لماذا جيش عربي موحد؟ «إسرائيل» في بيتنا فانتبهوا!
ناصر قنديل
– بالتزامن مع التحالف الذي أعلنته السعودية بموجب البلاغ رقم واحد لحربها على اليمن، انعقدت القمة العربية في شرم الشيخ لتبارك الحرب وتبدأ مناقشة تشكيل جيش عربي موحد تحت عنوان مواجهة الأخطار على الأمن القومي العربي المشترك. والواضح من الاجتماع الذي عقده قادة الجيوش ورؤساء الأركان في الجيوش العربية، ومن البروتوكول الذي قامت الأمانة العامة للجامعة العربية لصياغة المشروع، أن الفكرة جدية وتشق طريقها بالتدريج، فخلال ثلاثة شهور شهد الملف ثلاثة استحقاقات على مستوى قيادي، من مستوى القمة من 26 إلى 30 آذار إلى مستوى رؤساء الأركان ما بين 22 و24 نيسان، وانتهاء باجتماع منتظر لوزراء الدفاع والخارجية ورؤساء الأركان معاً في النصف الأول من تموز، تمهيداً للإعلان عن إنشاء القوة الموحدة أو الجيش العربي قبل 29 تموز، وفقاً لما أعلنه رئيس أركان الجيش المصري بالنيابة عن رئيسه الجنرال عبد الفتاح السيسي.
– التطلعات لمستوى عربي أدنى كانت تصطدم بنوع من الفيتو الدولي، فتتعثر، خصوصاً عندما يتصل الأمر بتكوين قوة عسكرية، فمعلوم أن ميثاق الدفاع العربي المشترك معطل منذ توقيعه، وللبنان خبرة كافية منذ العام 1964 عندما حاول جر مياه نبع الوزاني إلى ثلاث قرى مجاورة وهو يحتمي بقرار من مجلس الدفاع العربي المشترك، وقامت «إسرائيل» بإطلاق قذيفة تحذيرية قرب موقع العمل ليتوقف المشروع كلياً، بعدما تبلغ من أمانة المجلس العسكري العربي أن لا ظروف مؤاتية لفعل شيء على المستوى العسكري.
– معلوم أن التجارب التي نعرفها بين الدول ليس بينها تشكيل جيش موحد أو قوة مشتركة إلا في مراحل متقدمة من الوحدة السياسية والاقتصادية، فحلف الأطلسي مثلاً ليست لديه قوات مشتركة ولا جيش نخبوي موحد، بل هو إطار لتحرك حلفاء واشنطن التي تشكل قواتها نواة الحلف وعموده الفقري، وتولد القوة المشتركة للحلف في حالتي المناورات المشتركة والحرب التي يتقرر الانخراط فيها، وفي ما عدا ذلك يبقى الحلف مجموعة خبراء ومستشارين واتفاقات لوجستية وتبادل للمعلومات والخبرات، ومعلوم أن الإتحاد الأوروبي الذي صاغ مفهوماً موحداً للأمن القومي ويملك سياسة خارجية موحدة وتحالفات واحدة، وبرلمان مشترك، وعملة موحدة، وتمكن من بلوغ مرحلة إلغاء الحدود السياسية بين الكيانات بصورة جعلت انتقال الأفراد والبضائع حراً من أي قيود، لكنه على رغم ذلك لم يصل لا لبناء جيش موحد ولا قوة مشتركة. فقط في زمن الإتحاد السوفياتي كانت دول الإتحاد تشترك بجيش موحد وتحتفظ بقوات شرطة مستقلة لكل من دول الإتحاد، بينما دول تكتل وارسو وهو حلف عسكري لمنظومة تملك رؤيا سياسية واقتصادية موحدة وأنظمة حكم متشابهة ما لم تكن متطابقة، فقد كان لكل منها جيشها الخاص ولم تنشئ في ما بينها قوة نخبة موحدة كجيش مشترك للتدخل السريع، ولا قوة مشتركة جوية وبرية وبحرية كما هو المنصوص عليه في بروتوكول الجيش العربي الموحد.
التتمة ص6
– الشيء الأكيد من معايير العلوم السياسية أن الجيش العربي الموحد مولود هجين وغير شرعي بالمعنى التاريخي، فهو صيغة لم تبلغها الدول التي بينها روابط في السياسة والاقتصاد ومفهوم الأمن القومي والتطابق التشريعي، وبرز بصورة مفاجئة من خارج السياق الطبيعي للأمور وسياقاتها، بينما المواطن العربي ينتظر إلغاء الحدود أو تخفيف إجراءاتها أو وقف الترحيل الجماعي لمواطني البلاد العربية في ما بينها، يطل عليه القادة بقرار بحجم تشكيل جيش موحد وبين من ومن، دول لا تجمعها أشكال واحدة لأنظمة الحكم وبالتالي للتشريعات وآليات اتخاذ القرار، دول ليس بينها أي مفهوم متفق عليه لأمرين مصيريين ووجوديين في مهام الجيوش، إذا اعتبرنا النظام العربي الرسمي مجرد شرطي ونظام أمني لا بعد سياسياً ولا اقتصادياً له، وبالمفهوم الأمني، لا مشترك في تحديد مفهوم الأمن القومي، ولا مفهوم موحداً للإرهاب، والجيش الموحد كما نص البروتوكول سيكون مدعواً للتدخل في حالتي تهديد الأمن القومي ووجود خطر إرهابي، فوفقاً لأي مفهوم سيتحدد في قيادة هذا الجيش أو هذه القوة الأحوال التي ستصنف تهديداً إرهابياً أو تهديداً لمفهوم الأمن القومي؟
– يقول البعض كما ورد في مذكرة وزارة الخارجية اللبنانية حول بروتوكول الجيش الموحد، أن الأساس يجب أن يكون بتوضيح هذين المفهومين الغامضين لتتسنى الموافقة على المشروع، والمأخذ سليم مئة في المئة، وفي مكانه، وتعبير عن موقف دقيق بما تضمنه من إشارة ذات دلالة بصلاحيات الجيش الموحد بصفته قوة عابرة للحدود بالحركة والقرار، بما يعرض السيادة الوطنية للدول للانتهاك، فقد يتقرر التدخل في بلد رغما عن إرادة سلطاته الشرعية إذا اعتبرت المؤسسة العربية المخولة وفق نصاب معين اتخاذ قرار التدخل.
– الأمر الذي لم ينتبه له أحد أن الغموض في مفهوم الأمن القومي وفي مفهوم الإرهاب في بروتوكول الجيش الموحد مقصود ومتعمد، لأن ليس بقدرة أحد من المؤسسين وخصوصاً السعودية ومصر، الكشف عن حقيقة مفهوم الأمن القومي ومفهوم الإرهاب اللذين سيعتمدهما الجيش الموحد وقيادته، والمعلوم سلفاً أنها قيادة سيتقاسمها السعودي والمصري، واحد بقدرته على التمويل والثاني بصفته صاحب الدولة الأكبر والجيش الأكبر بين العرب، ولكونهما المؤسسين أصلاً ولديهما تصور مسبق عن أهداف المشروع وأسباب هذه السرعة الصاروخية في طرحه في التداول من جهة، وتخطي المقدمات التاريخية والدستورية والسياسية والاقتصادية لبلوغه كمرحلة متقدمة لاحقة لغيرها من الكثير من مشاريع الوحدة والتنسيق.
– مصر والسعودية تملكان المفهوم للأمن القومي العربي والمفهوم للإرهاب اللذين سيحكمان حركة الجيش العربي الموحد، وهنا لا نتحدث في السياسة، ولا في التوجهات بل بالنصوص غير القابلة للتعديل، فالسعودية ومصر تربطهما اتفاقيات مع أطراف دولية وإقليمية تجعل من أي تحالف ذي صفة أمنية تشتركان فيه مقيداً بموافقة شركائهما في هذه الاتفاقيات وفقاً لنصوصها، وتمنع عليهما الدخول في أي اتفاقيات وتحالفات تعرض الأمن القومي للشركاء لأي خطر أو أذى، وتلزمهما بمفهوم للإرهاب واضح وصريح، ومعلوم وفقاً للقوانين الدولية أن وجود فريق واحد من أطراف أي حلف عسكري وأمني مرتبط باتفاقية مع طرف ثالث من هذا النوع يعني ضمناً أن التحالف سيكون مقيداً في كل شيء بموافقة الطرف الثالث، لأن شريكاً واحداً ومؤسساً مقيد بالموافقة المسبقة لشريك من خارج التحالف، ومن هو الطرف الثالث؟
– ليس مهماً هنا أن نأخذ المثال السعودي والاتفاق القائم بصدد التعاون العسكري والأمني بين السعودية وأميركا وما يمنحه من ميزات تدخل واعتراض على أي نشاط أو مهام أو أحلاف في كل ما يتصل بالشؤون العسكرية والأمنية تدخله السعودية، بل يكفي أن نأخذ حالة مصر التي ستتولى القيادة العسكرية للجيش الموحد أو القوة المشتركة، ومصر مرتبطة باتفاق شبيه بالاتفاق السعودي مع الأميركيين، لكن الأهم أن مصر مرتبطة باتفاقية كامب ديفيد وملاحقها، وفيها أولاً أن «إسرائيل» ليست عدواً، وثانياً أن مصر تتعهد بعدم الدخول بأي اتفاقيات أو أحلاف مع أطراف ثالثة يمكن أن تتضمن أي نوع من أنواع التهديد للأمن «الإسرائيلي»، وثالثاً مفهوم محدد للإرهاب وللأمن القومي المصري الذي يفترض أنه بالنسبة لمصر ركيزة مفهومها للأمن القومي العربي، والأهم اشتراط الاتفاقية على مصر الحصول على الموافقة «الإسرائيلية» المسبقة قبل الدخول في أي تفاهمات عسكرية وأمنية على مستوى الإقليم، ما يعني أن الجيش العربي الموحد أو القوة المشتركة مشروع حاصل سلفاً على الموافقتين الأميركية و»الإسرائيلية».
– ما هي مفاهيم الأمن القومي العربي وتعريف الإرهاب التي يمكن أن تحظى بقبول أميركي و»إسرائيلي»، أمر لا يحتاج بحثاً ولا تنجيماً، أمن قومي عربي موجه في عدائه ضد إيران وقوى المقاومة، ومفهوم للإرهاب يعتبر قوى المقاومة المصدر الرئيسي للإرهاب ولا يرى «جبهة النصرة» مثلاً، وهي الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة في بلاد الشام»، تنظيماً إرهابياً كما سبق وصرح وزير حرب العدو موشي يعلون.
– لبنان مدعو بموجب البروتوكول لارتكاب ثلاث خطايا، الخطيئة الأولى هي الدخول باتفاقية عسكرية أمنية، شريكها غير المعلن «إسرائيل» بموجب نصوص اتفاقيات كامب ديفيد، والخطيئة الثانية قبول الانخراط بحلف عسكري يتبنى مفهوماً للأمن القومي لا يصنف «إسرائيل» و»القاعدة» كأعداء، والخطيئة الثالثة المشاركة في حلف عسكري يصنف المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان إرهاباً ويعني بالتالي توريط لبنان في مشروع حرب أهلية.
– من يعود لنصوص اتفاق السابع عشر من أيار ومطالعة الدكتور جورج ديب حول ما تعنيه، سيكتشف أن «إسرائيل» تضع دائماً بند وجودها كطرف ثالث في كل اتفاقية يوقعها من تربطه معها اتفاقية سلام من العرب.