مفاهيم الاستعمار الجديد

مروان فارس

تعود هذه السنة الذكرى السادسة والستون لاحتلال فلسطين من قبل العدو الصهيوني والعالم بأسره يعاد تكوينه على الأسس ذاتها التي قام عليها الكيان الصهيوني، باتجاه تحقيق الأهداف التي نشأ لأجلها. وجملة الأهداف هذه تقوم على الآتي:

1 ـ إقامة الدولة اليهودية فوق كامل الأراضي الفلسطينية، وبذلك يتم إنكار حق الشعب الفلسطيني بالإقامة فوق أرض أهله وأجداده، والمسألة ليست مسألة إعلان عن نوايا، إنما مسألة تهجير شعب بكامله بإنكار حقه في الوجود والإقامة فوق أرضه.

2 ـ إن المسؤولين الصهاينة منذ وايزمن حتى باراك وأرييل شارون وصولاً إلى أولمرت ونتنياهو يعتمدون سياسة واضحة المعالم في إقامة المستوطنات. إن موضوع المستوطنات هو تعبير في الجوهر عن تزوير لحركة التاريخ، وتزوير للحالة الجغرافية. فالاعتداء على فلسطين هو اعتداء على الجغرافيا، وفي الوقت ذاته اعتداء على التاريخ، ما يكشف عن حقيقة الشعب اليهودي الذي يريد إقامة الدولة اليهودية. والمسألة هذه ليست مسألة سياسية، بل مسألة في العقل والعلم. وهي بالتالي محاولة إنكار حركة الحضارة، فالمعركة بين الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي تقع داخل حركة الحضارة، وهذه الحركة ليست قومية فحسب، إنما هي حركة نضال في جوهر المسيرة الحضارية في العالم بأسره.

3 ـ المعطيات الفكرية هذه تتمثل بحالة جديدة في إنكار الحقيقة القومية للشعب الفلسطيني، وهذا الإنكار يطول العالم العربي رويداً رويداً، فتتوالى الاعترافات بالعدو الصهيوني من قبل الدول العربية، الواحدة بعد الأخرى، منذ توقيع اتفاقيات كمب ديفيد مع الجمهورية المصرية التي كان يترأسها أنور السادات، فإطاحة المنحى القومي للمسألة الفلسطينية تصبح إطاحة للمنحى العربي للناحية القومية، ما يبرز حجم المعركة على الساحة الفلسطينية، فثمة محاولة يهودية لإطاحة الوضعية التاريخية لمفهوم الأمة، سورية كانت أو عربية.

4 ـ على هذه السوية، تظهر معالم المعركة في مختلف النواحي الفكرية والحضارية بكونها معالم تهديم لحركة الحضارة العالمية في جميع معطياتها الروحية والثقافية، فهي تقوم في الجوهر على إنشاء مفاهيم جديدة للمعرفة والثقافة. وعلى هذا المستوى تتحوّل المعارك الاستعمارية إلى أخطر مما هو في الأمبريالية. فمفاهيم الربيع العربي التي نشأت حديثاً في بدايات القرن الحادي والعشرين هي مفاهيم جديدة للاستعمار الجديد، تتكئ على استعمال الأديان بعد استعمال الطوائف. فحركة الإسلام بحد ذاتها هي حركة حضارية تتحول إلى حركة استعمارية.

على هذه السوية، توضع حركة «الإخوان المسلمين» التي نشأت وتربت في الحضن الاستعماري البريطاني، ومن ثم الفرنسي والأميركي، لتصبح حالة في ما يسمى بـ»الربيع العربي» إن هذا الربيع هو ربيع استعماري يعتمد على المعطى الديني الإسسلامي الذي لا يتوافق مع الدين ومع الحضارة التي كان في جوهرها الدين المسيحي ثم الإسلامي.

5 ـ أخطر ما في الأمر هو الالتقاء الذي تمّ بين حركة الإسلام في «الربيع العربي» وحركة الإرهاب. وما يحصل الآن في الجمهورية العربية السورية من استعمال لفكرة الإسلام تعزيزاً لحركة الإرهاب، إنما هو خير دليل على تطور في حركة الإرهاب نحو تغيير في حركة الدين. الإرهاب الآن ليس إرهاباً للناس فحسب، إنما هو إرهاب للدين بحد ذاته. فما حصل في مصر العربية من استعمال لحركة «الإخوان المسلمين» لخدمة حركة الاستعمار إنما يشكل دلالة على تلاقي مفهوم الاستعمار مع مفهوم «الربيع العربي» الذي يعتمد الدين وسيلة لتحقيق الأغراض الاستعمارية. فبدلاً من أن يقوم الاستعمار بالحروب يستعمل الأديان لتقويم مقامه في معركته هو دون سواه. فكثرة من الناس المتعددة أن حركة «الإخوان المسلمين» في مصر واليمن العراق وليبيا وغيرها من البلدان العربية إنما هي حركة تريد أن تصل بالدين إلى السلطة. إلاّ أن المعركة لم تكن مع الدين، بل مع الذين يستعملون الدين لأغراض استعمارية. لذلك كانت المواجهة كبيرة بين الشعب المصري وحركة «الإخوان المسلمين» حتى لو أوصلت محمد مرسي إلى رأس السلطة فاستطاع الشعب المصري أن يطيح مرسي وبـ»الإخوان المسلمين» كحركة إرهابية. إن تلاقي الدين مع حركة الإرهاب هو تلاقٍ استعماري بحد ذاته.

6 ـ غير أن الشعوب في الأقطار العربية كافة تنهض رويداً رويداً من كبوتها. فهي لا تثور في مصر وغيرها على الأديان، إنما تثور على استعمال الدين في مسيرة الصراع لأجل بناء الديمقراطية الحقيقية التي دعت إليها الأديان السماوية، وبخاصة الإسلامية منها، بالاعتماد على حقوق الشعوب في الشورى. فالأمر بينهم شورى. هكذا هو الإسلام، فليس الإسلام إرهاباً إنما هو شورى وثورة حقيقية على الظلم الذي تطيحه الشعوب رويداً رويداً.

7 ـ في لبنان، ثمة ديمقراطية عجيبة غريبة يسمونها «ديمقراطية توافقية». هذه الديمقراطية تتهاوى الآن في خضم المواجهات بين طرف يريد التعبير عنها باعتماد رمز من رموز القتل ليصبح رئيساً لجمهورية القتل في لبنان ـ ولبنان جمهورية للمحبة والسلام. هكذا أريد له منذ نشأته وهكذا نريده أن يبقى. لبنان في هذه الأيام عاجز عن انتخاب رئيس لجمهوريته فلا تعود الجمهورية جمهورية. ولا يعود لبنان بلداً ديموقراطياً حين يذهب فريق من أبنائه ليأتي برئيس لا علاقة له بالحرية والعدالة والسلام.

كي يخرج لبنان من أزمته الراهنة لا بد له من إطاحة هذه «الديمقراطية التوافقية» ليدخل في معركة جديدة للأجيال المقبلة هي معركة إلغاء الطائفية باعتماد لبنان دائرة واحدة، مع الأخذ بمفهوم النسبية التي اعتمدها الحزب السوري القومي الاجتماعي لإنشاء لبنان الجديد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى