بعد النفط «داعش» يستخدم سلاح الماء والغذاء والصناعة

في الوقت الذي تشهد المنطقة توتّرات وصراعات بين دولها على المياه باتت تهدّد بنشوب حروب على المياه في المستقبل القريب، يتوقّع الخبراء المعنيّون في قضايا المياه أن يساهم «داعش» في استفحال هذه الأزمات وتزايد الصراع على المياه في العراق وسورية وتركيا، في إطار مساعيه أخيراً للاستيلاء على الأنهار، والتحكّم في السدود المائيّة منذ عام 2013.

وكانت مؤسّسة الاستشارات الدوليّة «برايس ووتر هاوس كوبرز» قد حدّدت 11 منطقة تشكّل موضع خلاف على المياه قابل لأن يتحوّل إلى نزاع في العالم، من بينها 4 مناطق في الشرق الأوسط هي منطقة تركيا – سورية – العراق، بسبب السدود التركيّة التي تتحكّم في نهري دجلة والفرات، ومنطقة إيران – العراق اللتان تتنافسان على شطّ العرب ملتقى دجلة والفرات، إلى جانب مصر – السودان أثيوبيا حول مياه النيل، فضلاً عن أزمة مصر – السودان – ليبيا – تشاد – النيجر، التي تدور على حقل مائيّ جوفيّ بعمق 800 متر. أمّا خزّان الحجر النوبيّ فتريد ليبيا استثماره لشقّ نهر اصطناعيّ لتمدّ بذلك سواحلها بالمياه العذبة.

وفي ما يتعلّق بالخطر الداعشيّ، نبّه مراقبون إلى خطورة اتّجاه هذا التنظيم الإرهابيّ أخيراً إلى استخدام المياه، كسلاح في حروبه. خصوصاً بعدما تمركز في مناطق الموارد المائيّة في سورية والعراق، ومن الواضح جدّاً أنّه يسعى إلى امتلاك مناطق مصادر المياه العربيّة. وباعتبار أنّ المياه تمثّل الحياة، فالاستيلاء عليها، بعد الاستيلاء على بعض مناطق النفط، ومنعها عن المستخدمين في الدول العربيّة شيء خطير.

يذكر أنّ مقاتلي «داعش» يسيطرون على معظم الروافد العليا الرئيسيّة لنهري دجلة والفرات، اللذين يتدفّقان من راعية التنظيم الارهابي في الشمال إلى الخليج في الجنوب، واللذين يعتمد عليهما كلّ العراق وجزء كبير من سورية في الغذاء والماء والصناعة. ومن المتوقع أن يؤدّي هذا التوجّه الداعشيّ بالتحكّم في نصيب من المياه، إلى أزمة صراع على المياه تفوق الصراع القائم على مصادر النفط، لأنّ المياه تمثّل قضيّة حياة أو موت.

واهتم المجلس العربيّ للمياه بالعمل على إعداد تقرير لمراقبة الوضع المائيّ المتأزّم في المناطق الخاضعة إلى تنظيم «داعش»، بعدما رصد خبراؤه كثيراً من التحرّكات الخطيرة في اتّجاه السيطرة على مصادر المياه العربيّة، رغبة في استخدامها كوسيلة ضغط، ومنها استيلاؤه على أحد السدود في العراق، وسيطرته على موارد للمياه ومحطّات للشرب في سورية. وقال: «سنعمل على تصعيد هذه المشكلة، على المستوى الدوليّ، لأنّه مؤشّر إلى كارثة إنسانيّة في عدد من الدول التي يتمركز فيها هذا التنظيم».

ووفقاً لتقرير صادر عن مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط في أيلول 2014، يرى «داعش» في السيطرة على الأنهار والسدود سلاحاً أهمّ من النفط.

ويأتي هذا التوجّه لتنظيم «داعش» للسيطرة على موارد المياه واستخدامها كسلاح في الحروب، متماشياً مع ما أعلنه التنظيم بمدّ ما يسمّى بالخلافة في بلاد الشام والعراق، وفقاً لبياناته التي نشرها التنظيم على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعيّ.

لا شك في أن حرب المياه هي ذلك الشبح الذي بات يطلّ برأسه على منطقة الشرق الأوسط. وإذا كان فقراء دول هذه المنطقة هم من يدفعون الثمن حاليّاً بسبب الصراع على النفط، فإنّ ضريبة حروب المياه ستطاول الجميع، باعتبارها معركة حياة أو موت.

والمياه فصل من فصول الحرب الدائرة في كل من سورية والعراق، وسلاح تكتيكي للمسلحين، فالمجموعات المسلحة تحاول السيطرة على السدود ومصادر المياه كوسيلة ضغط لتنفيذ مطالبها.

لنبدأ من سورية حيث السد المقام على نهر الفرات في المنطقة بين محافظتي الرقة ودير الزور هو الآن تحت سيطرة المجموعات المسلحة منذ بداية الأزمة السورية، واليوم يمثل «داعش» تهديداً مستمراً له من دون أن يقدم حتى اللحظة على قطع المياه عن الأراضي التي يخدمها السد كي لا يضر بأماكن سيطرته فقط.

ومن منا لا يتذكر أزمة المياه في حلب قبل عام تقريباً، حين تلاعبت «جبهة النصرة» بمضخات المياه وصماماتها لفصل شبكات الأحياء الشرقية عن الأحياء الغربية، ما أدى إلى قطع المياه لأسابيع عن الأهالي، حتى اضطر بعضهم لاستهلاك مياه غير صالحة للشرب.

أما نبع الفيجة الذي يروي أحياءً داخل العاصمة وحولها، فقطع عنه المسلحون المياه أكثر من مرة في محاولة للضغط على الجيش السوري ومنع تقدمه في عمليته العسكرية في الغوطة الغربية، واليوم تعاود المجموعات المسلحة محاولة الضغط بقطع مياه نبع الفيجة عن بعض أحياء العاصمة وتحويلها إلى نهر بردى إثر اشتباكات مع الجيش السوري في المنطقة.

اما في العراق وبعد السيطرة على مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، قطع داعش إمدادات المياه التي تغذي مناطق عدة من العراق، وذلك عبر إغلاقه السدود التي يسيطر عليها، كسد النعيمية في مدينة الفلوجة ثاني كبرى مدن محافظة الأنبار، حيث حول مسار المياه إبان سيطرة «داعش» على السد في نيسان العام الماضي، ويساعد هذا السد في توزيع مياه نهر الفرات الذي يمر عبر محافظة الأنبار.

كذلك سيطر التنظيم على سد الرمادي وأغلق جميع بواباته، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه إلى المدن المجاورة ومنها الخالدية ومعسكر الحبانية.

أما سد ناظم تقسيم الثرثار فيعد من أهم السدود وأكبر المنخفضات الطبيعية العراقية، سيطر عليه التنظيم مدة ثم تمكن الأمن العراقي من استعادته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى