عين الحلوة: اختبار جديد يفاقم «القلق»

يوسف المصري

في كلّ مرة يحدث أشكال أمني في مخيم عين الحلوة بغض النظر عن أسبابه والعمق السياسي في خلفياته، يتضح أن كلّ التركيبات الأمنية لضبطه، والتي كانت الدولة اللبنانية عبر أجهزتها الأمنية اتفقت عليها مع فصائله المختلفة، هشة أو حتى لا تستطيع الصمود أمام حادث فردي، فكيف سيكون حالها لو تعرّض المخيم لتحديات أكبر.

حادث إطلاق النار الذي حصل قبل نحو أربعة أيام بين «فتح الإسلام» و«فتح» محمود عباس، وأدّى إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، شكل إثباتاً جديداً على أن حرب التصفيات من قبل جماعة هيثم الشعبي الإرهابية مستمرّة ضدّ الآخر في المخيم، وعلى رأسهم حركة فتح، وأيضاً عناصر في سرايا المقاومة، بدليل أحداث الأشهر الأخيرة، وأيضاً مختلف التنظيمات الأخرى، بما فيها «الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة» وحركة حماس.

هناك إجابة روتينية يسمعها المراقب من الفصائل الفلسطينية بعد كلّ حادث من هذا النوع، وهي لا تخفي القلق من دلالاتها، ولكنها تختم قائلة إنّ الوضع تحت السيطرة وإنّ نسبة عالية مما يحدث لها خلفيات فردية.

فلسطينيو المخيم كما الدولة اللبنانية يدركون أن الأمور ليست على هذا النحو، وأنّ عين الحلوة غير مسيطَر عليه، وأن توازناته تعيش ما يشبه حالة «انتظار للتفجر»، وأنّ هدوءه الحالي النسبي ليس مبنياً على قاعدة سياسية أو حتى أمنية صلبة.

ويمكن إعطاء مثل الحادث الأخير في المخيم بين «الفتحين» إن جاز التعبير مع لحظ الفروقات الشاسعة بينهما ، كدليل على أن مناخ المخيم العام غير مريح، وأنه فاقد لأيّ ضمانات داخلية لمواجهة التطرف الذي بات يقطن في الكثير من أحيائه، وأنّ فصائله الوطنية والإسلامية «المعتدلة» ليست جدية في قضية توحيد جهودها لمواجهة وجود إرهابيين في المخيم لم يعد خافياً أن لديهم ارتباطات بجهات خارجية تحاكي تنظيم «القاعدة» مباشرة أو في شكل غير مباشر.

ومنشأ الدليل هنا الذي يقدّمه الحادث الأخير، يمكن لحظه بما يلي من معطيات وحقائق ترافقت معه:

أبرز هذه الحقائق تظهر أن القوة الفلسطينية الأمنية المشتركة المشكلة من كلّ فصائل المخيم، والمكلفة في مواجهة الإرهابيين كلما خرجوا على «القانون»، لم تستطع أن تواجه جماعة هيثم الشعبي التي أطلقت النار على عناصر من حركة فتح. وأكثر من ذلك فإنّ القوة الفلسطينية المشتركة بحسب معلومات خاصة لـ«البناء» انقسمت على نفسها عندما وجهت إليها الأوامر بمعالجة ذيول الحادث وقمع جماعة الشعبي. وأكثر من ذلك شهدت القوة المشتركة انشقاقات في صفوفها حيث خرج منها عناصر والتحقوا بـ«فتح الإسلام»، الأمر الذي قاد إلى خروج عناصر في مقابلهم من القوة ليلتحقوا بحركة «فتح».

قصارى القول إن هذا المشهد يؤكد ولو في شكل رمزي، قناعة موجودة ويتمّ دائماً التستر عليها، وهي أن عين الحلوة يعيش أجواء ومناخات تحاكي ما يحدث في مخيم اليرموك السوري، وذلك انطلاقاً من عدة زوايا:

أولاً: إن مجموعات الإرهابيين داخل عين الحلوة تبدل تموضعاتها وتحالفاتها على نحو دائم فمرة تطرح نفسها كما حدث خلال الحادث الأمني الأخير، على أنها مجموعات منفصلة تشتمل على فتح الإسلام وجند الشام الخ… وحتى متباينة على وزن ما يحدث بين «النصرة» و«داعش» و«أحرار الشام» وتارة أخرى تقدّم نفسها على أنها «متهيكلة» ضمن جسم تحالفي وتنظيمي واحد تحت اسم «الشباب المسلم»، وذلك على وزن «جيش الفتح» وما إلى هنالك من تسميات تطلق في شكل موسمي على الهياكل التنظيمية التحالفية لفصائل الإرهاب السورية.

ثانياً: السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ماذا بعد فشل القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة في تجربة الحادث الأمني الأخير في المخيم، وهل يكفي تصحيح ما حدث من خلال العودة إلى ترميمها من جديد وإعادة المنشقين إلى صفوفها بانتظار حصول حادث أمني آخر يؤدّي مرة أخرى إلى حدوث الفرز داخلها على أساس عقائدي سلفي وغير سلفي.

الواقع أن الانشقاقات التي حصلت داخل القوة الفلسطينية المشتركة بحيث أفرزت وجود عناصر سلفيين بداخلها، وذلك عند حدوث أول اختبار ولو فردي إذا صدّقنا ذلك بوجهها، يظهر بوضوح أن مجمل هذه التجربة قاصرة، ولا يمكن التعويل عليها كضمانة لمنع انزلاق المخيم إلى فتنة داخلية أو لضبط إيقاع منسوب خروقات «السلفيين الجهاديين» بداخله سواء لأمنه أو لأمن جواره اللبناني.

ويبقى السؤال ما العمل لتحصيل ضمانة كافية ومقنعة بصدد الوضع في عين الحلوة، بمثابة سؤال من دون إجابة عنه، لا عند رام الله المستقيلة من دورها على هذا الصعيد، ولا عند فصائله الداخلية المستغرقة في خلافاتها الكثيرة، ولا عند الدولة اللبنانية المحتارة بأمرها مع المخيم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى