نهاية عصر «الجزيرة»: كيف أصبحت القناة القطرية أداة أميركية لتفكيك المنطقة؟
قراءة وتقديم: د. رفعت سيّد أحمد
هذا كتاب مهم… لم يلق حظه من الاهتمام الإعلامي العربي، حاصرته قوى تسبّح بحمد قطر وأموال الخليج أكثر مما تسبح بحمد الله، إنه كتاب كاشف لعورات «الجزيرة» ودورها في خدمة المخططات الأميركية و«الإسرائيلية» في تفكيك المنطقة أكثر من كونها وسيلة إعلامية مستقلة تبغي تنوير الرأي العام وخدمة أشواق التغيير في المنطقة، ورغم أنّ الكتاب يغطي مرحلة ما قبل في الأغلب وأحياناً ما بعد ما سُمّي خطأ بـ الثورات العربية ، والتي كلها باستثناء ثورة 25 كانون الثاني في مصر وثورة تونس، ليسوا سوى مؤامرات لزرع الفوضى وجني ثمار النفط في المنطقة إلا أنه يفسّر إلى حدّ كبير الوظيفة التي من أجلها خلقت «الجزيرة»، وأننا وباختصار أمام أداة استعمارية إعلامية، وليس أداة إعلامية محترمة ومحايدة.
إنه كتاب د. حمد العيسى الكاتب والمترجم المتألق المولود في السعودية والذي يعيش في المغرب، والكتاب يحمل عنوان «نهاية عصر الجزيرة» وصادر عن دار نشر «مدارك» ـ 2014، وهو مترجم عن دراسات لكلّ من: رون ساسكايند، أندرو تيريل، محمد أوحمو، ألكسندر كوهن، كريستوف رويتر، غريغور شميتز، كليف كينكيد، أيمن شرف، ديفيد كيرباتريك، ويليام أسانج وعبدالله شلايفر.
والصديق الدكتور حمد عيسى ولد في مدينة الدمام المطلة على الخليج العربي، بكالوريوس هندسة مدنية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، عمل مهندس تخطيط في «أرامكو» السعودية من 1984 إلى 2004 حيث تقاعد مبكراً وتفرّغ للكتابة والترجمة، حاصل على الدكتوراه في الترجمة العامة انجليزي عربي، وصدرت له مجموعة قصصية وأكثر من 20 كتاباً مترجماً.
الكتاب الذي بين أيدينا يقع في 16 فصلاً مطولاً وبه عشرة ملاحق وثائقية مهمة تتضمّن تأثيرات معلومات مهمة عن قضية يسري فودة والتسريبات التي أدّت من خلال استغلاله لإلقاء القبض على قادة تنظيم «القاعدة من منفذي 11 أيلول، فضلاً عن فضيحة «ويكيليكس» على «الجزيرة» وكيف أدّت إلى استقالة وضاح خنفر، ومع الأسباب الحقيقية لاستقالات الإعلاميين المصريين من «الجزيرة» مباشر، واستقالة كلّ من: لينا زهر الدين ومنى سلمان وحافظ الميرازي وغيرهم من «الجزيرة».
وسنورد حقائق من أبرز مكوّنات هذا الكتاب الوثائقي المهم حيث يقول المترجم في مقدّمة كتابه الوثائقية: «لم أكن أتصوّر مطلقاً أنني سأعدّ وأترجم كتاباً يهجو محبوبتي قناة «الجزيرة»، قناة الرأي والرأي الآخر، كما توهّمنا وصدّقنا، لبعض الوقت، ولكن أحياناً لا بدّ مما ليس منه بدّ، خاصة بعدما انكشف الوجه الحقيقي القبيح لـ«الجزيرة» مؤخراً أي تحديداً خلال «الربيع العربي»، وثبت أنها للأسف الشديد ليست سوى أداة ووسيلة ذكية لتحقيق أهداف «العك» الخارجي القطري، و«العك» بالعامية المصرية هو اللخبطة أو صنع الفوضى، أيّ ما يُفترض أن يُسمّى بالسياسة الخارجية القطرية.
قبل سنوات ليست بعيدة كانت «الجزيرة» المحبوبة الأولى، وكان رقمها المبرمج على الريموت كنترول هو 1، وكنت أحياناً أعتذر عن بعض المناسبات الاجتماعية لكي أشاهد بعض برامجها، ولكنها أصبحت الآن في ذيل قائمة القنوات المبرمجة لديّ، وبصورة لا تختلف كثيراً عن وصف الزميل الصحافي أيمن شرف لها في الفصل السادس بأنها تحوّلت في مصر من «القناة المحبوبة الأولى» إلى «القناة المكروهة الأولى»، بل وأضيف إنني أصبحت لا أعرف حتى رقمها الجديد على الريموت كنترول نفسه.
ونظراً لأنني مثل ملايين غيري تعرّضنا للخداع والتضليل، وجدت أنّ من واجبي أولاً كمثقف وثانياً كباحث/مترجم، توضيح حقيقة هذه القناة المشبوهة للجمهور العربي عبر ترجمة بعض أهمّ ما قرأته عنها باللغة الانجليزية من معلومات قد تكون غير متوفرة بالعربية، وهذا أضعف الإيمان، وهو جهد متواضع في نظري، نظراً إلى حجم العبث في العقل العربي الذي مارسته وتمارسه الجزيرة».
ويذكر حمد العيسى أنه قد قسّم الكتاب إلى أربعة أقسام، القسم الأول بعنوان: «تفكيك قناة الجزيرة» وكشف فيه عبر تحليلات المختصّين أهداف قناة «الجزيرة» التي قد تكون غير معروفة للبعض، والقسم الثاني بعنوان «ويكيليكس تنهي عصر الجزيرة» وأثبت فيه بالوثائق التي لا تقبل الشك التنسيق الحميم بين «الجزيرة» و«الاستخبارات العسكرية الأميركية». والقسم الثالث بعنوان: «الجزيرة والقاعدة» وكشف فيه نقلاً عن تحقيق استقصائي أميركي موثوق أيضاً كيف تسرّبت عمداً من «الجزيرة» معلومات كان يفترض أن تكون «سرية للغاية» بحسب ميثاق الشرف المهني لـ«الجزيرة» نفسها ما ساعد الولايات المتحدة في إلقاء القبض على مخططي هجمات 11 أيلول الإرهابية: رمزي بن الشيبة وخالد شيخ محمد، على التوالي. وحتى لا يحدث لبس يقول د. حمد العيسى أنه يرى أنّ القبض على الإرهابيين أمر محمود بلا شك، ولكنه لا يعتبر مُبرّراً مشروعاً لخرق ميثاق الشرف الصحافي وخيانة الأمانة وتسريب الأسرار، وهي ممارسات مرفوضة مهما كانت المبرّرات إلا إذا تمّ الإعلان عن إمكانية حدوث ذلك سلفاً على شاشة القناة، ليعلم بذلك كلّ من يشاهدها أو يتعاون معها! ويعلم معظم الناس فضلاً عن المثقفين أنّ بعض الصحافيين الشرفاء ممّن يحترمون مهنتهم فضلوا دخول السجن مقابل عدم الكشف عن مصادر معلوماتهم، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الصحافية الأميركية الشهيرة جوديث ميلر من صحيفة «نيويورك تايمز» التي وجدها قاضٍ فيدرالي مذنبة بتهمة ازدراء المحكمة وحكم عليها بالسجن 18 شهراً لرفضها الكشف عن مصدر خبر حساس، والقسم الرابع بعنوان: «قطر: محاولة للفهم» ويتكوّن من خمسة فصول عن الأوضاع الداخلية القطرية، وخاصة الغزو الثقافي الغربي العنيف الذي يهدّد هوية واستقرار المجتمع القطري العربي المسلم بسبب السياسات التغريبية للدولة، ولكن هذا القسم لم يكتمل كما يقول د. حمد العيسى بصورة ترضيني رغم أني ترجمت جميع فصوله، ولذلك وجدت من الضروري توسيعه ليشمل مواد إضافية عثرت عليها مؤخراً، ونظراً إلى ضيق الوقت أجّلته ليصدر قريباً ككتاب مستقلّ.
وفي نهاية الكتاب عشرة ملاحق انتقاها المترجم بعناية من الصحافة العربية لتعزز ما طرحه في ستة عشر فصلاً هي مجموع فصول الكتاب في أقسامه الثلاثة.
تفكيك الجزيرة ووظيفتها السرية!
في الفصل المعنون بـ«تفكيك قناة الجزيرة… كيف تستفيد أميركا من قناة الجزيرة» يترجم المؤلف نقلاً عن البروفيسور أندرو تيريل الباحث المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب للجيش الأميركي قوله إنّ الكثير من الأميركان يعتقدون أنّ قناة «الجزيرة» هي زعيمة الأوغاد المعادين للسياسة الأميركية المعاصرة، وقد اتُّهمت هذه المحطة في أوقات مختلفة بكونها بوقاً لابن لادن، ومؤيدة لصدام حسين، وغير مبالية بخسائر الولايات المتحدة في الحروب ، ومستعدّة للعثور على دوافع سيئة في كلّ شيء تفعله الولايات المتحدة تقريباً في المنطقة، العديد من التهم ضدّ قناة «الجزيرة» مبالغ فيها.
وفي الواقع هناك جانب إيجابي ومفيد جداً للولايات المتحدة يقول المؤلف الأميركي- فمن خلال السماح لقناة «الجزيرة» بالعمل بحرية غير مسبوقة، فإنّ دولة قطر الصغيرة يمكن أن تتخلص ظاهرياً من تهمة كونها حليفة للولايات المتحدة في المنطقة العربية، لقد استخدم القطريون هذه «الحيلة الماكرة» ليصبحوا حليفاً جديراً بثقة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وهذا أمر مهمّ للغاية، لأنّ اثنتين من القواعد العسكرية الأهمّ لدينا في المنطقة تقعان على الأراضي القطرية: قاعدة «العديد» الجوية، ومعسكر «السيليه» الذي يعتبر بمثابة مقرّ متقدّم للقيادة المركزية الأميركية الوسطى CENTCOM ، السماح لمثل هذه القواعد العسكرية الحساسة بالعمل خلال الحربين الأفغانية والعراقية كان مكروهاً بشدة في العالم العربي، ولكن القطريين نجحوا في مواجهة الضغوط الخارجية ومساعدة الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها العسكرية بفضل حماية قناة «الجزيرة» المعنوية والسيكولوجية وما توفره لأمير قطر من شهادة بحسن السير والسلوك أمام الجماهير العربية المتطلعة للحرية التي تقدمها قناة «الجزيرة»، وبالإضافة إلى ذلك، أصبح على نقاد دور قطر الجديد الموالي لحروب أميركا، وهم من خصوم الولايات المتحدة أن يفهموا حقيقة أنهم سيعارضون دولة يمكن أن تدافع عن نفسها سياسياً بقوة وعنف عبر قناة «الجزيرة» التي تصل إلى أكثر من 50 مليون نسمة.
ويقول أندرو تيريل: بالإضافة إلى استعدادها لتحقيق مصالح الولايات المتحدة، فإنّ قطر أصبحت أيضاً دولة رئيسة في الصراع «الإسرائيلي» الفلسطيني، وتسعى إلى حلّ معتدل وهو دور كان سيكون صعباً دون الحماية المعنوية والسيكولوجية التي توفرها قناة «الجزيرة» لساسة قطر كما ذكرنا آنفاً، وقد بدأت قطر بعلاقات تجارية مع «إسرائيل» منذ عام 1996، وهي السنة نفسها التي تأسّست فيها القناة، وقاومت قطر لاحقاً بنجاح طوال سنوات ضغوط قوية لقطع تلك العلاقات بفضل قناة «الجزيرة»، ولذلك ساند «الإسرائيليون» ترشيح دولة قطر لتصبح عضواً غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة استجابة لطلب علني للدعم وجهته قطر لـ«إسرائيل»، كما أثنى القطريون كثيراً على قرار «إسرائيل» سحب قواتها من قطاع غزة، وأعلنوا أنّ الوقت أصبح مناسباً لتحسين العلاقات العربية «الإسرائيلية»، وصرح وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني في مقابلة مع قناة «الجزيرة»، أنّ الحكومات العربية بحاجة إلى التحدث «وجهاً لوجه» مع «الإسرائيليين» والسمو على مقولة إنّ «إسرائيل هي العدو»، وأكد «أنّ قطر تقوم بذلك مع إسرائيل»!
