بوتين يلوّح بالنووي: أليست حرباً باردة؟
عامر نعيم الياس
اجتماع مع العسكر في السادس عشر من حزيران الجاري، أراد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلاله الإعلان عن تزويد القوات الروسية بصواريخ نووية عابرة للقارات يبلغ عددها أربعون، «وهي قادرة على اختراق أحدث أنظمة الدروع الصاروخية في العالم» الأمر الذي وصفه يانس ستولينبرغ ـ أمين عام حلف شمال الأطلسي ـ «بالخطير والمزعزع للاستقرار».
الإعلان يأتي في ذروة التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على خلفية ما كشفته الأسبوع الماضي صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية من توجّه البنتاغون «لنشر أسلحة ثقيلة وتخزينها في أوروبا، وتحديداً في أوروبا الشرقية ودول البلطيق، ليتوانيا، إستونيا، ولاتفيا»، وتتضمن هذه الأسلحة دبابات وناقلات جند من المتوقع أن يتخذ القرار بنشرها في وقت قريب. فالبنتاغون، وإن لم يحصل على موافقة السلطة التنفيذية، إلا أن سياق الصراع الروسي ـ الأميركي، وطريقة إدارة الأطلسي علاقاته داخل المنظومة الأوروبية، وتحديداً في دول شرق أوروبا، كل ذلك يجعل من إمكانية عدم تنفيذ الخطة أو إقرارها، أمراً شبه مستحيل. وهو ما تدركه روسيا التي لجأت على لسان رئيسها فوراً إلى الحديث عن دخول فعليّ لسلاح جديد إلى المنظومة العسكرية الروسية. ولم تكتفِ بذلك، إذ أضاف الرئيس الروسي بعد إعلانه هذا، ما هو أكثر أهمية. فقال بعد ساعات منه «إن أي تهديد قريبٍ من حدود روسيا، سيفرض على قواتنا المسلحة التوجه إلى ضرب هذه الأراضي التي يأتي منها التهديد».
لهجة ومصطلحات لا يمكن وضعها إلا في إطار الدعوة إلى سباق تسلّح جديد يرسم أطر التماسّ بين الدول الكبرى، وهنا تحديداً موسكو وواشنطن.
إن الحديث عن سباق تسلّح وسبر تهديدات بوتين وغمزه المتواصل من قناة الأطلسي، كل ذلك ليس وليد اللحظة. فالعقيدة العسكرية الروسية الجديدة التي بدأ العمل بها عام 2011 تقول بضرورة «تحديث 70 في المئة من سلاح الجيش الروسي بحلول عام 2020» وهي تخصص «21 في المئة من الموازنة الروسية للأغراض العسكرية»، وعطفاً على ما جرى في القرم من جانب السلطة الروسية من عملية منسّقة ومخطط لها جيداً لضم شبه الجزيرة الاستراتيجية وإعادتها إلى الحضن الروسي، يمكن القول إن ما نشهده اليوم من توتر روسي ـ أميركي، حرب باردة جديدة لا حرباً كلامية تقوم على تهديد هنا وردٍّ هناك. فالتلويح بالسلاح النووي والصواريخ العابرة للقارات، وتكثيف الخطوات الأميركية للسيطرة على أوروبا الشرقية وعلى البلطيق تحديداً، كل هذه الأمور، تدفع للقول بأننا نعيش في زمن يعيد صوغ تاريخ الحرب الباردة وادواتها، وصراع حافة الهاوية بين روسيا والمجموعة الغربية، ممثلةً بالأطلسي الذي لا ينفك يعزّز وجوده في أوروبا الشرقية، وواشنطن التي تعمل على تطويق روسيا تحت ستارة الأطلسي، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي الذي يواصل الضغوط على موسكو عبر عقوبات اقتصادية تصل في بعض منها إلى حد فرض حصار اقتصادي، إذ أقرّ الاتحاد الأوروبي في اجتماعه في لوكسمبورغ، بعد يوم من إعلان الرئيس الروسي تزويد القوات الروسية بصواريخ عابرة للقارات، تمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا حتى 31 كانون الثاني من عام 2016.
من موسكو إلى واشنطن وليس انتهاءً ببروكسل، لا يبدو أي طرف من الأطراف آنفة الذكر في وارد التراجع عن موقفه ومشروعه، فأوكرانيا لا تزال العنوان العريض للصراع والابتزار المتبادل، فيما اللعب على حدود أوروبا وتغيير التقسيم بدأ من القرم ولن ينتهي قريباً، فالحرب الباردة بدأت بسخونة وليست مجرد حربٍ كلامية أو صراع مضبوط كما يحاول بعض المراقبين الترويج له، ولنا في تعزيز الرقابة الروسية البحرية والجوية فوق أوروبا وتحديداً دول البلطيق دليل إضافي على شكل الصراع.
كاتب ومترجم سوري