يوسف كتلو… الخليل سُلّم الأرض إلى السماء!
نصّار إبراهيم
من وحي لوحة الفنان التشكيليّ الفلسطيني الصديق يوسف كتلو. «الخليل سُلّم الأرض إلى السماء» ـ مواد مختلفة 150 50 ـ كانفاس .
الخليل نجمة تتعربش صدر السماء. دالية تلتفّ على سفوح الروح وتُعرِّش كروماً من الأغاني.
الخليل وشاح سماويّ مطرّز بأيدي «عناة»، يكفكف حزن المدينة. والمطر البكر يغسل الدمع عن أهداب سارّة ليحملها صوب الجنوب. فيا مدينة الخليل عانقينا فأنت دربنا نحو السماء.
مدينة مسكونة بالصعود، فجعلته قوّة سارية في كروم الدوالي التي تعانق خصور الجبال وتمضي حتى أعالي السفوح.
ذات فجر، استيقظ أبو الأنبياء على عواء الرصاص يغتصب براءة الصلاة، فبكى فنهضت الخليل تعيد للنبي كرامته. فغسلت دماء المجزرة بدماء الشهداء.
يا روح فلسطين عانقينا ولا تتركينا عند أبواب الخليل. خذينا إليك لنجد ذاتنا في ليلنا الطويل. ففيك بعض دمشق وبغداد. فيك ذاكرة القاهرة وصنعاء وعمّان.
يا مدينة المدائن سامحينا إن أخطأنا أو تأخّرنا. فأنت السماح وأنت الساح ونيران المواقد، فارفعينا على ذؤابة سيفك كي نعود.
بيوت الخليل أعشاش العصافير بين دالية وأختها. بيوت تشعل القهوة صباحاً، وصلاة الحَمَامِ مساء. فيا مدينة المدائن خذينا إليك. ضمّينا فنحن العاشقون الذين ما نسوا وما باهوا.
هنا، بالضبط هنا، على دروب الخليل سارت «عناة» ذات ليلٍ فلسطينيّ مقمرٍ تبحث عن عشقها البعليّ بين كروم العنب. فكانت سماء وكانت أرض فكان وطن.
في نيسان، يزهر القلب وتنبجس الخليل أزهاراً ويورق ليلها قمراً. فتضيء عناقيد العنب والتفاح والبرقوق والرمان.
على دروب الجبال تنحدر صبية خليلية بروح دالية وهي تغنّي بلهجة ممتدة كالبحر، رشيقة كقوس قزح، تتهادى ببهاء فلسطينية كنعانية في يدها سلّة عامرة بالعنب والوطن والأمنيات.
هنا في قلب فلسطين تماماً، تنهض الخليل بروحها وتقاوم بضع لصوص ورواية ملفّقة جاؤوا بها ليستوطنوا قلبها. لكنّ قلب الخليل لأهلها وناسها. ينبض عشقاً لهم ويحلم بوطن ممتدّ كبيادر القمح والخبز وجبال هي الأجمل. إذاً، هي الخليل بادئة التاريخ منذ بدايته.
عند حدّ الكون تقف امرأة خليلية بمنديل هو الغيم، ومن برج عيونها تنساب أجمل أغانينا وأناشيد انتمائنا. وفي الخليل رجالٌ وصهيلُ خيلٍ. ينحدرون كسيلٍ عَرِم نحو القدس ونابلس وبيت لحم. كرفوف النوارس يرحلون نحو بحر يافا وحيفا وعكا والجليل وغزة. وفي البحر الفلسطينيّ الممتد ذاك، يراقصون الذاكرة.
يا قمر الخليل سِر الهوينى. ويا مسجد جدّنا الأول أيقظ العاشقين لمدينة تسكن فينا وتؤذّن فجراً: حيّ على الصلاة. حيّ على الحرّية. فينهض مع الآذان شباب بعمر الريحان. هنا ولدنا، هنا في مغاور جبال الخليل كتبنا التاريخ والأبجدية. هنا نراقص قمر الليل والفصول. هنا نكون أو لا نكون. فالخليل تكون ما بقيت فلسطين ذاتها.
صفحة الكاتب على «فايسبوك»:
https://www.facebook.com/pages/Nassar-Ibrahim/267544203407374