مسرحية «ليش هيك؟» في مترو المدينة… صرخة طفولة ترفض التمييز
لمى نوّام
لرفض العنف والتمييز اجتمعوا، وهتفوا بالصوت العالي: «غنّوا معنا لطفولتنا يا أطفال العالم، لطفولتنا وطفولتكم يا أطفال العالم، إننا من وطن الحرية ونناديكم للحرية، يا أطفال العالم…». وأطلقوا صرخة طفولة على خشبة مسرح مترو المدينة ـ الحمرا في وجه الظلم والتمييز والعنصرية، وأسالوا عَبرات الحزن على وجوهنا نحن الجمهور الذي تفاعل مع رسالتهم بشكل كبير.
تساءل الأطفال اللاجئون في مخيم صبرا: «ليش هيك تهجّرنا… ليش هيك الظلم… ليش هيك التمييز… ليش ضاعت فلسطين… ليش هيك عم نلعب لعبة أكبر من عمرنا… ليش هيك أختي تجوّزت هي وصغيرة… ليش هيك أخي بالسجن..؟».
«ليش هيك»، مسرحية عرضت الأسبوع الماضي على مسرح مترو المدينة ضمن حفل غنائي ومسرحي قدّمه الأطفال اللاجئون في مخيم صبرا، من تنظيم «جمعية السعادة لأطفالنا»، وبالتعاون مع «مركز بكرا أحلى» في مخيم صبرا وجمعية «أس بي أوفرسيز» البلجيكية. تخلّل الحفل معرض لرسوم الأطفال، ومعرض أشغال يدوية وسحب تومبولا.
اعتلى منصة المسرح ثلاثون صبيّاً وفتاة، ناقشوا مواضيع تصادفهم في حياتهم اليومية، على رغم أنّهم لا يُعتَبرون من محترفي التمثيل والغناء. وجاءت المسرحية في إطار عمل «جمعية السعادة لأطفالنا» على برنامج العلاج بالفن، بالتعاون مع «مركز بكرا أحلى» في مخيم صبرا التابع لجمعية «أس بي أوفرسيز» البلجيكية. تناولت المسرحية، العدوانية المكبوتة لدى الأطفال التي لاحظها المدرّبون أثناء التمارين التي كانوا يقومون بها. وأطلقوا عليها اسم «ليش هيك؟»، لتكون المسرحية وسيلة للإجابة عن بعض تساؤلاتهم، من جرّاء ما يتعرّضون له من تمييز عنصريّ وكبت في حياتهم الاجتماعية والمدرسية. وليفرّغوا كل طاقاتهم العدوانية المكبوتة في دواخلهم.
المعالجة النفسية لوما أمهز تحدّثت لـ«البناء» قائلة: تعاونت مع سهى الشعار من «جمعية السعادة لأطفالنا» في هذا الحدث. الفكرة انطلقت على صعيد شخصي، لأننا كجمعية لا مركز لدينا، فوجدنا أنه من الضروري أن نقوم بأي نشاط مع الأولاد. بصراحة، الأطفال رائعون، لقد قاموا بمساعدتنا وأعطونا شيئاً من واقعهم وحياتهم اليومية، وددنا في البداية أن نسمّي الحدث «غنّوا معنا»، لكنّ شخصاً اسمه كارلو جوليان، وهو يعمل مع الجمعيات، وكان يودّ تنظيم ورشة عمل، نصحنا بفكرة «ليش هيك؟». وخلا تدريب الأولاد، طرحت عليهم بكل عفوية سؤال «ليش هيك؟»، وأعطونا أجوبة، وعلى نسق أجوبتهم ولدت مسرحية «ليش هيك؟».
بدايةً، لم نكن نودّ أن نظهر أن هناك عنصرية، كما وددنا أن نظهر أنهم متعاونون مع بعضهم، ولم نكن نريد أن نظهر الصورة السلبية التي يراها الناس حتى اليوم، كما شاركنا أشخاص من عائلتنا، ابن شقيقي لبناني، ابنة شقيقتي سهى فلسطينية». وتابعت: وقع اختيارنا على المخيّم لأكثر من سبب، أوّلاً لأن مركز «بكرا أحلى» موجود هناك، وهو فتح لنا هذا الباب. و70 في المئة من الأطفال المشاركين من سورية.
وردّاً على سؤال كيف ترى كمعالجة نفسية، الفروق في نفسيات الأطفال: السوري واللبناني والفلسطيني أجابت أمهز: الفرق كبير جداً، وبرأيي الخاص، حتى الطفل اللبناني يعاني في مكان. لأن الطفل اللبناني يحتاج إلى وققت ليتأقلم مع طفل نازح من بلد آخر. من خلال تواجدي مع الأطفال في بداية الأمر لاحظت أن هناك بعض الحساسيات في التعامل. وبعد ورشة العمل والتدريبات تحسّن الوضع. وبرأيي، يعود الأمر للأهل، وبحسب تربيتهم للطفل، والبيئة التي نشأ فيها، أكيد وجدنا لدى بعض الأولاد هذه النزعة العنصرية، لا يمكنني إنكار ذلك، إنما بعد التدريبات، تكاتف الأولاد وتضامنوا وتقبّلوا بعضهم أكثر لأنهم أرادوا أن يعكسوا صورة أكثر إيجابيّة على عكس المجتمع الراشد. لقد اجترحنا عملاً مصغّراً لنبرز أننا لا نريد هذه العنصرية ولا هذا التمييز.
وأضافت أمهز أن العمل استغرق شهرين من التحضير والتدريب، الأطفال بعد التدريب أصبحوا أصدقاء وتغيرت نظراتهم إلى بعض. وبالنسبة إلى الناحية النفسية لدى الأطفال، فرّغ الأولاد طاقاتهم المكبوتة، كانوا يملكون عدوانية مكبوتة، وعملوا بمساعدتنا على تفريغها. كان لديهم شيء ما أرادوا أن يعبّروا عنه كونهم أتوا من بيئة معينة فيها قمع وكبت وحرب ودمار وصدمات تعرّضوا لها في حياتهم، منعتهم من التعبير عمّا يدور في دواخلهم.
وعن النشاطات اللاّحقة قالت أمهز: نحن نفكّر بزيارات وجلسات توعية ودعم نفسي اجتماعي.
وقالت سهى الشعّار السكرتيرة التنفيذية في «جمعية السعادة لأطفالنا»، والاختصاصية في العمل الاجتماعي: عملت مع لوما مع الأطفال في مسرحية «ليش هيك؟»، وبدأنا التحضيرات منذ شهرين. لم تكن الفكرة قد تبلورت حينذاك لتكون مسرحية، كانت فقط فكرة نشاطات نودّ القيام بها، وعندما اكتملت التحضيرات، اختمرت الفكرة فقدّمنا المسرحية.
بدوري كاختصاصية اجتماعية، أركّز على الطفل وبيئته وعائلته ومحيطه بشكل أكبر، الأولاد السوريون لم يتقبلوا في بادئ الأمر الطفل اللبناني والطفل الفلسطيني. حين قلنا للأطفال أن أطفالاً من لبنان وفلسطين سيشاركونكم التمثيل في المسرحية، شعرنا أن لديهم انزعاجاً من الفكرة. وحين بدأنا العمل، تأقلموا مع الموضوع.
العمل الذي قدّمناه ليس عملاً مسرحياً أو فنياً أو إبداعياً، نحن عملنا على توعية الأطفال حول موضوع ما. بعد هذه المسرحية لاحظنا أن الأطفال أصبحوا أكثر إدراكاً، ووعيا حول العنف وخطورته.
وأضافت الشعّار: أخبرنا الأطفال عن أشخاص لبنانيين في صبرا فقراء ومهمّشين، وهم بحاجة إلى مساعدة. وأخبرونا عن جوّ التعنيف الحاصل بين الأطفال في هذه المنطقة، خصوصاً بين الأطفال من جنسيات مختلفة لدى عودتهم من المدرسة إلى المنازل. فأصبح الطفل يتعرّض لروتين حياتي يتكرّر معه يومياً، ويضطره إلى السكوت والشعور بالانكسار والاذلال. وإذا الطفل سكت عن هذا الموضوع سيسكت عن مواضيع أكثر وأكبر في حياته. المهم أن يدافع الطفل عن نفسه، إنما يجب ألا يعتاد على مدّ يده لضرب الآخر وأذيّته.
وقال حمزة الحاج عبد الله 11 سنة طفل من «مركز بكرا أحلى»: نحن نداوم في المركز كدراسة. وأتت لوما وسهى وتعاونا مع المركز. فبدأنا النشاطات معهما. كنّا نرسم ونغنّي ونتدرّب خلال التحضيرات وكنّا سعداء ولا أحد أزعجنا. لقد رسموا البسمة على وجوهنا، وأشكر الآنسة سهى والآنسة لوما.
وعن مشهده المسرحي قال: دوري مهرّب حشيشة يسرق المال من أهله للتجارة.
وقالت مهى الشيخ فتوح، وهي طفلة سورية من حمص، وتقوم بدور حكواتي المسرحية: تحدّثت عن الأطفال السوريين الأبرياء المظلومين في هذا المجتمع. هناك أشخاص كثيرون تطوّعوا لتقديم المساعدة لنا، نقدّم الشكر لهم لأنهم جعلونا نعبّر عمّا يجول في داخلنا. ونشكر الدولة اللبنانية على تقديم ملجأ لنا بعد تهجيرنا من بلدنا بسبب الحرب.
وقالت رئيسة الهندي مسؤولة الأشغال اليدوية في «مركز بكرا أحلى»: لدينا حقائب مطرّزة وشالات وشعارات لجمعيات، نحن تابعين لجمعية «أس بي أوفرسيز»، وهي جمعية بلجيكية لمساعدة السوريين في صبرا. في المركز مشغل خياطة ندرّب فيه سيّدات سوريّات على الخياطة لكي يعتمدن على أنفسهن ويصبحن منتجات. لدينا حالياً 150 امرأة نقوم بتدريبهن، وخرّجنا 150 امرأة تعلّمن الخياطة، ولدينا مدرسة، إضافة إلى نشاطات للطلاب، وشاركنا في هذا النشاط بالتنسيق مع «جمعية السعادة لأطفالنا»، درّبنا الأطفال على المسرح، الأشغال اليدوية اشتغلها الأطفال، والأشغال الأكثر حِرفية أنجزتها السيّدات.
«ليش هيك؟»، عمل مسرحي يحاكي واقعَ مجتمع يعاني خللاً في بنتيته وتوازنه، مجتمع ظالم غير قادر على إنتاج جيل صحي ومتوازن.