مَن سرب المعلومات عن «القاعدة» للـ C.I.A؟
وتحت عنوان «سري للغاية… من سرّب معلومات يسري فودة إلى «سي أي آي» وفي عدة فصول وملاحق وثائقية بالكتاب جاء نقلاً عن كتاب رون ساسكايند «مبدأ الواحد في المئة»، سايمون آند شوستر للنشر، 2006، ص138-139 أنّ قادة قطر هم من سرّبوا المعلومات التي كانت في حوزة يسري فودة، الذي كان يعمل في «الجزيرة» وقتذاك، أي عام 2002، وهي عن قادة «القاعدة» في باكستان، وأدّت إلى القبض عليهم وتحديداً خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة، والتي رواها الصحافي رون ساسكايند بتفصيل دقيق وخطير، كاشفاً عن دور قديم جديد لمن يحركون «الجزيرة»، وهو استخدام المعلومات التي لدى الإعلاميين العاملين فيها مثل يسري فودة وقتذاك صاحب برنامج «سري للغاية» في إلقاء القبض على قادة «القاعدة» الذين ائتمنوا فودة على أسرارهم وعلى أماكن وجودهم وهي الأماكن التي علم بها أمراء قطر في لقاء سري مع فودة، ثم نقلوها بدورهم إلى «سي أي آي»، وهنا ننقل نصّ تقرير سرّي للصحافي الأميركي عن رئيس المخابرات الأميركية وفقاً للكتاب الذي بين أيدينا يقول: وصل جورج تينيت إلى اجتماع الخامسة مساء اليومي في مقرّ «سي أي آي»، ودخل القاعة بحماس واندفاع. وقال تينيت بينما كان كبار موظفي «سي أي آي» يدخلون القاعة ويجلسون على مقاعدهم: «سأتكلم أنا أولاً اليوم»، وهكذا تمّ تغيير البروتوكول المعتاد للاجتماع اليومي، ليتحدّث تينيت أولاً قبل مدير مركز مكافحة الإرهاب في «سي أي آي»، وأضاف تينيت بثقة: «ما لدي اليوم سيكون البند الأهمّ الذي سنناقشه».
كان الاجتماع في منتصف حزيران 2002، وبعد أن تأكد تينيت من وصول الجميع وجلوسهم في كراسيهم، قال: «كما تعلمون، لقد كانت لدينا خلافاتنا مع صديقي الأمير»، ثم أضاف: «ولكنه اليوم قدّم لنا هدية مدهشة»، وهنا يورد د. حمد العيسى مترجم كتاب «نهاية عصر الجزيرة» توضيحاً هامشياً لهذه الفضيحة التي تمسّ قادة قطر وكما ورد سلفاً ص238 أخبر يسري فودة رئيس مجلس إدارة «الجزيرة» حمد بن ثامر آل ثاني عن الحكاية في 15 حزيران أيّ أنّ معلومات يسري فودة تسرّبت ووصلت إلى «سي أي آي» في اليوم نفسه!
ثم يواصل رون ساسكانيد نقلاً عن رئيس المخابرات الأميركية أنه سرد الحكاية الطويلة والحلوة، وهو يستمتع بتلاوتها. إنها حكاية اجتماع يسري فودة مع كبار قيادات «الجزيرة»، عن لقائه مع خالد ورمزي، مع كلّ التفاصيل المهمة بما في ذلك معلومات رئيسة كالموقع التقريبي للمبنى ومن كان هناك، وطبيعة المعلومات التي كشف عنها خالد شيخ محمد ورمزي بن الشيبة، بما فيها الخطة الملغاة لضرب منشآت نووية في الولايات المتحدة، وكانت لدى فودة فكرة جيدة عن موقع الشقة في كراتشي، ورقم الطابق الذي توجد فيه، واختتم تينيت الحكاية بتعبيره الأثير: «وبعبارة أخرى، لقد عثرنا على ابن الـ….».
ونوقشت في محادثة الأمير مع تينيت شروط الأمير حول كيفية تعامل «سي أي آي» مع المعلومات، حتى لا تتهم «الجزيرة» بتسريبها، كما قال لي شخص كان في الاجتماع.
وبسرعة ساد جو احتفالي في قاعدة الاجتماع، وكما قال لي والقول للصحافي الأميركي رون ساسكانيد مسؤول في «سي أي آي» حضر ذلك الاجتماع: «لقد كانت تلك حكاية جورج ورواها بطريقته الخاصة، وكان يحب أن يوصلها لنا بأسلوب مضخم، وكلنا أحببنا أن يكون قادراً على القيام بذلك، وكانت تلك أفضل معلومات استخبارية INTEL تصلنا عن القاعدة حتى تلك اللحظة».
تينيت وفقاً للصحافي الأميركي – على أية حال، لم يكن من كوادر «سي أي آي» القديمة، ولم يتدرّب في التجسّس والاستجواب وأساليب جمع المعلومات الاستخبارية، لقد كان سياسياً ورئيساً لموظفي أحد كبار أعضاء الكونغرس، وصعد إلى الأعلى في اللحظة المناسبة بعدما أعجب به بيل كلينتون وأوصله إلى القمة.
وطُرحت بعض الأسئلة خلال الاجتماع: هل كان الأمير يفعل هذا ليغيظ جيرانه السعوديين الذين زعم أنهم حاولوا اغتياله قبل عدة سنوات، ولم يكونوا يتعاونون جيداً مع العديد من مطالب الولايات المتحدة؟ وهل كان يحاول كسب ودّ أميركا بالرغم من حقيقة تدميرها مكتب محطته في كابول، أو بسبب تدميرها؟ وهل أدّى استعمال القوة، في هذه الحالة، للنتيجة المرجوة؟ أولئك الذين يؤمنون بأهمية القوة قالوا: نعم.
ثم عاد بروتوكول الاجتماع المعتاد وتحدث مدير مكافحة الإرهاب في «سي أي آي» عن تقرير التهديد Threat Report ، وتلاه هانك الذي قدّم موجزاً عن الوضع في أفغانستان ومن ثمّ رولف عن مبادرات أسلحة الدمار الشامل، ثم فيل العصبي عن المصفوفة العالمية Global Matrix ، ثم بدأوا يناقشون بحماس المهام الحساسة القادمة على أساس هدية الأمير وستبدأ على الفور وكالة الأمن القومي NASA المختصة بجمع المعلومات المرسلة عن طريق أنظمة الاتصالات المختلفة وتحليلها، في تغطية مناطق معينة من كراتشي، ويجب على رؤساء محطة «سي أي آي» فى باكستان البدء بالتخطيط لاستراتيجية المعلومات البشرية، يمكن تركيز جميع جهود عمليات مركز مكافحة الإرهاب الآن على كراتشي، وينبغي إعطاء من يستجوبون أحد قادة «القاعدة» أبوزبيدة سلاحاً جديداً، وهو القدرة على مفاجأته بصورة غير متوقعة بمعلومات جديدة، وأنهم يعرفون مكان وجود «مختار» لقب خالد شيخ محمد ، وابن الشيبة، ومن ثم ملاحظة ما إذا كان الأسير قد يملأ لهم بدون قصد بعض الفجوات المعلوماتية، هذه هي الطريقة لجمع بعض أفضل المعلومات: أن يقول الأسير شيئاً يعتقد أنّ المحققين يعرفونه بالفعل، وأخيراً قال تينيت للحضور: «لا أحد منكم سينام»، وأضاف: «سنضيّق عليهم الخناق»، وهنا يعقب د. حمد العيسى على ما ذكره الصحافي الأميركي رون ساسكانيد من فضيحة نقل المعلومات لـ«سي أي إي» عن قادة «القاعدة» وتحديداً وجودهم في مدينة كراتشي الآتي: «مجرد تحديد اسم المدينة كراتشي – يعتبر معلومة