فراغ لما بعد تموز وتراجع الهمة الأوروبية… وحكومة سلام تكفي

يوسف المصري ـ خاص

الجلسة الأخيرة لانتخاب الرئيس العتيد، هي الرابعة مما يمكن تسميته بجلسات الطريق السريع إلى محطة بلوغ مرحلة الشغور الرئاسي وفراغ التوافق على رئيس جمهورية جديد، انتهت كما كان متوقعاً لها، بعدم اكتمال النصاب. ولم تحمل هذه النتيجة أي مفاجأة للمراقبين أو للطيف السياسي اللبناني. فقبل أيام من هذه الجلسة نقل عن مصدر دبلوماسي غربي في بيروت تأكيده لمعادلة انتخاب فخامة الرئيس، ومفادها أن انتخابه سيتم تحت ضغط الفراغ الرئاسي وليس تحت ضغط نفاد المهلة الدستورية، وذلك لثلاثة أسباب أساسية على الأقل:

الأول أن الديمقراطية اللبنانية الداخلية لا تستطيع إعطاء الاستحقاق الرئاسي أكثر مما أعطته في أول جلسة لانتخاب الرئيس العتيد.

الثاني أن الطبقة السياسية المارونية ومن ورائها بكركي لا تستطيع إنجاز توافق بينها يؤدي إلى تقديم رئيس للجمهورية توافق عليه شريكتها المسلمة.

الثالث، الوضع الدولي والإقليمي تقصد إعطاء المحاولات اللبنانية فرصة لإنتاج الاستحقاق الرئاسي تحت عنون «صنع في لبنان»، ولكن سقف هذه المهلة هي 25 أيار، وبعد ذلك سوف يدخل الاستحقاق مرحلة الجهد الدولي والإقليمي. ولكن حتى هذه المهلة فإنّ ظروفها الموضوعية لم تنضج بعد، وعليه فالاستحقاق الرئاسي بعد انتهاء المهلة الدستورية سيدخل عملياً مرحلة انتظار نضوج الظروف الدولية والإقليمية في شأنه ومن هنا يتمّ تداول تاريخ ما بعد شهر تموز المقبل كموعد مضروب لإمكانية حدوث تغيّرات على مسار العلاقة السعودية ـ الإيرانية إضافة لمسارات أخرى تبدّد غموض تعقيدات أوضاع ساخنة في المنطقة.

إلى ذلك تلفت مصادر متابعة لملف الاستحقاق الرئاسي، إلى استنتاج أساس بات متداولاً داخل كواليس دولية وإقليمية ومفاده أن نظرة الخارج لموقع رئاسة الجمهورية في لبنان ومسيحيّيه تحفل بتراجع استراتيجي قياساً إلى ما كانت عليه قبل الطائف.

وتكشف هذه المصادر في هذا المجال عن أن مجمل زيارات اللحظات الأخيرة التي جرت عشية انتهاء المهلة الدستورية لانتخابات رئيس الجمهورية، من قبل مراجع لبنانية ومارونية بخاصة، انتهت على «زغل». وبحسب متابعتها لزيارتي باريس التي قام بها الدكتور سمير جعجع حيث التقى هناك الحريري، وزيارة رئيس الحكومة تمام سلام المستمرة إلى الرياض، إضافة إلى ما بينهما من زيارات معلنة وغير معلنة، ومنها زيارة جان عبيد إلى السعودية، وأيضاً زيارات قام بها كلّ من الوزير جبران باسيل، وموفد عن الرئيس أمين الجميّل، والنائب وليد جنبلاط إلى عدد من دول القرار الغربي والعربي فإنّ كلّ هؤلاء عادوا من محاولات استكشاف موقف الخارج من استحقاق الرئاسة بنتيجة واحدة تقريباً، وهي أن الطبخة الرئاسية ببعدها الدولي والإقليمي لا تزال «طبخة بحص»، أي أنها لم تنضج بعد. وأكثر من ذلك الخارج مشغول بأمور أهمّ، ولبنان حالياً ليس أولوية. ولكن أخطر استنتاج عاد به زوار عواصم القرار الغربي والإقليمي، أفاد بأنّ الخارج ليس مهتماً إلى الحدّ المطلوب بانتخاب رئيس جمهورية للبنان، فهو يحض على احترام المهلة الدستورية التي تنتهي في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، لكنه غير مستعد أو متحمّس لوضع ثقله من أجل رؤية حفلة تسليم وتسلّم في قصر بعبدا بين الرئيس المغادر والرئيس القادم.

لماذا؟؟

هناك أكثر من تفسير لذلك، لكن التفسير الأكثر تداولاً يقول إنّ الخارج الدولي والعربي، باتت لديه قناعة راسخة بأنّ رئاسة مجلس الوزراء أهمّ من رئاسة الجمهورية. وهذا انطباع بدا يتعاظم خاصة في الغرب ودول الخليج منذ أيام الرئيس رفيق الحريري. وأساس فكرته أن النظام في لبنان منذ دخوله مرحلة الطائف أصبح «نظاماً مجلسياً وزارياً»، ولم يعد نظاماً رئاسياً، وعليه فإنّ حدوث شغور في موقع رئاسة الجمهورية لم يعد من وجهة نظر الغرب فراغاً خطراً في الحكم، ومن وجهة النظر المضمرة لدول الخليج صار يعدّ فرصة لإثبات أن لبنان يمكن أن يدار بنجاح من قبل الرئيس الثالث وحكومته مجتمعة.

وتلفت هذه المصادر إلى أنه خلال الأشهر الأخيرة لم يسمع أي مسؤول لبناني من شخصية غربية أو عربية أي كلام على صلة بالتحذير من حصول شغور في موقع رئاسة الجمهورية، بل كان حديثهم قبل تشكيل الحكومة السلامية الحالية يتركز على ضرورة الإسراع في تشكيلها، ومن ثم بعد تشكيلها على ضرورة تحصينها. قصارى القول إنّ الدبلوماسيين الغربيين والعرب، يستمرّون في لفت نظر محادثيهم اللبنانيين إلى أولوية استمرار الحكم داخل مجلس الوزراء، فيما حديثهم عن رئاسة الجمهورية كان غائباً حتى ما قبل فترة قصيرة، والآن يتمّ بمناسبة قرب نفاد المهلة الدستورية بدا الآن عشية نفاد وقت المهلة الدستورية من باب التمني ولكن من دون اتخاذ مبادرات عملية. وتقول هذه المصادر إنه صار واضحاً الآن أن أصل الفكرة الكامنة وراء تشكيل الحكومة السلامية كان ملء الفراغ المتوقع في موقع رئاسة الجمهورية وذلك لأشهر عدة تعتبر مدة الوقت الإقليمي الصعب.

وضمن هذا السياق تنقل معلومات مستقاة من الفاتيكان قلق الأخير من أنّ استحقاق رئاسة الجمهورية في لبنان لم يعد له من وجهة نظر الغرب، نفس مواصفاته السابقة لجهة أنه مناسبة لإثبات أهمية مسيحيّي الشرق. وتورد في هذا المجال الوقائع التالية الدالة على هذا المعنى:

ا- فاتح البابا الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته الأخيرة للفاتيكان بضرورة دعم انتخاب الرئيس الأول في لبنان خلال المهلة الدستورية نظراً لعلاقة هذا الأمر بأهمية الدور الرمزي لمسيحيّي لبنان في الحفاظ على كلّ مسيحيّي الشرق. لكن الرئيس الأميركي لم يبد بعد عودته من الفاتيكان أية إشارات عملية تؤكد أنه معني بفكرة البابا.

ب- خلال العام الماضي نقل أحد كبار مطارنة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية مضمون محادثات له في باريس أفادت أن عاصمة الأم الحنون للبنان لم تعد مهتمة بمسيحيي الشرق. والجوّ السائد فيها يقول إنه ليس مهماً تهجير المسيحيين المشرقيين أمام «أهمية هدف إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد».

وتغامر مصادر مطلعة على أجواء الفاتيكان بالقول إنّ الأخير بات ميالاً للاعتقاد بأنّ رئاسة الجمهورية في لبنان وكذلك دور مسيحيّيه، لم يعد يمكن الرهان عليهما ليلعبا دوراً في إثبات أهمية الوجود المسيحي في المشرق فخلافاتهم البينية تظهر أنهم لا يزالون يعيشون داخل مربع «حرب الإلغاء»، كما أن كلّ محاولات السينودس لإنقاذ دورهم اغتالتها الطبقة السياسية اللبنانية المسيحية.

وتصل هذه المصادر لاستنتاجها الأخطر ومفاده أنّ توقيت إعلان الكاردينال الراعي عن سفره في هذا الوقت إلى القدس، يوحي بأنّ الفاتيكان لم يراع تأجيلها إلى ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية اللبنانية، وهذا يعني أنه عملياً لم يعد معنياً بالتعامل مع هذا الاستحقاق من خلال بكركي، باعتباره حدثاً استثنائياً، ولو كان الأمر كذلك لحافظ على صفة الراعي «كعراب لإنتاج الرئيس مفتوحة علاقاته على كلّ الأطراف اللبنانية في هذه المرحلة».

والأغلب – بحسب هذه المصادر- أنّ الفاتيكان يتجه لإيجاد خريطة جديدة لكيفية دعم الوجود المسيحي في لبنان، وذلك انطلاقاً من أهمية موقع رمزية مسيحيي القدس في المنطقة وليس رمزية موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية أو مسيحيّي لبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى