لهذه الأسباب يصرّ الجيش السوري وحزب الله على خوض معركة القلمون…
باريس – نضال حمادة
تشكل سلسلة جبال القلمون منطقة معابر استراتيجية في الوسط السوري وفي لبنان، وهي بفعل تضاريسها الصعبة وقممها العالية المستقيمة الشكل تعتبر حاجزاً طبيعياً وحصناً عسكرياً في الحرب الدائرة في سورية وعليها منذ خمس سنوات.
أتى دخول حزب الله في الحرب السورية متأخراً بعدما حشد الغرب ودول الخليج آلاف المقاتلين التكفيريين من جميع أنحاء العالم، وأتوا بهم إلى سورية، وبعدما وصل هؤلاء التكفيريون إلى منطقة الهرمل في البقاع الشمالي اللبناني، والتي تعتبر حاضنة شعبية ومعقلاً قوياً للمقاومة في لبنان.
وبالرجوع إلى أحداث الحرب في سورية نجد أن تنظيم «القاعدة» دخل الحرب قبل أن يدخلها حزب الله بسنتين، وأنّ تنظيم «داعش» دخلها عبر «القاعدة» في عام 2012 وتحت اسم «دولة الخلافة» عام 2013 قبل أشهر من دخول حزب الله.
وشكلت منطقة القصيْر والحدود اللبنانية السورية في البقاع الشمالي نقطة اشتباك بين حزب الله والمسلحين التكفيريين الذين أدركوا أهمية جبال القلمون في حربهم لإسقاط النظام والدولة السورية، فعمدوا منذ بداية الحرب إلى السيطرة على هذه الجبال والتموضع داخل وديانها العميقة وتلالها العالية وكهوفها الكثيرة.
في عام 2014 حرّرت المقاومة والجيش السوري مدينة يبرود آخر معاقل «جبهة النصرة» في بلدات وقرى القلمون، وانتقل مقاتلو التنظيم الإرهابي إلى الجرود حيث بدأوا حرب استنزاف على الأرض وفي الإعلام، ركزت بداية على الجيش اللبناني وعلى الرأي العام في لبنان، وانتقلت إلى القرى اللبنانية المحاذية للقلمون التي تتعرّض من وقت إلى آخر لقصف صاروخي وعمليات هجوم كثيرة أفشلتها المقاومة والجيش اللبناني، كان آخرها هجوم تلال المذبحة القريبة من كسارات حسياء الواقعة على الضفة الغربية لطريق دمشق حمص والقريبة من جرود القلمون اللبناني في رأس بعلبك والقاع وعرسال.
خلال السنة التي أعقبت تحرير يبرود، وصل «تنظيم الدولة الإسلامية ـ داعش» إلى جرود القلمون عبر مجموعات صغيرة انشقت عن «النصرة»، وثم عبر إمدادات وصلت من شرق حمص حيث للتنظيم تواجد في حقل الشاعر وبلدة القريتين، وغطى هذا القدوم عملية تمويل ضخمة حيث أغدقت الأموال القطرية والإماراتية على المسلحين القادمين تحت راية «داعش» وعلى حاضنتهم في بلدة عرسال اللبنانية، في وقت انشغل فيه حزب الله بمؤازرة الجيش السوري في ريف دمشق وفي حمص وصولاً إلى حلب وريفها في الشمال السوري. كلّ هذا والمجموعات التكفيرية تتحصّن في جرود القلمون، وفي هذه الفترة تمّ اختطاف جنود الجيش اللبناني وبدأت عملية ابتزاز للرأي العام في لبنان مترافقة مع عمليات ذبح وإعدام للجنود وعناصر الدرك المختطفين لدى «النصرة» و«داعش» في جبال القلمون.
لغاية شهر شباط الماضي لم يكن الوضع العسكري في سورية ضاغطاً، لذلك كان التمهّل سمة الموقف في حسم الوضع في القلمون، غير أنّ حجم التدخل العسكري الدولي في سورية شهد منعطفاً تصاعدياً خطيراً منذ شهر آذار الماضي عبر إنشاء غرفة «الموك» في الأردن مع تقدّم لمسلحي «النصرة» ولواء حوران ولواء اليرموك بمساعدة الطيران والمدفعية «الإسرائيليتين» على جبهات الجولان والقنيطرة وفي درعا، فضلاً عن حجم التدخل العسكري التركي في الشمال السوري، في إدلب وحلب، بالتزامن مع التدخل «الإسرائيلي» في الجنوب، وأتى أيضاً تقدّم تنظيم «داعش» في الشرق السوري بمحاذاة صحراء حمص، وفرض على حزب الله والجيش السوري الإسراع في خوض معركة القلمون وحسمها في وقت مقبول نسبياً لمنع أي اختراق عسكري وسياسي للمعارضة السورية وحلفائها، ويكفي النظر إلى خريطة المناطق التي ذكرنا تقدّم المسلحين فيها لنرى محورية جبال القلمون في وقف تقدّم هؤلاء، والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
1 ـ التقدّم الذي تحلم به وتخطط له الفصائل التكفيرية من ريف إدلب باتجاه حماة وحمص ومن ثم دمشق، سوف يجد أمامه عقبة القلمون التي يسيطر عليها الجيش السوري وحزب الله.
2 ـ الهجوم الذي يشنّه «داعش» من الشرق عبر بادية تدمر إلى حمص سوف يجد أمامه عقبة جبال القلمون المسيطر عليها الجيش السوري وحزب الله.
3 ـ استراتيجية الدفاع عن دمشق وحفظ خطوط إمدادها مع الوسط والساحل السوريين تحتاج القلمون وجباله، خصوصاً أنّ جبهة الجنوب هي الأقرب والأخطر على العاصمة السورية.
4 ـ لجبال القلمون أهمية كبرى في الدفاع عن العاصمة اللبنانية بيروت، لأنّ هذه الجبال تتصل بالبقاعين الغربي والأوسط من ناحية الزبداني السورية، بالتالي فهي مفتوحة على البقاعين الغربي والأوسط حتى بلدة شتورا مدخل العاصمة اللبنانية من جهة البقاع وسورية.
5 ـ يأتي العامل «الإسرائيلي» المنخرط في الحرب السورية إلى جانب المسلحين ليجعل تحرير القلمون مسألة حياة أو موت في أية مواجهة مقبلة بين حزب الله و«إسرائيل»، حيث أن إمساك المقاومة بسلسلتي جبال لبنان سوف يجعل وضعها العسكري أقوى في الحرب المقبلة.
إذن… هذه الجبال تحدّد مصير كلّ المعارك المقبلة ومن يسيطر عليها يمتلك تفوّقاً استراتيجياً لا يضاهيه تفوّق في الحرب الدائرة في سورية حالياً.
من هنا تأتي أهمية الإنجازات التي تحققت خلال شهر من بدء الهجوم لتحرير تلك الجبال، ومن هنا أيضاً يأتي إنجاز القيادات العسكرية للمقاومة بالانتصار والتقدّم في ظلّ خسائر بشرية قليلة، مقارنة بأهمية المنطقة وصعوبتها الجغرافية وحجم القوات المعادية التي كانت تسيطر عليها ونوعية المقاتلين التابعين لـ«النصرة» وهم من المتمرّسين في القتال، وأيضاً أتت معركة تلال المذبحة مع «داعش» لترسي معادلة جديدة في الحرب بين «داعش» المتقدّم في أكثر من منطقة في سورية والعراق، والتي يلقي عليها الإعلام هالة الرعب، وبين حزب الله الذي هزمها في القلمون في معركة شديدة القساوة كان فيها «داعش» يتفوّق عددياً، من هنا تعتبر نتيجة المعركة في تلال المذبحة تضاهي بمفاعيلها النفسية والعسكرية نتيجة معركة عين عرب، فالمواجهة التي يخوضها محور المقاومة مع «داعش» بعد معركة تلال المذبحة غيرها قبل المعركة المذكورة.
تفاصيل من أرض المعركة…
نقطة المقاومة في تلال المذبحة ليست قديمة العهد بل هي أقيمت على مواقع كانت لـ«جبهة النصرة»، بالتالي فإنّ المقاومين الموجودين في النقطة لم يكن لديهم الوقت الكافي لتحصين موقعهم وتأمينه، بينما أظهرت المعركة أنّ «داعش» مستعد لهذا الهجوم منذ وقت طويل، حيث استخدم مدافع رشاشة من عيارات 14,5 و23 كانت تتمركز في نقاط ثابتة في محيط الموقع، فضلاً عن استخدام مدافع هاون، وهذه الأسلحة استخدمت في مساندة الرتل المهاجم لتلال المذبحة وكان يبدو من طريقة الهجوم ونقطة التسلل أن المهاجم يعرف الأرض ظهراً عن قلب وموجود فيها منذ زمن.
من أين أتت القوة المهاجمة؟
تقول مصادر ميدانية في المنطقة في حديث إلى «البناء» إنّ غالبية المهاجمين أتوا من شرق حمص، وإنّ وصولهم إلى منطقة القلمون كان عبر كسارات حسياء وتمّ تهريب عناصر القوة المهاجمة عبر شاحنات تحمل عمّالاً من قرية حسياء إلى كسارات حسياء. وتضيف المصادر أنه يتمّ تهريب مجموعات «داعش» من شرق حمص إلى القلمون في سيارات «بيك أب» تحمل نساء عاملات من حسياء إلى كسارات حسياء تنخرط بينهن عناصر «داعش»، وبمجرد وصولهم إلى الكسارات يمشي هؤلاء بضع ساعات ليلاً ليصلوا إلى أهدافهم في القلمون.