جماعة القراءات الخاطئة
وليد زيتوني
وليد زيتوني
تختصر بل تخفف وثائق «ويكليكس» من العلاقات السياسية والتمويلية للجماعات التي ترتبط بنهج المملكة السعودية والتي تتبع إملاءاتها المباشرة. فالحقيقة أنّ العلاقة بين هذه الجماعات و«سفارة العمارة» السعودية، أعمق وأقوى وأكرم بالعطاءات مما كشفت عنه هذه الوثائق. فالسفير السعودي في لبنان ليس أقلّ شأناً من عبد الحميد غالب السفير المصري في مرحلة فؤاد شهاب ماضياً. وليس أقلّ كرماً من السفير الأميركي جيري فيلتمان في مرحلة الانقلاب اللبناني على سورية. فالوصاية المصرية تتشابه مع الوصاية الأميركية والوصاية السعودية الحالية. هذه الوصايات أيضاً حكمت لبنان من رئيس الجمهورية حتى «شاوي الماء»، مع فارق وحيد ميّز هذه المرة القدرة المالية الواسعة على شراء الذمم، وتسخير معظم الإعلام للتطبيل والتمجيد وتنفيذ الأجندات المرسومة سلفاً للمنطقة.
ربما أظهرت هذه الوثائق الجديدة مع ما سبقها وما سيتبعها لاحقاً أنّ جساسات «أنتينات» بعض السياسيين في لبنان لم تكن أكثر من تعليمات واضحة، مطلوب تسويقها لخدمة مشروع هذه السفارات. وظهر جلياً عند تعثر التقدّم في المشاريع المطروحة تنعكس سلباً على أداء المتلقين، فتتبدّى وكأنها تقلّبات خاضعة لمزاج الأشخاص أكثر من الإيحاء بأنها تراجع في المشروع العام. فالخاسر دائماً محلي والرابح دائماً خارجي. غير أنّ هذه الفئة لم ولن تتعلم من التجربة، ربما لانغماسها المطلق إلى أعماق لا تستطيع التخلص منها.
وليد جنبلاط مثلاً، لم يتعلم من مواقفه السابقة وآخرها فخ «قلب لوزة» الذي نصبته له كلّ من «إسرائيل» وتركيا. بل أمعن في غيّه برفع وتيرة الكلام السياسي ضدّ سورية في حضرة الوالي العثملي في بيروت، تحت عنوان العمل لحماية الدروز في السويداء وجبل الشيخ وجبل السماق. هنا لن نكرّر ما قلناه الأسبوع الماضي، والأخطاء المرتكبة بالتعاون مع هذه الفئات التكفيرية. وبأنّ هذه العصابات المسلحة ليست إلا أدوات تتحرّك بأوامر السلطان العثملي وتوجه بالفكر الصهيووهابي عبر غرفة عمليات أردنية تقودها أميركا.
يجب أن يعرف جنبلاط أنّ عهد الوصاية الجنبلاطية على الدروز، بخاصة في سورية، قد ولّى إلى غير رجعة، تماماً كوصايات غيره. فالسوريون في السويداء كما في كلّ سورية وحدهم من يقرّرون موقفهم، ويعرفون الصالح من الطالح. ويعرفون أيضاً مصالحهم القومية والوطنية. فالزيارات إلى الأردن وتركيا والسعودية لن تنتج تغييراً في المشروع المرسوم الذي يخدم مصالح جنبلاط الإقطاعية والسياسية.
كأنّ جنبلاط لم يقرأ بعد الثبات الروسي على دعم الرئيس بشار الأسد والسلطة والجيش والشعب السوري، وأنّ روسيا لن تتحرك قيد أنملة عن موقفها المعلن والضمني، فهي لن تسمح بأن تتحوّل سورية إلى ليبيا أخرى، وأنها لن تساوم على آخر معاقلها على البحر الأبيض المتوسط. بل روسيا تحسّن مواقعها العالمية وتحصّنها من خلال الاتفاقات الاقتصادية مع ألمانيا واليونان، وحتى تركيا المرفوضة من الاتحاد الأوروبي والتي تضغط عليها الولايات المتحدة الأميركية بواسطة الأكراد لمنع ما يجول في عقل أردوغان من أحلام للتمدّد في الشمال السوري، علماً أنّ مشروع أردوغان سقط داخلياً بالانتخابات الأخيرة.
وكأنّ جنبلاط لم يقرأ تعثر «عاصفة الحزم» السعودية في اليمن، وأنّ الحوثيين أصبحوا على باب المندب، وهو ما جعل السعودية تهرول باتجاه موسكو لإنقاذها من ورطة «الصبيان» الجدد كما قال عنهم الحرس القديم للمملكة.
وكأنّ جنبلاط لم يقرأ أنّ الولايات المتحدة نفسها تفتش عن معارضة بديلة من «جبهة النصرة» و«داعش» لإدخالها إلى طاولة المفاوضات في المرحلة اللاحقة. وأنّ «داعش» و«النصرة» على لائحة الإرهاب الأميركية نفسها.
أيها الواقفون على أبواب السفارات، إنّ قبض الأموال من الخارج والسيادة لا يتفقان.
كفّوا عن التشدّق بالعهر.