شحاذون عبر التاريخ من فرنسا وبريطانيا والباب العالي…!
د. سلوى خليل الأمين
من أعطاهم الحق في أن يكونوا شحاذين باسم لبنان والمواطن اللبناني؟ من منحهم الحق لإعلاء الصوت فجوراً وفبركات إعلانية من أجل امتلاك المال والسلطة التي منحت لهم عن طريق شراء أصوات الناخبين بوسائل معروفة؟ هل أصبح الوطن والمواطن اللبناني سلعة في سوق نخاستهم يبيعونه ويشترون به المناصب التي تخوّلهم الصراخ وإعلاء الصوت باسم حرية الوطن وسيادته واستقلاله؟ عجباً لهكذا شعب يقبل بهكذا مسؤولين يشترونه بحفنة من الدولارات المشروطة بالإذعان وبيع الضمائر، وأخيراً لا أخراً استغفال المواطن والضرب بعرض الحائط بكرامته وكرامة الوطن!
تباً لكم أيها الأنجاس المناكيد، شياطين الغفلة، وزعماء الدهر المنكوب بهكذا قادة معبودهم المال حين الوطن على شفير الهاوية والمواطن يشكو الفقر والعوز والمرض، فلو شرحنا أصولكم وأنسابكم لوجدناكم كما أولئك الذين يطعمونكم الدولار، مغلفاً بأمر اليوم المذلّ، الحامل كلّ العار لوطن الأرز لبنان، كما حصل مع أسيادكم ومن سبقكم الحاملين العار لأمة العرب بأحلافهم المستمرة مع «إسرائيل»، ومع كلّ من تآمر على فلسطين وجعلها «وطناً» لبني صهيون وشوكة في خاصرة دول الصمود والتصدّي وعلى رأسها سورية والمقاومة في لبنان.
لم يكن مفاجئاً للبنانيين ما ظهر من وثائق «ويكيليكس»، فاللبناني المرتهَن لخارج الحدود والمتاجر بقضايا الوطن والشعب هو هو منذ آلاف السنين… شحاذ مال وعميل محترم ببدلة غالية الثمن، فلو اطلع أحدكم على وثائق المحرّرات البريطانية أو الفرنسية التي حرّرت كوثائق دامغة في عهد الانتداب الفرنسي والبريطاني وقبله الاحتلال العثماني لعرف الكثير الكثير مما هو جار اليوم ومكتشف في وثائق «ويلكيليكس»، سأعرض مضمون ما لديّ من نسخ الوثائق الفرنسية التي تمّ الإفراج عنها بقانون يحتم التحرّر منها بعد مرور زمن على تخزينها، وسأعطي أنموذجاً لما ورد في بعضها:
ـ «وثيقة رقم 32 محرّرة في أيلول العام 1709: مرسلة إلى أفندينا وولي نعمتنا المفخم «لن أذكر اسم مُوقّع الرسالة»: يقول فيها: … فبعد تقبيل الأيادي والأقدام والدعاء لسعادتكم بدوام العز وخلود الأنعام آمين يا رب العالمين… إننا في جبل لبنان ندين بدين النصرانية الكاثوليكية وحايطتنا الأعداء من كلّ جانب وهل قدر صاير علينا أكلاف زايده… نترجا من مقامكم العليه أن تنعمو علينا في شوية من الدرهم حتى نستند بها وما لنا إلا الله وسعادتكم ألخ».
ـ وثيقة حرّرت في 9 آيار 1712 مرسلة من بيروت: جناب الغالي حضرة أفندينا الوزير المحترم أدام الله لقاه آمين «ولن اذكر اسم مُوقّع الرسالة أيضاً» وفيها:
بعد تقبيل الأيادي والأقدام والدعاء لسعادتكم بدوام العز… أرسلنا إلى أفندينا وولي نعمتنا سلطان السلاطين عز نصره ودام ملكه… تنعمو على عبدكم بخلعة شريفة لنفتخر بها بين هذه الأمم، ومعلوم سعادتكم أننا هل قدر صاير علينا خصاير وأكلاف… فالمرجو دايما ألا تخرجونا من الخاطر الشريف مع أنه يحدث خدمه تشرفونا بقضاها الخ…
وثيقة ثالثة تبدأ بالذلّ ومطلعها: … يعرض لدى سيادتكم السامية الشرف بعد تقبيل الركاب السعيد هو أني عبدكم… بأنه في اليوم العشرين من شهر كانون الأول 1753 انتقل إلى رحمته جدي الذي تشرفت السدة الملوكية بخدمة عز التاج العلي ترفعه إلى رتبة… ولا وارث شرعي يرث أمريته سواي ومن حيث أني لا أقدر أنجح إن لم أحوز الشرف الملوكي الذي كان مشرفاً به جدي إلخ…
هذه الوثائق الموجودة في مكتبتي والتي تمّ الحصول عليها من فرنسا التي أفرجت عن أصولها كما هي عادة الدول التي تفرج عن وثائقها أو إتلافها كما هو متعارف عليه في الدول التي تتقن الأصول المعرفية السياسية، لدرجة أنّ كلّ من يخون وطنه يظنّ أنه بمنأى عن «كشف المستور»، وأنّ أفعاله الخيانية ستبقى طيّ الكتمان، لهذا يبيع ويشتري بالوطن والمواطن عبر بازارات تتقنها السفارات المعتمدة، التي تتقن إدخال بعض الناس في دائرة العمالة وخيانة الوطن، أكانوا من رجال السياسة «رؤساء ووزراء ونواب» أم رجال إعلام وأصحاب مؤسسات صحافية، أم من أهل الثقافة والجمعيات الأهلية أم من جماعة أصحاب المؤسسات الاقتصادية، أم من أهل البلد المرموقين اجتماعياً، والهدف: إما الحصول على المعلومات التي تخوّلهم الدخول إلى الوطن من الباب العريض ومصادرة الرأي والحرية عبر مصادرة الصحف لصالح سياساتهم الخرقاء، وإما خراب الوطن وتفتيته وتقسيمه عبر بث الفتن الطائفية والمذهبية، عبر السير بالشعار الاستعماري « فرّق تسد» إلى نتائجه المرجوة، وهذا الذي نراه مستمراً في لبنان منذ العهد العثماني الذي علق الأحرار على المشانق، حيث أنّ زعماء اليوم المرتهنين لدوائر المال والقرار السعودي والقطري أمروا بتحويل الساحة التي أعدم فيها أولئك الأحرار وتغيير اسمها من ساحة الشهداء إلى «ساحة الحرية».
ترى عن أيّ حرية يتكلمون، وعن أيّ سيادة يدافعون، وهم الذين ساهموا في تفعيل القرارات الدولية من الـ1559 إلى 1701 التي عرقلت المسارات الوطنية وساهمت في تخفيف الوطء على العدوان «الإسرائيلي» للبنان في العام 2006 محمّلة عواقبه إلى حزب الله ومقاومته الشريفة التي أحرزت نصراً مظفراً للبنان رفع رؤوس العرب بين شعوب العالم قاطبة، بما فيها شعوب الخليج، حين ساهم المرتشون بالمال السعودي إلى المزايدة على انتصار المقاومة وطالبوا بنزع سلاحها، إضافة إلى وقوفهم ضدّ عروبة سورية ومساهمتهم في تمزيقها، وقبلها في الموافقة على احتلال العراق، واليوم يبرّرون الحرب على اليمن ويساندون خراب ليبيا وتونس وزعزعة كيان مصر… وكلّ ذلك من أجل المال الذي يتوسّلونه عبر رسائل لا تمتّ إلى نظافة ضمائرهم بأيّ صلة.
فأين نحن من ماض عريق سجل في سجلاته تواريخ القادة الأبطال من عظماء هذه الأمة من يوسف العظمة إلى فارس الخوري إلى سلطان باشا الأطرش إلى ابراهيم هنانو إلى أنطون سعاده الذي أعدموه لأنه رفع الصوت عالياً بالقول: «نحن نرى الحياة حرية وعزاً ولا نراها غير ذلك قط»، إلى جمال عبد الناصر الذي قال: «ما أخذ بالقوة لا يستردّ بغير القوة»، إلى حافظ الأسد الذي طالما ردّد قوله عن «إسرائيل»: «مثل هؤلاء لا يقفون عند حدّ ولا يرعون إذا لم تردعهم الشعوب المؤمنة بحقها».
لهذا يجب القول وبالصوت العالي: أين نحن اليوم من دعم قادة عظماء أبوا الإذعان والانبطاح أمام جبروت المال والسلطة الكونية وتمنطقوا بالنضال طريقاً إلى الحرية والسيادة والحفاظ على الاستقلال، وهم يتمثلون اليوم بالرئيس الدكتور بشار الأسد وسماحة السيد حسن نصرالله القابضيْن على الجمر الحامليْن الحق راية تعلو ولا تنهزم، والزعيم الوطني الذي لم يمالئ ولم يخادع وحمل كلمة الصدق مساراً ومسيراً، العارف حدود الخصام والوفي للصداقة القائمة على تأمين سيادة الوطن الحقيقية التي لا تشرى من سوق النخاسة، عنيت الجنرال ميشال عون، بحيث يقفون علناً ضدّ توليه رئاسة الجمهورية، ويخافون من طرح الأمر على الاستفتاء الشعبي، لأنهم يعرفون خبايا أنفسهم القائمة على خداع الناس والتهويل عليهم، والسبب هو خوفهم من كشف فسادهم وإفسادهم الذي لم يلوث أحرار هذا الوطن.
شكرا لإدارة «ويكيليكس» التي فضحتهم بالعلن، علماً أنّ أعمالهم مكشوفة، ومساراتهم لا تخفى على أحد، وقصورهم ومؤسساتهم شاهدة على جيوبهم المتخمة بالمال الذي لا يعرف النظافة، نظافة الضمير ونظافة المواطنة، لهذا لا يحق لهم بعد الآن إعلاء الصوت والمجاهرة بالحرية والسيادة لأنهم شحاذون بالفعل… وعن سابق تصوّر وتصميم.