«فرقة سورية للمسرح الراقص»… مواهبٌ على درب المجد

رانيا مشوّح

مرّة جديدة، تبرز المواهب السورية في مجالات الإبداع. فالسوريون الذين يعانون حرباً شرسة أخذت منهم الكثير، ما زالوا قادرين على الصمود في وجهها، مؤكّدين فشلها في النيل منهم. فهم العصيّون على الهزيمة، العازمون على التحدّي، مجابهو مرارة الواقع بحلاوة النجاح والطموح.

ومن النماذج السورية الطموحة التي أثبتت نفسها في وقت قصير، «فرقة سورية للمسرح الراقص»، التي كان لـ«البناء» لقاء مع مديرها ومؤسّسها نورس برّو، الذي حدثنا عن ماهية عمل الفرقة قائلاً: «فرقة سورية للمسرح الراقص أُسّست منذ سنتين، وهي فرقة تقدّم المسرح الكلاسيكي عموماً، أسوة بالفِرق العالمية التي تعمل في اختصاص الباليه والكلاسيك كرديف للأوبرا والفِرق السيمفونية. وتسعى دائماً إلى تمثيل سورية تمثيلاً حضارياً راقياً، حتى نتمكن من الارتقاء بِاسم بلادنا. وهاجسنا الدائم الابتعاد عن التشعيب والابتذال، وعن كلّ عمل لا قيمة له».

وأضاف: «منذ تأسيس الفرقة، ونحن نعمل على صقل المواهب الخام. وحرصنا الدائم يبقى على نوعية العروض لا على كمّيتها، ولا على مردودها. في الفرقة حوالى 55 عنصراً من راقصين ومدرّبين، كما أن الفرقة تتألف من ثلاثة مستويات أساسية وهي: جيل المحترفين، جيل المتدرّبين، وجيل الأطفال دون الثانية عشر. كما نسعى إلى تأسيس جيل من راقصي الباليه فوق عمر الخمسين».

على رغم حداثة عهدها، قدّمت الفرقة كمّاً من الأعمال المميّزة، واستطاعت من خلال هذه الأعمال حجز مكان لها بين الفِرق الهامة في سورية. وفي هذا الإطار قال برّو: قدّمت الفرقة عام 2013 «إنسان» في مسرح الحمراء في دمشق، وهوعمل «مودرن» إجمالاً، كون الباليه الكلاسيكي كان قيد التأسيس في الفرقة. ونحضّر حالياً لعمل «درب المجد»، وهو مهدى للجيش السوري في عيده بتاريخ الأول من آب المقبل. العمل أوبرالي درامي راقص ،يغلب عليه طابع «المودرن» مع دخول بسيط للباليه الكلاسيكي، وطبعاً لا يخلو من الفولكلور الشعبي الخاص بمنطقتنا وتراثنا.

وعن رأيه بتأثّر حركة المسرح الراقص بواقع الحرب التي تعانيها سورية قال برّو: «من المعروف أنّ الحروب والأزمات تنتج بدايةً فنّاً ومسرحاً وأدباً وغناءً ورقصاً. إنما للأسف، هذه الحالة مفقودة في بلادنا إلا في ما ندر. ومردّ ذلك الوضع الاجتماعي، وتوجّه الثقافة العامة باتجاه البوصلة الخطأ، إلى جانب سفر مبدعين كثيرين. وعلى رغم هذا، لا نجد مبرّراً لأي تأثير سلبي قد يحول دون تقديم مسرح في أيّ ظرف، إلا ما نشهده من انسياق الفنانين وراء أهوائهم، والتذرّع بظروف البلاد».

كما أوضح برّو دور المسرح الراقص، والرسالات التي بوسعه تقديمها في ظل الأزمة الحالية قائلاً: «باختصار، إن جلّ ما يستطيع المسرح الراقص فعله في هذه الظروف، أن يُجمِّل هذا الخراب، ويقدّمه كواقع، إنّما على شكل لوحة فنية راقصة وراقية. إذ يستطيع الناس النظر إلى أنفسهم من خلالها، والتعامل معها برقيّ كبديل عن بشاعة ما نراه في واقعنا الحالي».

وعن المبادرة التي أطلقتها مؤخراً «فِرقة سورية للمسرح الراقص» حدّثنا برّو: «الفِرقة تقوم بتدريب الكبار والأطفال عموماً بشكل مجاني. كما تقدم المكافآت المادية لهم، وتُظْهِرُهم على المسرح، وذلك بدافع وطنيّ بحت يهدف إلى إيصال صورة سليمة وراقية عن بلادنا إلى الخارج. والمقابل الذي نحصل عليه يتمثل في الفرح بالإنجاز الذي يلمَس بعد تدريب أولئك الأطفال وتقديم الخبرة والفن لهم. وفي الفرقة حالياً أكثر من 30 طفلاً وطفلة من مستويات اجتماعية مختلفة، تشكلت لديهم الرغبة بالتدّرب معنا. كما يعتبرون الفرقة بيتهم الثاني بصدق. والفرقة لا تزال تستقبل كل راغب في الالتحاق بها، والعمل تحت ظلها وتقديمه إلى الناس بطريقة تليق بسورية وتاريخها وعراقتها».

كل يوم، يضيف السوريون بصمة جديدة على مسرح الحياة. مبرهنين بخطوات واثقة أن سورية ستبقى مسرحاً للحياة، وخشبةً على طريق العُلا، لا مسرحاً للحرب والدمار والدماء. كما يثبت السوريون يومياً أنهم سيبقون أبناء الحياة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى