانه ووجوده ومصالحه وقضيتنا بعمق وإسهاب، دفعت بالاحتلال لكي يخطو خطوات كبيرة على طريق تطبيق مشروع نتنياهو «شرعنة وتكريس للإحتلال مقابل تحسين شروط وظروف حياة السكان الفلسطينيين تحت الإحتلال».
الاحتلال أوصل رسالة للسلطة الفلسطينية عبر وزير الشؤون المدنية للسلطة حسين الشيخ بأنه عليها الكف عن التحركات الدولية من أجل عزل «إسرائيل» ومقاطعتها دولياً، فهي لن تنجح في هذا المسعى، و«إسرائيل» قادرة على إعادة احتلال الضفة الغربية في شكل مباشر خلال ساعات وادارتها في شكل أفضل من السلطة، رسالة تهديد ذات مغزى وأبعاد سياسية وامنية للسلطة، والسلطة سكتت على ذلك ولم تقم بالتعليق لا تصريحاً ولا تلميحاً… وكذلك هي حال الفصائل والقوى الفلسطينية الأخرى بما فيها حماس… وعقب رسالة التهديد تلك وعلى أعتاب شهر رمضان الفضيل، أعلنت «إسرائيل» عن حملة وسلسلة تسهيلات غير مسبوقة لسكان الضفة الغربية وحتى قطاع غزة، غلّفتها بأنها تسهيلات بشأن شهر رمضان الفضيل، تسمح لهم بموجبها الدخول إلى القدس والداخل الفلسطيني ـ 48، وحتى السماح بالسفر للمواطنين الفلسطينيين عبر مطار اللد، و«إسرائيل» بدأت تلك التسهيلات في إطار ما تخطط له سياسياً قبل شهر رمضان الفضيل، حيث سمحت قبل فترة ليست بالطويلة لقطاعات محددة مثل الأطباء من الدخول للقدس والداخل الفلسطيني ـ 48 بسياراتهم الفلسطينية الخاصة، على ان يجري توسيع التجربة وشمولها لقطاعات اخرى مثل التجار ورجال الأعمال.
هذه التسهيلات جرى الإعلان عنها من قبل ما يسمى بمسؤول المناطق المحتلة من دون تشاور مع السلطة الفلسطينية، فيما يؤشر الى ان هناك توجهاً «اسرائيلياً» لإعادة صوغ دور السلطة ووظيفتها في أقل من إدارة مدنية، والتسهيلات وان كانت تحمل في ثناياها أهدافاً اقتصادية، من حيث أن تلك الحشود البشرية المتدفقة على القدس والداخل الفلسطيني ـ 48 ـ هي قوة شرائية كبيرة، يستفاد منها في إنقاذ ونمو العديد من القطاعات والصناعات «الإسرائيلية» وبخاصة الصناعات الغذائية وقطاع الملابس والخدمات وتنشيط كل ما هو مرتبط بها من عمالة ومؤسسات.
ولكن البعد أو الهدف ليس فقط اقتصادياً واعادة رسم وصوغ دور ووظيفة السلطة، بل هو سياسي بامتياز، يقول للسلطة الفلسطينية إما القبول بالمشروع «الإسرائيلي» للحل، «مشروع نتنياهو» إحتلال في مقابل تحسين شروط وظروف اقتصادية ودويلة موقته في قطاع غزة، وإما احزموا أمتعتكم وأرحلوا فلم يعد لكم دور ووظيفة.
وفي المقابل وعلى قاعدة ما في حدا احسن من حدا ، بات في شبه المؤكد بأن الوساطات الدولية والإقليمية والعربية نجحت في ان تجعل الاتفاق بين «اسرائيل» و«حماس» قريب جداً، حيث ان مسودة اتفاق الهدنة طويلة الأمد والتي أعدها نيكولاي ميلادنوف وزير الخارجية البلغاري السابق الذي زار القطاع قبل بضعة أيام واجتمع سراً الى قيادة حماس، أصبحت في حاجة الى مصادقة نهائية من قيادة حماس ومشغليها في الدوحة وأنقرة، حيث الدوحة وأنقرة جزء من صوغ بنود هذا الاتفاق والتنفيذ، حيث سيناط بهما تشغيل الميناء البحري بناء وتمويلاً، على ان تتولى قوة أطلسية وأميركية عملية الإشراف على تفتيش السفن الآتية اليه والخارجة منه، وفق آليات يجري الاتفاق عليها، وعضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق الذي وقع اتفاق التهدئة مع «إسرائيل» أثناء حربها العدوانية على القطاع في تموز عام 2014، حمل هذا المشروع الى قطر للتصديق عليه من قيادة حركة حماس هناك وبالذات مسؤول مكتبها السياسي خالد مشعل، وكذلك إطلاع قطر على تفاصيله، وعلى رغم أقوال العضو القيادي في حركة حماس صلاح البردويل بأن الحركة لا يمكن لها التوقيع على اتفاق مع «اسرائيل» بتهدئة طويلة تمتد من ثلاث الى خمس سنوات، من دون توافق وطني، ولكن هذه الأقوال تأتي في سياق وإطار «ذر الرماد في العيون»، فطرفا الإنقسام «كل يغني على ليلاه»، وخصوصاً اذا ما صحت التقارير بأن السلطة الفلسطينية رفضت أن تكون جزءاً من مفاوضات غير مباشرة بين حماس و«اسرائيل» في شأن قطاع غزة، ناهيك أن الفصائل الأخرى مغيبة عن الحركة السياسية، وليست في موقع لا الشريك ولا المقرر.
نحن أمام وضع كارثي حقيقي، فالمسألة لم تعد فقط الإنقسام، بل ما نشهده أن طرفي الإنقسام يتعاطان مع مشاريع الإحتلال كأمر واقع.
هناك من يبحث «حلولاً انسانية» لأزمة قطاع غزة، فقد تبرعت جهات دولية لتساعد في تمرير ذلك المشروع، واستلمت حماس «مسودة ما يخصها وتدرسها للقول الفصل»، فيما بدأت حكومة نتنياهو تنفيذ الشق الخاص بالضفة بلا «شريك»، ولكن بصمته، أو بعجزه، فيما تقف بقية «القوى والفصائل» متفرجة تشارك بالمهزلة عبر «سكوتها»!
الرهان على الجماهير الشعبية في أن تُسقط الإنقسام والمتشبثين به والقائمين عليه، وهي صاحبة القول الفصل، وكذلك هي من يعول عليها في رفض مشاريع الإحتلال المشبوهة لدفن وقبر وتصفية قضيتنا ومشروعنا الوطني، فما نريده انعتاق وحرية واستقلال وحقوق كاملة غير منقوصة.
Quds.45 gmail.com