جنيف كسر المحظور وكشف المستور

سعد الله الخليل

بين السقوف المرتفعة والآمال والتوقعات المنخفضة من إحداث اختراقات في المشهدين السياسي والميداني على الساحتين اليمنية والسورية، شكلت مباحثات جنيف ولا تزال تشكل بما تشهده من مداولات محطة هامة في مسار الأحداث والتطورات السياسية للأزمتين السورية واليمنية بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية في ظلّ القناعة الراسخة بتشابك تلك الأبعاد وارتباطها بعضها ببعض.

في جنيف وبعد طول عرقلة سعودية وصل وفد الحوثيين والتقى بالموفد الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وانطلقت المشاورات للتوصل إلى هدنة شهر رمضان، وهو ما شكل فرصة للحوثيين لإظهار رأيهم ورؤيتهم بشكل واضح وصريح في محفل أممي بعيداً عن القدرة السعودية على حجب صوتهم، بل شكل الملتقى منبراً ليدلوا بدلوهم باعتراف أممي وبحضور ممثلين للدول الغربية، وهو ما يعني الاعتراف الكامل بهم كطرف فاعل على الساعة السياسية وإنهاء الاسطوانة المشروخة عن عدم الشرعية وغياب التمثيل التي لطالما كرّرها من يدور في فلك السعودية.

هذه الأسطوانة تتطابق مع ما كان يكرّره الغرب حيال الحكومة السورية قبيل انعقاد مؤتمر جنيف بنسخته الثانية عن غياب أيّ دور لها في مستقبل سورية، وإذ بها تجلس مع وفد الجمهورية العربية السورية بحضوره الوازن أمام هشاشة وفد الائتلاف المعارض، بل ليستمع إلى كلمة رئيس الوفد المطوّلة متجاهلاً تنبيهات الأمين العام للأمم المتحدة وما أبداه من قلق على قيمة الوقت الذي أمضى جله وزير خارجية واشنطن جون كيري ويده على خدّه كالتلميذ المذنب في حضرة المعلم الذي يتفنّن في مفرداتها بكلّ هدوء، ليأتي تحذير المعلم لكيري كالصفعة المدوية أمام زملائه جراء أفعاله وتقاعسه في تجاوز القوانين.

اليوم يظهر الوفد اليمني انفتاحاً في الطرح والتشاور مقابل ضياع رؤية أتباع السعودية وإصرارهم على تنفيذ توجيهات المملكة التي تعلمت آلية فورد بإرسال المطالب وقيادة وفود الأتباع! كيف لا وسيارات الفورد تجوب رمال صحاري مملكة آل سعود التي أصرّت على ضمّ ممثل لتنظيم «القاعدة» في وفدها كونها القوة الفاعلة على الأرض وتمثيلها الحقيقي ليبدو حضور عبد الوهاب الحميقاني بمثابة التحدّي العلني للأمم المتحدة التي ارتضت بوجود مطلوب على لوائح داعمي الإرهاب كمموّل للتنظيم تحت يافطة أمين عام حزب الإرشاد السلفي، رغم القرارات الأممية العديدة التي من المفترض أنها تحارب التنظيم وتسعى إلى تجفيف مصادر تمويله، فإذ بها تعجز عن طرد مموّل للتنظيم الأمّ التي أعلنت واشنطن قبل أيام قتل زعيمه في اليمن ناصر الوحيشي بطائرة بدون طيار، بالتزامن مع التقاط الحميقاني الصور التذكارية مع الأمين العام للأمم المتحدة دون أن تنتابه أية نوبة قلق وهو المدمن الدائم على القلق في مشهد يكشف هزالة الموقف الأممي في التعاطي مع القضايا الخطرة التي تهدّد الأمن والسلم العالميين، والتي من المفترض أنها تسعى إلى إحلاله وتكرّس تبعيتها للسيد الأميركي وترتضي أن تكون الواجهة السياسية لتنفيذ رغباته، وهو ما تكرّس في المشهد السوري في ظلّ الأنباء عن تواصل المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا مع ممثلين عن تنظيمات «داعش» و«جبهة النصرة» ومشتقاتهما المدرجة على لوائح التنظيمات الإرهابية التابعة لتنظيم «القاعدة».

يوماً بعد يوم وملتقى بعد آخر تتكرّس النظرة حول الأمم المتحدة وعجزها عن تأدية مهامها فيما تكرّس الأطراف الفاعلة في مواجهة التحديات ومحاربي مشتقات «القاعدة» في سورية واليمن حضورهما السياسي في تلك المحافل لتؤكد ما هو مؤكد أن لا حلّ سياسياً إلا بالأخذ بوجهة نظرها والاستفادة من تجربتها بعيداً عن التحالفات الوهمية والغارات الاستعراضية.

جنيف اليمني والسوري فرص ذهبية لكسر الحظر الذي فرضه الغرب على الحكومة السورية وعلى الحوثيين لسنوات، ومنصة مثالية لكشف هزالة الأمم المتحدة بالتعاطي مع قراراتها التي لا يمكن احترامها طالما أنّ من أصدرها لا يحترمها فاقد الاحترام لكلامه لا يفرضه على الآخرين، وإلى يوم تغدو الأمم المتحدة قادرة على فرض قراراتها انتظروا المزيد من الحبر على الورق.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى