الحرب الالكترونية: سحر انقلب على الساحر… الردّ على الاختراقات الأميركية
شكل اختراق «جهة ما» تروّج الصحافة الأميركية اتهامات للصين لأجهزة مكتب إدارة شؤون الموظفين والسيطرة على بياناتها المختلفة، صدمة لكبار المسؤولين الأميركيين، ليس لناحية توقيته فحسب، بل للمدى غير المسبوق الذي أصاب بيانات شديدة الخصوصية لما لا يقلّ عن 4 مليون موظف ومجنّد في القوات المسلحة، وربما بيانات العاملين في أجهزة الاستخبارات. الإشارات الرسمية الأولى تسير في اتجاه اتهام الصين بأنها وراء القرصنة الالكترونية.
سيستعرض قسم التحليل أهمّ «نقاط الضعف» في المنظومة الالكترونية للأجهزة الحكومية، واتهام البعض الرئيس أوباما بالإخفاق للسيطرة عليها مبكراً، مما يزيد حجم الضغوط اليومية عليه من قبل الموالين والخصوم على السواء لاجتراح حلول «جذرية» على وجه السرعة.
سورية
حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من الإفراط في التوقعات بانهيار الجيش السوري او «تخليه عن النظام نتيجة الضغوط الميدانية». وأوضح «أنّ قوات الجيش العربي السوري بعد انقضاء أربعة أعوام من القتال المستمرّ، تتركز استراتيجيته راهناً على مهام دفاعية عن المواقع التي يعتبرها البعض حيوية لسورية…»
المملكة السعودية
فنّد معهد كارنيغي مقولة «الصراع على التوريث» داخل الأسرة السعودية، معتبراً أن منصب «ولي ولي العهد محمد بن سلمان قد لا يدوم أكثر من عهد والده… وسلطته الراهنة قد لا تكون قابلة للاستمرار». وأوضح «أنّ قلة من المتنفذين داخل الأسرة الحاكمة تبدي استعداداً لتحدّيه ما دام الملك على قيد الحياة…»، خاصة انّ «لقب ولي ولي العهد لا قيمة حقيقية له». وفي ما يتعلق بالعدوان على اليمن شاطر المعهد آخرين بالقول: «ليس في إمكان العاهل السعودي ونجله القبول بما هو أقلّ من النصر الكامل لا شك أنّ الأمير الشاب يريد أن يثبت مكانته جيداً قبل رحيل والده».
اعتبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى «أنّ العاهل السعودي استخدم نجله محمد كمبعوث خاص لزيارة موسكو، تحضيراً لرفع مستوى العلاقات الثنائية بصورة لافتة على الارجح». ودلل المعهد على البيان الرسمي الصادر بشأن الزيارة التي وصفها بـ«الفرصة لبحث العلاقات وسبل التعاون بين الدولتين الصديقين…» ورغبة الرئيس الروسي في «توسيع شقة الخلاف بين الرياض وواشنطن» حول الاتفاق النووي مع إيران.
اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مقتل أمير تنظيم «القاعدة» في جزيرة العرب ناصر الوحيشي تطوّراً هاماً، «بيد انّ المردود والفوائد ستكون قصيرة الأمد». واوضح انّ تاريخ الحروب يثبت انّ مقتل قادة وزعماء القوى المتطرفة للحدّ من نشاطاتها لم يثبت جدواه «ويتمّ استبدالهم على الفور». واضاف «ان تنظيم القاعدة قد يستغرق مدة زمنية اضافية لتركيز جهوده على أهداف محلية لتعزيز المكاسب الميدانية… والدفاع عن مراكز تجمّعاته ضدّ هجمات الحوثيين والقوات السعودية».
ايضاً اعتبر معهد المشروع الأميركي مقتل ناصر الوحيشي عملية «غير مجدية… لا سيما ما رافق مقتله من خسارة المعلومات الاستخبارية الهامة التي كانت في حوزته». واوضح انّ معلومات حيوية بالمستطاع استنباطها عبر استجواب المعتقلين قد ذهبت أدراج الرياح بمقتله. وسخر من استراتيجية الرئيس أوباما الرامية الى «التخلص من البيانات الاستخبارية الضرورية لجهودنا وإلحاق الهزيمة بالقاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية ـ داعش…»
إيران
حثّ معهد كارنيغي صناع القرار في الولايات المتحدة توكيل الحلفاء الاوروبيين «اتخاذ المبادرة للتفاوض مع ايران… نظراً إلى ما ينطوي على سياق التوصل إلى اتفاق نووي من إرهاق للطرفين، طهران وواشنطن، وغياب الرغبة لاستيعاب وجهتي نظرهما لبعضهما البعض». واوضح ان نقطة الانعطاف النهائية هي ما يرشح دور الاتحاد الاوروبي «وتركيز الجهود على عنصر ثالث… الحدّ من تسييس وتجزئة مجالات تعاون مرتقبة»، من بينها «أمن الملاحة التجارية في الخليج والوضع في قطاع غزة… اللذين يستطيع الاتحاد الاوروبي الانخراط مع ايران بشأنهما»، والاخذ بعين الاعتبار انّ كلا من الولايات المتحدة وايران لم توقعا على الاتفاقية الدولية لقانون البحار.
اتهم المجلس الأميركي للسياسة الخارجية فريق واشنطن للتفاوض النووي «بإعلاء التوصل لاتفاق نووي والتغاضي والتقليل الى الحدّ الأدنى من أصوات إيران الاخرى خاصة تلك التي لا تشاطره رؤيته لإيران بأنها تشكل شريكاً استراتيجياً محتملاً وفرصة استراتيجية للولايات المتحدة… اذ تنظر ادارة الرئيس أوباما إلى إيران كحليف مرتقب في الحرب ضدّ الدولة الاسلامية ـ داعش في العراق».
أميركا من الداخل
رصد معهد كاتو للأبحاث ما أسماه التوجهات السياسية لدى جيل الألفية الأميركي، المولود بين 1980 1997، والذي يقدر تعداده بنحو 87 مليون فرد. وأوضح، استناداً الى دراسة معمقة أجراها، انّ غالبية أولئك «ينظرون الى العالم المحيط بهم بنظرة أقلّ عدائية من أسلافهم، واعتماد السياسات الخارجية بشكل أقلّ إلحاحاً للتعامل مع التحديات المحتملة». وأضاف: «إنّ الجيل الألفي أبدى تأييداً أكبر لسبل التعاون الدولي قياساً إلى الاجيال السابقة… وجهوزيته اعتبار الصين شريكاً أكثر من منافس، واعتماد لغة التعاون بدل المواجهة معها». وفي ما يخصّ تداعيات حربي أفغانستان والعراق، أوضح المعهد انّ جيل الأفية «اقلّ ميلاً إلى دعم استخدام القوات العسكرية وربما يعاني داخلياً من عقدة النفور من العراق».
قرصنة هائلة لبيانات ملايين الموظفين الأميركيين
التجسّس على خصوصية الآخر، رغم بشاعته، أضحى أمراً شبه متعارف عليه بين الدول، بشكل خاص، ولا تخضع آلياته لأية اعتبارات، لا سيما بعد انكشاف المديات غير المسبوقة في التاريخ التي تطبّقها الولايات المتحدة وأجهزتها الأمنية المتعدّدة على كافة سكان الكرة الأرضية، ومن ضمنهم مواطنيها ومسؤوليها الأميركيين.
تعرّضت مطلع الشهر الجاري السجلات الأميركية الخاصة بموظفي الدولة الرسميين الى عملية اختراق الكتروني، تجسّس بلغة العصر، عمدت الحكومة الى التحكم بتداعياتها، تنسفها وتخفف من وطأتها مرة والإقرار جزئياً ببعضها مرة أخرى. وخرج الرئيس أوباما في نهاية المطاف رسمياً ليضع حداً للجدل وليقرّ بوقوع الحادثة بشكل واسع في مكتب إدارة شؤون الموظفيين الحكوميين، الذي يحتفظ ببيانات خاصة للموارد البشرية تعود لنحو 4 ملايين موظف ومسؤول في الحكومة الفيدرالية، يعود تاريخها إلى عقد من الزمن.
وأوضحت يومية «واشنطن بوست»، 12 حزيران، حجم الاختراق الهائل بالقول «إن قاعدة البيانات ربما تحتوي على ملفات لبعض موظفي وكالة الاستخبارات المركزية… ومعلومات شخصية تتعلق بالمعاملات المالية وبيانات الاستثمار الخاصة، وبيانات عوائلهم ومعارفهم من الأجانب وهوية الجيران والاصدقاء». أيضاً، علقت وكالة «اسوشييتدبرس» بالقول «انّ ما تضمّنته تلك البيانات معلومات حساسة وفرها أعضاء في أجهزة الاستخبارات والجيش القوات المسلحة تتعلق بخلفية متقدّمي الطلب للحصول على موافقات أمنية بدرجات سرية مختلفة بحيث يمكن أن تجعلهم عرضة للابتزاز».
اكتشاف الاختراق تمّ بطريق الصدفة عند قيام شركة «ساي تيك» بعرض برنامج ترويجي لخدماتها الأمنية لمكتب شؤون الموظفين عينه، «واكتشفت» برنامجاً خبيثاً فايروس يختبئ في جنبات نظمها وشبكاتها الداخلية «والذي ربما مضى عليه عام أو أكثر».
رئيس «الاتحاد الأميركي لموظفي الدولة»، ديفيد كوكس، أعرب في كتاب وجهه إلى مكتب ادارة شؤون الموظفين عن عظيم قلقه وأقرانه من فشل الجهاز الحكومي الرئيس المخوّل بحماية البيانات الخاصة من السرقة والقرصنة. وقال: «نحن على اعتقاد بأنّ القراصنة استولوا على بيانات حيوية لكلّ من تعرّض لها، لا سيما رقم الضمان الاجتماعي، السجلات العسكرية وأوضاع المحاربين القدامى، عناوين سكناهم، تاريخ ولادتهم، مرتبة العمل وسلم الرواتب، سجلات الضمان الصحي والتأمين على الحياة والمعاشات التقاعدية السن، النوع، الجنس، المكانة النقابية، وامور أخرى. بل الأسوأ اعتقادنا بأنّ أرقام الضمان الاجتماعي لم يتمّ تشفيرها، إنه خلل فاضح للأمن الالكتروني ولا يمكن تبريره على الاطلاق».
تحرك الإدارة وأجهزتها رسمياً لم يأتِ إلا بعد انقضاء 4 أشهر على اكتشاف الصدفة المذكور، بيد أنها سارعت إلى قطف الثمار بإعلان مسؤوليتها عن الاكتشاف. وأوضحت وزارة الأمن الداخلي انّ برنامجاً خاصاً بها له الفضل في تعقب واكتشاف البرامج الضارة، الفايروسات، يطلق عليه «برنامج آينستاين». واشارت مصادر علمية الى «انّ طواقم مكتب شؤون الموظفين لم يتضمّن فريق عمل مختصّ بالحماية الأمنية للأجهزة الالكترونية إلا بعد عام 2013».
مسؤولية الصين مبهمة
يعتبر القائد العسكري الصيني، صن تزو، رائد مفهوم التجسّس وتكوينه أول شبكة استخبارية كاملة في العالم، منذ نحو 2500 سنة، في كتابه الشهير «أصول الحرب»، أقدم كتاب عن فنّ الحرب ويدرج في مناهج الأكاديميات العسكرية الحديثة. اعتبار الحرب «فناً» أو منظومة «علمية» لا تزال تشغّل الاستراتيجيين في العالم، بيد انّ صن تزو وضع أسساً علمية لمفاهيم إدارة الحرب «واكتشاف قوانينها الموضوعية» وتصنيفه الجاسوسية الى مرتبات خمسة، مطالباً بحسن معاملة «العميل الذي أمكن إقناعه بتغيير وجهته… وإغرائه لاستمالة زملاء ورؤساء سابقين…»
تحديد ما جرى بدقة من اختراق جاء على لسان المدير السابق لوكالة الأمن القومي والمدير السابق ايضاً لوكالة الاستخبارات المركزية، مايكل هايدن، قائلاً: إنه اختراق كبير هائل… البيانات الشخصية تشكل هدفاً مشروعاً لأجهزة الاستخبارات الأجنبية… شعوري العميق أنه إحراج مربك». صحيفة «وول ستريت جورنال،» 15 حزيران . هايدن اتهم «وزارة أمن الدولة» في الصين بضلوعها في «جمع البيانات الاستخبارية بوسائل تشبه تلك المتبعة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية».
وختم هايدن كلمته امام حشد اختاره من محرّري كبريات الصحف بالقول: «انّ الاختراق عمل تجسّسي شريف. كافة الدول تمارسه بما فيها نحن».
ردّدت كبريات وسائل الاعلام الأميركية، المطبوعة والمرئية، الاتهامات الرسمية الموجهة إلى الصين عن مسؤوليتها بذلك. وردّت الصين عبر بيان صادر عن بعثتها الديبلوماسية في واشنطن «تحذر من توجيه الاتهامات جزافاً من دون تبيان الحقائق… مؤكدة تجريم قوانين الصين الجارية لعمليات القرصنة الالكترونية بجميع أشكالها…»
في تحديد المسؤولية رسمياً، لوحظ تفادي البيت الابيض الإشارة الى مسؤولية الصين، أفراداً أو هيئات حكومية، ربما لاعتقاده انّ الدلائل المتوفرة غير قاطعة. وذهبت يومية «ديفينس نيوز»، 18 حزيران، أبعد من ذلك بالقول «انّ الإدارة في موقف حرج انْ اختارت توجيه التهمة مباشرة نظراً إلى أنّ القواعد وآليات التجسّس الالكتروني المعتمدة تضع بيانات موظفي الدولة الفيدرالية في خانة الأهداف المشروعة. وفي عصر الانترنت تتوفر مجالات تجسّس على نطاق واسع لم تكن قائمة إبان الحرب الباردة».
تقدير حجم الضرر
تحرك الكونغرس على عجل للاستماع إلى شهادات أخصائيين في الأمن الالكتروني والتحقق من حجم البيانات وعمق الاختراق، والتوقف عند كيف ولماذا نجح الاختراق بهذا الحجم الهائل، والذي سبقته سلسلة أخرى من قرصنة لأجهزة هيئات حكومية حساسة.
وخلصت لجانه المختصة للقول «انّ عدد الأميركيين المتضرّرين من الحادثة عينها غير معروف»، ويقدّر بأنه قد يصل إلى نحو 14 مليوناً ويشمل كافة موظفي الدولة الحاليين، والذين بلغوا سنّ التقاعد، ونحو مليون فرد من الموظفين الرسميين السابقين».
وكشف النقاب أيضاً عن محاولة قرصنة إضافية، في سياق التحقق من حجم «الاختراق الهائل»، يعتقد انّ المسؤولية تعود إلى الصين مرة أخرى، وتحكم القراصنة «بسجلات شخصية حساسة تعود إلى عناصر في أجهزة الاستخبارات والقوات المسلحة سعياً للحصول على تصنيف الموافقة الأمنية»، للمراتب والمواقع المعنية. وكالة «اسوشيتدبرس» للانباء، 12 حزيران، اوضحت بأنّ مسؤولي الدولة يعتقدون انّ جهود القرصنة الاخيرة «اسوأ بشكل كبير مما كان يعتقد في البداية».
في التفاصيل، تشترط الأجهزة الأمنية من المنتسب استكمال «النموذج الاعتيادي رقم 86»، الضخم والذي يتطلب معلومات وافية ومفصلة عن تاريخ الشخص منذ بدايته مرحلة الدراسة الابتدائية وكلّ معارفه وأصدقائه وأقربائه، وأماكن إقاماتهم وبياناتهم المالية فضلاً عن الحالة الصحية والنفسية واستهلاك الكحول والمخدرات، وحالات الاعتقال السابقة من قبل أي جهاز شرطة او مؤسسة فيدرالية وتفاصيل المرة او المرات التي أعلن فيها الشخص حالة الافلاس، الى ما هنالك من بيانات إضافية. وما ينطبق على الفرد المنتسب ينطبق ايضاً على الزوج/ة او «شريك الحياة».
نشرت وكالة «رويترز» تقريراً العام الماضي يفيد بأنّ بيانات الضمان الصحي تباع «في السوق السوداء» بثمن بخس لا يتعدّى 10 دولارات، وترتفع القيمة لطبيعة الملف وقد تصل إلى نحو 500 دولار. الاستخدامات اليومية لتلك المعلومات المسروقة متعدّدة، بعضها يتسم بالبراءة للحصول على وصفات طبية لشراء الأدوية بتنوّعاتها المختلفة، والبعض أشدّ ضرراً تشمل تقديم تقارير كاذبة لشركات التأمين الصحي.
بيانات برنامج الرعاية الصحية الشامل، أوباما كير، على مستوى الدولة الفيدرالية وما يعادله على المستويات المحلية في الولايات المختلفة أيضاً تعاني من تنامي حالات الخلل التقني مما يجعلها عرضة للقرصنة. وأوضح تقرير أعدّه «مكتب المحاسبة الحكومي»، العام الماضي، أنه استطاع تحديد «عدد لا يحصى من الثغرات الأمنية» في البيانات الحكومية، لا تقتصر على تفاصيل الحماية الأمنية البديهية، بل تتضمّن غياب ايّ إجراءات او تدابير بديلة لحوادث الطوارئ، وغياب القيود «التقنية لحماية سرية وسلامة وتوفر» البيانات المطلوبة.
تعرّض البرنامج المذكور الى حالة قرصنة وسطو على محتوياته منتصف العام الماضي، وإدخال برنامج ضارّ في الاجهزة المركزية لم يتمّ اكتشافه الا بعد بضعة أسابيع. وزارة الصحة العامة، المشرفة على برنامج الرعاية الشامل، لم تشأ الإبلاغ عن الفضيحة واحتفظت بها، وبالغت في إنكار الحدث عند اكتشاف الأمر. واتخذت من القوانين والإجراءات السارية غطاء قانونياً لعدم إبلاغ اصحاب البيانات التي تعرّضت للسطو، ورفضت تقديمها ضمانات للإبلاغ عن ايّ اختراقات مقبلة.
تقارير تحقيقات المفتش العام للدولة كانت قاسية نحو أداء مكتب شؤون الموظفين بشكل خاص واتهمه بالمعاناة من «ضعف بنيوي في هياكل التحكم الداخلية… وعجز كبير في الإدارة وصيانة الموارد». كما أصدر المفتش العام تحذيرات متعدّدة لمختلف أذرع الحكومة يناشدها بذل جهود ملموسة في مجال الأمن الالكتروني.
أفاق تغيير أساليب الأمن الالكتروني
منذ مطلع العام الجاري وضع الرئيس أوباما مسألة الأمن الالكتروني على رأس سلم أولوياته، في أعقاب قرصنة أجهزة شركة «سوني» دشنها بإعلان عن جهد مشترك مع الحكومة البريطانية لإنشاء «خلية انترنت لمكافحة عمليات القرصنة… التي تشكل إحدى أخطر التحديات التي تواجه الأمن الوطني والاقتصاد في بلدينا».
اتخاذ الإجراءات الأمنية مسألة تدخل في عمق صلاحية السلطة التنفيذية وتوابعها، بينما يسعى الكونغرس إلى إدراج الأمر على جدول مناقشاته وإصدار قانون «يجيز موقتاً» لوكالة الأمن القومي جمع البيانات المتصلة بالاتصالات الهاتفية للأميركيين، يرافقه تبني بند يعزز من مجال المراقبة القضائية لاستخدام الأجهزة الأمنية لتلك المعلومات.
منتصف شهر شباط من العام الجاري حلّ الرئيس أوباما ضيفاً على جامعة ستانفورد العريقة، في ولاية كاليفورنيا، معلناً وثيقة تتعلق بسبل حماية الأمن الالكتروني، مناشداً التعاون الوثيق بين أجهزة الدولة المختصة والقطاع الخاص والمعاهد التعليمية لمواجهة التهديدات المنظورة، لا سيما أنّ «الحكومة الفيدرالية غير قادرة بمفردها على مجابهة التهديدات، كما انّ القطاع الخاص لا يستطيع المواجهة بمفرده ايضاً…» تبعه إعلان وزير الأمن الداخلي، جيه جونسون، 22 نيسان، عن قرب افتتاح مكتب ملحق بالوزارة في كاليفورنيا، وادي السيليكون، لتعزيز الجهود المشتركة مع مراكز التقنية المتطورة.
أعلنت وزارة الدفاع الأميركية تلقائياً عن تبنيها وثيقة «استراتيجية الأمن الالكتروني»، التي تنصّ على وجوب جاهزية البنتاغون «كي تكون قادرة على استخدام نشاطات الكترونية لتعطيل شبكات القيادة والسيطرة لدى العدو وبنيته التحتية المرتبطة بالجيش وقدراته التسليحية».
في 8 حزيران الجاري أعلن سلاح البرّ في القوات الأميركية عن «إيقاف موقت» لموقعه الالكتروني عقب تمكن مجموعة تدعى «الجيش السوري الالكتروني» السيطرة عليه ووضع رسائل عدة، إحداها قالت: «قادتكم يقرّون بأنهم يدرّبون الأشخاص الذين أرسلوهم ليُقتلوا في المعارك».
كشف النقاب بعد بضعة أيام، 13 حزيران، عن تعرّض فرق التفاوض النووي المختلفة في جنيف، ومقرات إقامتها في ثلاث فنادق، لعمليات تجسّس الكترونية من قبل «إسرائيل» تحاكي برامج الاختراق السابقة المعدّة ضدّ المنشآت النووية الإيرانية. شركة روسية مختصة في مجال الأمن الالكتروني، كاسبيرسكي، قامت بإجراءات التحري والتدقيق. الحكومة الأميركية لم تعلق مباشرة وسعت إلى طمأنة الوفود كافة بمدى الجدية التي تنظر اليها لسلامة وسرية المفاوضات الجارية على قدم وساق.
على الرغم من الخطوات الحثيثة للبيت الأبيض السيطرة على جهود القرصنة، الا انّ تقارير مكتب المفتش العام للدولة الفيدرالية تشير الى استمرار وجود ثغرات بنيوية في السبل المنشودة، لا سيما انّ معظم الأجهزة والإدارات المعنية «أخفقت في تطبيق الإصلاحات المطلوبة منذ عام 2013». يومية «واشنطن بوست»، 7 حزيران، أوضحت انّ 23 هيئة من مجموع 24 من الأجهزة الرئيسة أقرّت بأنّ المسائل الأمنية «أضحت تحدياً إدارياً كبيراً لهياكلها القائمة. في ذات السياق نقلت يومية «نيويورك تايمز» على لسان مسؤول سابق رفيع المستوى في إدارة الرئيس أوباما ساخراً من «صبر الصين طيلة الفترة الماضية» بينما الأجهزة تشكو من ندرة قدرتها على حماية ما لديها من بيانات حساسة.
خصوم الرئيس أوباما يأخذون عليه عدم حماسه لتطبيق الإصلاحات الأمنية «خشية اضطراره إلى الاستغناء عن خدمات بعض المسؤولين المقرّبين»، بينما الأجواء الانتخابية بدأت ملبّدة بالنسبة إلى مستقبل الحزب الديمقراطي. البعض الآخر يعتقد انّ تلكؤ الرئيس أوباما ربما يعود إلى خشيته من تحوّل الموظفين بعد الإقالة الى الكشف عن المزيد من جهود التجسّس الجارية «وإحراج» الإدارة مجدّداً.
الرئيس أوباما، كما يعتقد، ليس في عجلة من أمره للإقرار بفشل أداء الأجهزة الحكومية المختصة خلال سنوات سبع مضت على ولايته الرئاسية، وما يعرف عن مزاجه الرافض للاعتراف بالأمر. في محصلة الأمر، يستمرّ الحال على ما هو عليه من غياب لجهود داخلية منسقة على المدى المنظور.