استخباراتية هامة للغاية، نظراً إلى قدرة وكالة الأمن القومي الجبارة على رصد وتحليل جميع أنظمة الاتصالات المختلفة كالهاتف والإيميل وغيرهما من وسائل الاتصال وهي القدرات التجسّسية الهائلة والمذهلة التي كشف عنها المحلل البطل المنشق عن وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن، ويعرف الجميع كيف تمكنت تلك الوكالة من التجسّس على هواتف زعماء أوروبا وفي مقدّمتهم المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وينبغي أن نتذكر هنا ما رواه فودة بنفسه في الفصل 12 من غضب خالد شيخ محمد عندما علم أنّ يسري فودة كان لا يزال يحمل هاتفه المحمول عندما اجتمع معه ورمزي في شقة كراتشي لمقابلة أخطر المطلوبين في العالم، وهذه الحادثة تطرح علامة استفهام نظراً لأنّ صحافياً استقصائياً محنكاً كفودة يعلم بالضرورة – خطورة إحضار المحمول إلى الشقة واحتمال اتهامه بالتجسّس! العيسى .
وبعد الشرح الوفي والطويل والمعمق الذي يقدمه العيسى عن فضيحة إلقاء القبض على قادة «القاعدة» بفضل تقارير «الجزيرة» وتسريب حكام قطر للمعلومات السرية التي قدّمها لهم بحسن نية الإعلامي المصري يسري فودة، ينتقل إلى حقائق أخرى وفضائح أخرى عن أدوارها المشبوهة في تشويه العمل العربي، وفي تعميق الانفصام السياسي داخل كلّ قطر عربي وتغذيتها للصراع المذهبي بين السنة والشيعة، وبين الأنظمة الحاكمة والقوى المعارضة، مع تبنيها لخطاب «الإخوان المسلمين» والجماعات الإسلامية ليس حباً بهم ولكن ركوباً لهم بالمعنى الحرفي والوظيفي للكلمة، وكيف استغلت «الجزيرة» الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردّية في البلاد العربية من أجل العمل على تفكيكها وإشاعة الفوضى بها من الداخل، كلّ ذلك في موازاة الدور السياسي المشبوه لقادة قطر خدمة للقاعدتين العسكريتين الأميركيتين في بلادهم المحتلة ، وخدمة للكيان الصهيوني.
إنّ الخلاصة التي نستطيع أن نخرج بها من الكتاب المهم، الذي ترجمه وعلق عليه ببراعة وقوة الصديق الكبير د. حمد العيسى، هو أنّ «الجزيرة» ودولتها قطر كانت قبل «الربيع العربي» المزعوم وبعده، أداة في أيدي واشنطن لتخريب العقل والوطن، وإشاعة الفوضى وأنهما كانتا بمثابة «جماعة وظيفية» تماماً مثل الكيان الصهيوني لخدمة المخطط الغربي و«الإسرائيلي» في المنطقة، والهدف: إشاعة الارتباك والفوضى والتفكيك للدول والجيوش المتماسكة كما يحدث في سورية اليوم، والذي يسمّيه بعض السائرين على درب «الجزيرة» في إعلامنا ووزارة خارجيتنا التي تستضيف بعض المرتزقة من المعارضة السورية في القاهرة هذه الأيام، تسمّيهم «ثواراً» و«ثورة» تماماً مثلما تحاول «الجزيرة» ومن خلفها قطر وتركيا أن تفعله مع الدولة والجيش المصريين دعماً للإرهاب الملتحف زيفاً برداء الثورة والإسلام وهو منه براء.
إنه كتاب يستحق القراءة… فشكراً لمترجمه وناشره!
E mail: yafafr hotmail. com