عباس: أولويتنا بناء المجتمع النهضوي المقاوم للاحتلال الصهيوني والمتصدّي للإرهاب والتطرف والفكر الظلامي الهدّام
غصت القاعة الرئيسية في قصر الأونيسكو وباحته الخارجية بالقوميين والمواطنين والطلبة والأشبال والزهرات الذين احتشدوا في يوم تكريم الراحل العميد الأمين صبحي ياغي، والذي دعا إليه الحزب السوري القومي الاجتماعي والمنظمات الشبابية والطلابية وعائلة الراحل.
وتقدّم الحضور إلى جانب عائلة العميد الراحل، رئيس الحزب النائب أسعد حردان، نائب رئيس الحزب توفيق مهنا، رئيس المكتب السياسي المركزي الوزير السابق علي قانصو، الرئيس السابق للحزب جبران عريجي، رئيس هيئة منح رتبة الأمانة كمال الجمل، وعدد كبير من العمُد وأعضاء المجلس الأعلى والمكتب السياسي والمسؤولين المركزيين والمنفذين العامين لعدد من المنفذيات وأعضاء هيئات منفذيات.
كما حضر الرئيس حسين الحسيني، وزير التربية والتعليم العالي الياس أبو صعب، النائبان مروان فارس وعباس هاشم، النائب الأسبق لرئيس المجلس النيابي ميشال معلولي، الرئيس سليم الحص ممثلاً بالدكتور حيان حيدر، الوزراء والنواب السابقون: د. بيار دكاش، د. عصام نعمان، ناجي البستاني، الياس حنا، جهاد الصمد، إميل إميل لحود، محمود طبو، مدير المخابرات في الجيش اللبناني ممثلاً برئيس مخابرات بيروت العقيد بهاء حلال، مدير عام الدفاع المدني اللواء ريمون خطار ممثلاً بالضابط جمال الحمصي، مدير عام المؤسسة العامة للإسكان روني لحود، السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور ممثلاً بالمستشار خالد عبادي، المستشار الثقافي في السفارة الإيرانية السيد حسين توسلي، منسق لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية الدكتور بسام الهاشم، رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، العميد المتقاعد علي جابر، النقيبة السابقة للمحامين أمل حداد، رئيسة مؤسسة نور مارلين حردان، رئيسة تجمع النهضة النسائية منى فارس، رئيس المنظمة العربية لحماية ومساندة الصحافيين وسجناء الرأي عمر زين، المدير العام السابق لوزارة العمل رتيب صليبا، مدير الموظفين في تلفزيون الجديد ابراهيم الحلبي، مستشار وزير التربية خليل صيقلي ومدير مكتب الوزير جريس جرداق، النقابيان علي محي الدين ومحمد السيد قاسم، وفد من رابطة التعليم الثانوي، وفاعليات وشخصيات اجتماعية وثقافية ونقابية.
كما حضر ممثلون عن مختلف الأحزاب والقوى ومسؤولو منظماتها الشبابية: حركة أمل، التيار الوطني الحر، حزب الاتحاد، حزب الله، التنظيم الشعبي الناصري، رابطة الشغيلة، الحزب العربي الديمقراطي، الحزب الشيوعي اللبناني، المؤتمر الشعبي اللبناني، الحزب الديمقراطي اللبناني، حزب الوعد، حركة الناصريين الديمقراطيين المرابطون ، حزب الأمة، حركة التوحيد، الجماعة الإسلامية.
وحضر مسؤول ساحة لبنان في للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة أبو عماد رامز، أمين سر حركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ «فتح» في بيروت العميد سمير أبو عفش، مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مروان عبد العال، مسؤول الصاعقة في لبنان أبو حسن غازي، مسؤول الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لبنان علي فيصل، ورئيس المجلس الإسلامي الفلسطيني في لبنان والشتات الشيخ د. محمد نمر زغموت.
استهلّ الحفل بنشيد الحزب والنشيد الوطني اللبناني ثم دقيقة صمت تحية لشهداء الحزب والأمة ولروح العميد الراحل، وعرّفت الحفل ميّا صادر.
ثم عرض فيديو يحكي مسيرة الراحل العميد صبحي ياغي وأبرز محطاتها.
كلمة العائلة
بعد ذلك ألقى شقيقه غالب ياغي كلمة العائلة وقال فيها: أقف اليوم أمامكم لألقي كلمة العائلة، واعذروني إنْ خانتني الكلمات، فالشخص الذي أودّ التكلم عنه هو أخي هو العميد والأمين صبحي ياغي،
أقف بينكم وفي القلب غصة تعتري الروح حتى تصل التراق يا لهذا الموت، يتخيّر الأفضل دائماً ويستعجل في اختطافه، يستلّ منا البسمة، لكن يا ربّ! لا اعتراض على حكمك، فالموت حق، لكن الفراق صعب، ففي خضمّ الأيام السارية، نفاجأ بأحداث تقلب المسار فجأة.
49 سنة قضيتها ومنذ السادسة عشرة من عمرك، في تحمّل المسؤوليات، ألأنك الأكبر بيننا نحن إخوتك أم لأنك الأجدر بالمسؤولية.
أفنيت نفسك لأهلك والعمل، ولم يكن لك بينهما مساحة خاصة حتى لتكوّن أسرة.
لكنك وهبتهم عمرك باكراً، كأنك كنت تحضّر نفسك وتهيّئنا لرحيلك المبكّر، كنت تضع الشهادة نصب عينيك ولطالما كنت تخبر أمي بذلك.
يا راحلاً مهلاً، من سيرأب هذا الصدع الذي سبّبته؟
أأعاتبك أم أرثيك؟ بأمي التي لم ترض يوماً أن ترى دمعتها، أو تسمع أنّتها، بالتي لم تتركها حتى حين انشغالك، وكنت تتابع أحوالها وتقلقنا برنين الهاتف وتوصينا كأنها أمك، وكأننا نسينا أمنا.
استحلفك بها، وبالدموع التي ذرفت من عينيها عليك، بالبسمة التي مسحت عن ثغر أب أفنى عمره من أجلنا، ومن ثم شددت على يده وآزرته في رعايتنا.
استحلفك يا أخي، هلا لطيفك أن يغرس الطمأنينة في أرواحنا، وأن يمدّنا الباري بالصبر والسلوان. نحن وكلّ من عرفك، أسرتك الثانية في العمل التي احتضنك وكنت الوفي لها، وكرّست جلّ وقتك في مدرسة الزعيم أنطون سعاده.
وتستحضرني كلمات كنت قد كتبتها أنت، تنعى فيها أحد الرفقاء بعد رحيله، وأقف اليوم موجهاً كلامك إليك «نحن قوم ما تعوّدنا البكاء على أحرار ماتوا كما يموت الرجال، بل نتذكر في مثل هذه المناسبة ما قاله زعيمنا سعاده: «قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود لأنها نفوس كبيرة». فهذا جسدك يسقط، ولكن نفسك تبقى خالدة في أسرتك التي كنت فيها القلب الرؤوم الراعي، وفي حزبك كنت الأمين المناضل المتواضع الحازم، وفي مجتمعك كنت اليد الخيّرة المعطاءة في السرّ.
ما كشفت إحسانك وتفضّلك على الكثيرين الذين لم تبخل عليهم لا بمالك ولا بوقتك أو جهدك وسعيك وحتى عطفك، إلا الموت. وما علمنا ذلك إلا عن ألسنتهم حين أتوا للعزاء بك.
نعاهدك أيها الأمين أننا سنكمل مسيرتك التي اختتمتها باكراً مع أننا لن نبلغ أبداً حجم نضالك وتضحياتك. وحماية الأمة السورية ستبقى همّنا الأكبر، وتحرير فلسطين التي أحببتها وناضلت من أجلها حتى رحلت في ذكرى النكبة الفلسطينية.
قوميون نحن بالقسم والولاء، ومخلصون للمبدأ وللعقيدة وعلى العهد باقون.
كلمة المنظمات الشبابية الفلسطينية
ثم ألقى كلمة المنظمات الشبابية الفلسطينية مسؤول شبيبة الجبهة الشعبية هيثم عبده وفيها قال: أيها الصديق والرفيق، عزاؤنا في بقية الرفقاء… ينهلون من معين الإرادة لمعلم ينبوعه لا ينضب، فكرة متجدّدة، خضراء يانعة، حقيقة حية وباقية تسقط سراب الصحارى القاحلة.
عزاؤنا يا رفيقي… في بقية الرفقاء بذات الهمّة والأمل، لا يضيّعون البوصلة… ويجسّدون قول الزعيم: «إنّ حقيقة قضية فلسطين هي عقيدة أمة حية وإرادة قومية فاعلة تريد الانتصار».
أحييكم باسم الحركة الطلابية الفلسطينية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأقدّم لكم أسمى آيات الفخر والاعتزاز، لرفيقنا صبحي ياغي، مناضلاً صلباً عرفناه سنين طوالاً، مؤمناً بحمل فكرة، وإرادة ومنهج عمل.
خبرته الميادين والساحات، في الجامعة وعلى المنبر، في الشارع وعند تخوم الخوف، يواجه الفتنة ويقارع أعداء الأمة وأصحاب المشاريع الهدامة، مثيري العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية… رحلت يا صديقي في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى هذا المثال من الرجال.
زمن تستباح فيه الأمة معانيها وتفاصيلها، بالشكل والمضمون، بالفكرة الجامعة والغاية الموحدة، بالرؤى التي تسمو على الصغائر في حاضر التيه والتبعية، وتطلعاتها إلى المستقبل الذي نكون فيه أحراراً نقبض على زمام أمرنا.
واليوم نلمس بالمحسوس المعنى لما قيل سابقاً، إنه صراع وجود لا صراع حدود، صراع ممتدّ على كامل الجغرافيا، لا يكترث للمعابر والبوابات، وخطوط حمر، من المشرق إلى المغرب، من المحيط إلى الخليج… وكلّ الحدود باتت مشرّعة للخراب، يأتينا من كلّ حدب وصوب.
عدوّ آتٍ من الخارج، وآخر يخرج من أعماق التاريخ لينقض على كلّ خزينة، من معالم ومتاحف ومقتنيات، معابد وكنائس، ومقامات، قبور الصحابة، ومآذن المساجد، وأضرحة الأولياء في تواطؤ يصل حدّ الانسجام في الأهداف والغايات. وصراع يستهدف كلّ فكرة حية، في شخص أو جماعة، ليبعثر مفرداتها، وينال من تماسكها وتقدّميتها وأثرها في العقل والوجدان.
وأضاف عبده: في خضم الصراع الكبير الذي يجتاح الأمة ويستهدف حاضرها ومستقبلها، نحن أحوج ما نكون إلى الوحدة والتماسك لمواجهة التحديات الكبيرة الماثلة والآتية، لذلك ندعو كلّ القوى الحية في أمتنا إلى بذل الجهود لتحقيق التلاقي، والتمسك بالثوابت القواسم المشتركة، ووضع كلّ خلاف جانباً، لأننا في مواجهة مصيرية وجودية حقيقية، ونتائجها لها ما يبنى عليها وعلى كلّ المستويات والأصعدة، وهنا نتحدّث عن تبعات سياسية وعسكرية واجتماعية وثقافية شاملة، ستطاول الجميع في وجودهم أفراداً وجماعات، مما يجعل هذا التحدّي تاريخياً ومصيرياً ووجودياً بامتياز.
وتابع: إننا على يقين أن القضية الفلسطينية هي أحد أهمّ استهدافات هذا المشروع التدميري، ليس فقط بسبب ما يشكله الكيان الصهيوني من أهمية في مشروع القوى الاستعمارية، بالتالي ما يحتاجه اليوم مشروع «يهودية الدولة» إلى بيئة مناسبة في منطقة مفتتة ومقسّمة على أساس ديني ومذهبي وقبلي… بل وأيضاً ما تشكله فلسطين، المشروع التحرّري التقدّمي، من أثر في وجدان الأمة حاضراً ومستقبلاً.
وأردف: لقد بدأ مشروع تدمير الأمة من فلسطين تاريخياً، وها هو يتجدّد في فلسطين حاضراً، حيث الانقسام المقيت يوشك أن يصير انفصالاً في الجغرافيا والقرار السياسي والأثر الوجداني، قضايا متعدّدة تبحث عن حلول خاصة لتجمّعات سكانية هائمة في فراغ المسؤوليات الوطنية والقومية الجدية.
إننا كحركات طلابية وشبابية جزء من حاضر الأمة، لكننا أيضاً جزء من مستقبلها، وهذا يجعل مسؤوليتنا مضاعفة، مسؤولية ممتدّة من الحاضر إلى المستقبل.
لروحك السلام يا رفيقي وصديقي صبحي ياغي… عزاؤنا يا رفيقي ما ظفرت… موت يستلهم فكرة الزعيم: «كلنا نموت، ولكن قليلون منا من يظفرون بشرف الموت من أجل عقيدة».
كلمة المنظمات الشبابية والطلابية اللبنانية
وألقى كلمة المنظمات الشبابية والطلابية اللبنانية عضو قيادة حزب الاتحاد حسن مراد استهلها مخاطباً الراحل بالقول: أيها الباقي فكراً ونهجاً وحضوراً محبّباً، أيها المكرّم عندنا كلّ يوم، وكلّ يوم لنا معك لقاء وذكرى، أيها الصديق الوفي الذي امتلك مني المحبة، وامتلكت منه صدق الحديث وطيب المحضر وصلابة المبدأ والمحبة.
وتابع مراد: عندما كنا نلتقي، وما أكثر اللقاءات، كنت أرى فيك رجاحة العقل، وعنفوان الشباب، وضجيج النشاط يتنقل بين قسمات وجهك المنير، لم أتوقع أبداً أن أقف لأتحدّث عنك وأنت غائب بجسدك، وما أصعب الكلمات في الأحبة، عندما تكون ممزوجة بألم الفراق الأبدي…
وأضاف: من حسن حظي يا صبحي، أني تعرّفت إليك، في مطلع شبابي، في الجامعة… واكبتني دون أن يكون بيننا لقاء، لكننا أنت وأنا كنا ننتظر اللقاء بشغف، في مكتبك وفي منزلنا… نتحدّث عن الوطن الصغير، الذي تتقاسمه الطوائف والمذاهب… كنا نتفق على أنّ الوطن للجميع، والطائفة الوطنية الوحيدة، هي طائفة العطاء للوطن، والإخلاص له، كنا نتحدّث عن الهمّ الكبير في الوطن العربي الكبير، الذي تتنازعه قوى الاستعمار بألف لون وشكل، ولم تغب فلسطين يوماً عن حديثنا… فهي البوصلة وهي جوهر الصراع مع عدو لا يفهم إلا لغة القوة…
وسورية الصامدة بقيادتها وجيشها العربي كانت محط أنظارنا، وهي تخوض معركة الصمود في إفشال المخطط الكبير لتقسيم المنطقة، وخلق دويلات تحمي حدود الكيان الغاصب… ومعها مقاومتنا البطلة تشهر سيف الحق البتار في وجه العدوان والتكفير، وتهزم مشاريعه… وكذلك جيشنا اللبناني البطل يذود عن حياض الوطن، ويشيع الأمن والأمان.
كنت تسبقني بالتحية قائلاً تحيا سورية… وكنت أردّ: تحيا سورية عربية… وبين تحيتك لسورية وتحيتي لسورية رباط قوي، هو سورية قلب العروبة النابض، هكذا كانت، وهكذا ستبقى…
أيها الأخ الكبير كنت وادعاً مطمئناً إلى أنك حملت رسالة حزبك، وأمتك بأمانة… ونحن نشهد على كلّ جهد بذلته في كلّ المواقع، التي كان لك شرف الالتزام بها… عملت لبناء جيل قومي يؤمن بقدرة أمته، عشت لخدمة سورية وسعاده معاً، وجهت عقول الشباب نحو فلسطين، قضية الأمة المركزية، واكبت المنظمات الشبابية، وشاركت في كلّ نشاطاتها بعزم أكيد.
سأفتقدك أخاً عزيزاً، وصديقاً لا تعوّض صداقته، وقد جمعتنا المواقف الكثيرة… مع انك أخلفت موعدي معك على الغداء الذي كان مقرّراً، لأنّ القدر خطفك قبل موعده، لك مني كلّ شيء، كلّ ظلّ، كلّ ضوء، وسآتيك كما في كلّ جلسة، أدخل الشباك في الحلم… وأرمي لك فلة.
باسم منظمة شباب الاتحاد والمنظمات الشبابية الوطنية أقول: لك الخلود يا صديقي… ولحزبك العظيم العزاء بعطائك الجزيل… ولعائلتك الكريمة الفخر بك مدى الحياة، وللأحزاب والمنظمات الشبابية مواقف العزّ من صبحي ياغي.
كلمة الاتحاد الوطني لطلبة سورية
وألقى مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الوطني لطلبة سورية باسم سودان كلمة رئيس الاتحاد وعضو مجلس الشعب والقيادة القطرية عمار ساعاتي وجاء فيها: في زمن تنقل فيه البندقية من كتف إلى كتف، وفي زمن التراجع والتخاذل والخنوع والخضوع، وقلة المؤمنين بالقيم والمبادئ، عزَّ علينا فراق العميد صبحي ياغي… إننا نلتقي اليوم في بيروت… بيروت المقاومة، لنكرّم رفيقاً من أهل المقاومة، رفيقاً مؤمناً… نذر نفسه وحياته في النضال ضدّ المشروع الذي يواجهه العالم العربي، مجسّداً في سلوكه الإيمان بقضية تساوي وجوده… إننا نكرّم رفيقاً غالياً عزيزاً، لعب دوراً بارزاً في المجتمع، وشكل درعاً من دروع المواجهة، وكان رمزاً في العطاء في العديد من محطات الدفاع عن مصالح الأمة.
أيها الرفيق البطل… منذ العام 1982 وأنت تبادر وتخطط وتنفذ… علّمت وأكدت بإيمانك وعملك اليومي أنّ الوجود لا يزهر إلا بالعطاء والنضال الدؤوب والمستمر… هذه طريقنا، نعم إنها طويلة وشاقة ولكن لا يسلكها إلا الأبطال أمثالك. 49 عاماً، ولم يتعبك الالتزام، لكن الموت الغادر… والذي لا مفرّ منه أسقط منك الجسد، فغادرتنا صلباً كالصخور، ثابتاً بمواقفك وملتزماً بقسمك.
أيها البطل صبحي ياغي، نكرّمك اليوم ونردّد معك ما كنت تؤكده «إنّ أبناء الحياة لا ينتهون بمأتم… ونحن قوم ما تعوّدنا البكاء، بل الاعتزاز بتاريخنا وجراحنا، لأنها جراح أعزاء لا جراح أذلاء… فبيننا وبين الموت حكاية طويلة، هو اليوم يعانقنا، وكم من مرة عانقناه نحن متى كان طريقنا إلى الحياة».
نكرّمك اليوم، وأمتنا تواجه مشروعاً يستهدف وجودها ووحدتها وهويتها، مشروعاً يعمل على النيل منها عبر تفتيتها من الداخل بهدف تقديمها ضعيفة واهنة للأعداء.
واعتبر سودان أنّ هذا المشروع الإرهابي يضرب لبنان وفلسطين والعراق وسورية في وقت واحد، بهدف تكريس وتعزيز سايكس- بيكو أخرى، وإنشاء كانتونات طائفية ومذهبية وإثنية، وذلك بهدف ضمان أمن الكيان الصهيوني وتدفق النفط للغرب… ومن أجل السيطرة على الثروات والمقدرات القومية، وضرب سورية الحاضن القومي للمقاومة.
إنّ الإرهاب الذي تمارسه الجماعات الإرهابية من «داعش» و«نصرة» وغيرهما هو ذاته الإرهاب الذي يمارسه التجمّع الصهيوني، هو إرهاب واحد، فإرهاب العدو الصهيوني في فلسطين يستهدف ضرب المقاومة، والإرهاب الآخر يستهدف سورية لأنها الداعم والحاضن والمشارك في المقاومة وتحقيق انتصاراتها، وكذلك يستهدف العراق في محاولة لتقسيمه بعد أن كبّلوه باتفاقيات أمنية لا تحقق إلا مصلحة الأميركي وربيبته «إسرائيل» لتكون هذه الأخيرة هي الكيان الوحيد الذي ينعم بالأمن والاستقرار في محيط يفتته الإرهاب الزاحف إلينا من تركيا وعرب النفط بدعم غربي واضح.
وقال سودان: المثال الحي على ذلك هو ما يحصل اليوم في سورية من محاولات لإسقاط هيبة الدولة وإنتاج الفتنة وإضعاف الجيش العربي السوري، لكنهم خسئوا… وإنّ النصر آت لا ريب، وبات قريباً جداً بهمة أبطال الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الشعبي وسائر الشرفاء المقاومين في أمتنا.
أيها العميد صبحي ياغي… لقد التزمت على مدى حياتك بمشروع المقاومة والنهضة التي هي خلاص لشعبنا من أزماته، ومعبراً حقيقياً لوحدة الحياة ووحدة المجتمع، والتاريخ والأحداث تؤكدان صحة التزامك.
كن مطمئناً إلى استمرار النضال والدفاع عن قضايانا القومية والثابتة التي تجسّدها سورية اليوم بقيادة رئيس الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الأسد، ونحن على عهدنا، مناضلون أقوياء أشدّاء، ولن نترك ساح الجهاد والمعركة حتى نعيد المجد إلى سورية وكلّ الشعب العربي، فالجيل الذي أطلق الشرارة الأولى في مقاومة العدو الصهيوني ويستبسل في فلسطين، ها هو يقاوم الإرهاب اليوم في سورية، هذه هي طريقنا وعليها سنستمر.
واختتم كلمته بتقديم العزاء إلى الحزب وإلى عائلة الراحل باسم عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية الدكتور عمار ساعاتي، معتبراً أنّ المصاب واحد، ورحيل العميد صبحي ياغي كما هو خسارة للحزب هو خسارة لمنظمتنا… منظمة الاتحاد الوطني لطلبة سورية، وهنا نؤكد على استمرارية العلاقة المميّزة مع رفقائنا في قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي، واستمرار النضال معاً في مواجهة كلّ ما يحاك ضدّ أمتنا من مخططات ومشاريع.
كلمة مركز الحزب
وألقى كلمة مركز الحزب عميد التربية والشباب عبد الباسط عباس، فاستهلها قائلاً: صبحي ياغي الأمين والعميد، اسم في موسوعة المناضلين والقادة، من بوابة حزبه، الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي وجد عنفوان الشباب وطموحهم، وهو ابن مدينة بعلبك التي تحتضن قلعة تحاكي التاريخ والأزمنة بأعمدتها الستة، فاستحالت معه سبعة.
نذر حياته لقضية آمن بها، ملأ ساحات النضال حضوراً، بصلابة المدافعين عن حقهم وحقيقتهم، وهو الذي كان يتقدّم المسيرات والاعتصامات والتظاهرات الطلابية والوطنية والقومية، رافعاً صوت الحق، في وجه الطغيان والاحتلال والاستعمار.
آمن بحزبه، حزباً مقاوماً يدفع الويل عن شعبنا وبلادنا، وآمن به سبيلاً للخلاص من الطائفية والمذهبية، وأنظمتها ودعاتها الذين جلبوا الويل. رسّخ في عقله قول باعث النهضة الزعيم أنطون سعاده «إنّ أزمنة مليئةً بالصعاب والمحن تأتي على الأمم الحية فلا يكون لها إنقاذ منها إلا بالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة»، فمارس البطولة، وتجلى فعله آلافاً مؤلفة من الأشبال والزهرات والطلبة والشباب، يملأون اليوم الحزب حركة وحيوية مفعمين بالعطاء، ويتجلون في ساح الصراع.
وعيه الفكري والعقائدي، شكل فرصته للتقدّم والنجاح في مسؤولياته الحزبية الحساسة المحلية والمركزية من منفذ عام بعلبك إلى عميد للتربية والشباب ثم عميداً للداخلية. وخلال توليه مسؤولية عميد التربية والشباب كان يتابع أدقّ تفاصيل مخيمات الأشبال والزهرات والطلبة والشباب في ضهور الشوير وبولونيا وزرعون وفي كلّ منطقة من لبنان إلى الشام، وكان يحرص على تنفيذ البرنامج المعدّ بحرفيته، والقائم على ترسيخ فكرة الصراع والمقاومة ضدّ العدو اليهودي وأدواته، وتعزيز فكرة الوحدة في مواجهة الآفات الطائفية والمذهبية والعرقية. ونحن اليوم في حفل تكريمه، نؤكد أنّ الحزب ثابت على خياراته وقناعاته ومبادئه، يقاوم ويقدّم الشهداء دفاعاً عن الأرض والحق وفي سبيل وحدة شعبنا وبلادنا.
للعميد الحبيب صبحي ياغي بصمة جلية في مسيرة نضال حزبنا، بمواقفه الجريئة في الاعتصامات الطلابية والشبابية أمام السفارة الأميركية في عوكر وفي المسيرات التضامنية مع الشام دفاعاً عن موقعها القومي الصامد ودورها المحوري في الصراع القومي، لأنّ الشام هي من حمل لواء فلسطين واحتضن مقاومتها، ولأنّ الشام هي التي أسقطت مشروع تقسيم لبنان ودعمت المقاومة التي حرّرت معظم الأرض اللبنانية وألحقت بالعدو الصهيوني هزائم متتالية.
صبحي ياغي العميد والأمين، لم ينهض بمسؤولياته وحسب، بل حمل دمه على كفه في أكثر من محطة، ومعظمنا لا يعرف عن جولاته في الآونة الأخيرة على مواقع القوميين الاجتماعيين المرابطين على جبهات القتال في سورية، حيث كان يشاركهم يوميات النضال ويحفزهم على العطاء والبذل، واثقاً بالانتصار على العدو الصهيوني والمجموعات الإرهابية المتطرفة والدول الداعمة لها، وكان يردّد أمامهم قول سعاده: «إنكم ملاقون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ».
في يوم الوفاء التكريمي للعميد صبحي ياغي، نؤكد على أولوية تحويل المجتمع بكلّ مكوّناته، لا سيما الجيل الجديد، إلى مجتمع نهضوي مقاوم، يقاوم الاحتلال الصهيوني، ويقاتل الإرهاب والتطرف، مجتمع يتصدّى للمفاسد الاجتماعية والسياسية والأطماع الأجنبية، مجتمع يُسقط المؤامرة ورعاتها وأدواتها، وهذه مسؤولية تقع على عاتق كلّ أحرار أمتنا وقواها الحية.
نحن أمام تحدّ كبير، تحدّ يملي علينا حمل لواء المعرفة والإبداع في مواجهة الجهل والظلامية،
ترسيخ ثقافة الحياة الحرة في وجه ثقافة الإرهاب والتطرف والقتل وقطع الأعناق.
التمسك بقيم الوحدة والحرية في وجه مشاريع التفتيت والتقسيم والعنصرية.
بناء المجتمع المدني الحديث ودولته، وإسقاط إمارات المذاهب والطوائف والأعراق.
ونؤكد أنّ كلّ هذه العناوين، قابلة لأن تتحقق، حين نذهب جميعاً باتجاه إقامة المجتمع المقاوم، من خلال جبهة شعبية لمقاومة الاحتلال والإرهاب… وهي المبادرة التي أطلقها حزبنا منذ أكثر من عام، ونحن في هذا اليوم نجدّد الدعوة إليها، من أجل حشد كلّ طاقات شعبنا في الدفاع عن بلادنا وشعبنا ومصيرنا ومستقبلنا.
إنها دعوة مفتوحة، فلنتشارك جميعاً في النضال من أجل ترجمتها، وتحويلها واقعاً، لنرفد المقاومين بكلّ أحزابهم، ونؤازرهم في ساح القتال، بتحصين مجتمعنا وصون مكامن قوته.
في يوم الوفاء للعميد صبحي ياغي، نجدّد أيضاً الدعوة إلى قيام مجلس تعاون مشرقي بين دول الهلال الخصيب، حتى يتآزر الجميع في إطار تعاوني يكفل تحقيق المصالح الواحدة ويعزز صمود شعبنا.
إنّ مصلحة شعبنا وبلادنا تتقدّم على كلّ شيء، وحين تكون المصلحة مرتبطة بالمصير والمستقبل، تصبح سياسات النأي والابتعاد والتنصّل من المسؤوليات، خيانات لا تغتفر… فحذار من ارتكاب الخيانات في هذه المعركة المصيرية.
في يوم تكريمك يا حضرة العميد، يا من تركت بصمة كبيرة في المجال التربوي، نعلن أننا في صدد بلورة خطة تربوية ثقافية كنت قد بدأت تنفيذها انطلاقاً من حسك النضالي وتجربتك الميدانية في وسط الشباب والطلاب.
خطة تشكل دليلاً فكرياً، نضالياً نهضوياً يضع الإطار الملائم لحراكٍ طلابي شبابي فاعل يمنح الشباب والطلبة حرية الحركة انطلاقاً من الحيوية التي يتمتعون بها والتي ترفض التقوقع والانغلاق، وتعتمد على التماهي مع أسس فكر النهضة.
خطة تستشرف آفاق المستقبل وتضع جيل الطلبة والشباب أمام مسؤولياته، وتُترجِم أحلامه في بناء مستقبل نهضوي لا مكان فيه للفساد والترهّل،
خطة هادفة إلى تغيير شامل يُبرز الأولويات من دون الغرق في الهامشيات، وتستهدف صياغة جديدة متكاملة للمناهج التربوية والبرامج الثقافية انطلاقاً من حقائق التاريخ وإبراز دور المقاومة كحركة تحرير في مواجهة العدو الصهيوني وقوى الإرهاب والتطرف.
أيها العميد الحبيب، تعجز الكلمات عن التعبير عما في نفوسنا من وفاء…
أنت باق في نفوسنا وسنتابع ما تعاقدنا عليه… وعهدنا أنّ حزبك سينتصر مهما كانت الصعاب.
ختاماً وبِاسم حضرة الرئيس وقيادة الحزب وكلّ القوميين الاجتماعيين في الوطن وعبر الحدود، نوجه تحية إجلال وإكبار إلى روحك أيها العميد في عليائها، ونعاهدك أن مسيرتك النضالية المتميّزة والغنية بمضمونها ستبقى محفورةً في ذاكرة الأجيال.
والتحية موصولة إلى شهداء الحزب وشهداء المقاومة وشهداء الجيش في سورية ولبنان، وعهدنا أن نستمرّ في نهج المقاومة حتى يبزغ فجر الحرية والانتصار.
فيديو شهادات في العميد الراحل
تخلل المهرجان التكريمي، عرض فيلم وثائقي، تناول بعض المحطات في مسيرة العميد ياغي النضالية، ومن ثم قدمت شهادات من والديه، ومن شخصيات سياسية وشبابية،
بعد والدته ووالده كانت شهادات لكلّ من رئيس حزب الاتحاد الوزير السابق عبد الرحيم مراد، عضو المكتب السياسي في حركة أمل حسن قبلان، رئيس حزب الوعد جو حبيقة، الوزير السابق جان عبيد، وزير الصحة وائل أبو فاعور، النائب السابق إميل لحود، الصحافي جوزيف أبو فاضل، الصحافي غسان جواد، رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية الدكتور عمار ساعاتي، منفذ عام الطلبة وسام سميا، رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان.
وقد اتسمت الشهادات بالتأكيد على الصدمة والمفاجأة برحيله المبكر، وبأنّ خسارة العميد صبحي ياغي ليست خسارة عائلية أو حزبية وحسب، بل هي خسارة شبابية ووطنية وقومية بامتياز، وأجمع المتحدثون على أنه كان صلباً في مواقفه، عنيداً وحادّاً في الحق، لكنه مرن في طرح الأمور، لا يحتاج إلى إذن لكسب محبة وصداقة، حتى من يخاصمه بالسياسة، بل هو يقبل الاختلاف بشكل جميل.
وفي ختام حفل التكريم سلّم رئيس الحزب النائب أسعد حردان عائلة الراحل «وسام سعاده» الذي منحه إياه المجلس الأعلى في الحزب.
كما تسلم رئيس الحزب والعائلة درعاً تقديرية من المنظمات الشبابية والطلابية.