الحيّ الدمشقيّ العتيق يراكم الصور في الذاكرة
دمشق ـ ميس العاني ومحمد الخضر
لم تتسع لها الأحرف والكلمات فلجأت إلى اللون لتحكي الفنانة التشكيلية تهامة مصطفى باللون ما ينسجه خيالها من قصص على سطح اللوحة البيضاء، ناقلة مشاعرها بواسطة الريشة. فالرسم بالأسلوب الرمزي والواقعي يطغى في لوحاتها، إذ يساعدها على ترجمة أحاسيسها على نحو قصصي، فتحمل اللوحة لديها قصة تعبيرية ويصل الرمز فيها إلى كثير مما تحمله عواطفها. ويحمل ضوء الصباح إلهاماً لبدء رحلة الرسامة في عالم واللون. تقول: «عندما يأتي الصباح تتحرك شجوني، خاصة أنني أسكن في بيت عربي في حي القنوات الدمشقي العريق، ضمن فضاء سماوي مفتوح. فضلاً عمّا تراكم في خيالي وذاكرتي من صور أحتفظ بها منذ الطفولة وأضفت إليها ما تكوّن عبر مسيرة العمر.
حين تتدافع في داخلي تلك الرؤى عبر الحالة النفسية الشعورية لا أتمالك نفسي، فلا بد لي من الرسم وليس مهماً المكان الذي أرسم عليه وإن لم أجد ما يستوعبني ويتسع للبنية الفنية التي سأكونها، يمكن أن أرسم على الطاولة أو على أي شيء قريب مني إذ أشعر بأن الموهبة الفنية لا تسامحني إذا تأخرت عنها». ولا تخفي عملها كمدرسة للرسم في مسيرتها كفنانة تشكيلية، مشيرة إلى أن ما دفعها إلى الاستمرار في تشكيل لوحاتها هو متابعة ما يدور حولها من حالات إنسانية واجتماعية من خلال احتكاكها بالطلاب وعملها التدريسي، معتبرة للمعارض التي شاركت فيها الدور الفاعل في محاولاتها الجادة لأجل التطور الفني وتكوين ثقافة بصرية تساهم في مساعدتها أمام أي حالة فنية تصادفها حول دخول تقنيات الكمبيوتر ببرامجه المختلفة بقوة عالم الفن التشكيلي تقول: «لم أتمكن كفنانة من الاقتناع بتشكيل فني على جهاز الكمبيوتر، فهذا النوع لا أراه فنا إنما هو خبرة تثقيفية قد يملكها أي شخص يصل الى مستوى ما في معرفة تقنيات الكمبيوتر، وإن تكن هذه التقنيات تؤدي أحياناً أشياء جميلة، فهي خالية تماماً من المشاعر وهي في الأساس المكوّن الأول للوحة. وثمة فرق ليس قليلاً بين ما يشكله الخبير على جهاز الكمبيوتر وما أشكله أنا أو أي فنان على سطح اللوحة عبر انتقاءات الألوان، وهذا يتطلب انتقاء فنياً للألوان لا يقتصر على تشكيلات قليلة، فالفن الحقيقي ينبغي أن يتكون من عالم تتصارع فيه الألوان وتصل إلى ألوان جديدة وأفكار إبداعية ورؤى تفتح آفاقاً جديدة لدى الناظر إلى اللوحة، خاصة الألوان الزيتية التي تملك قدرة أكثر على التعامل مع المواضيع الفنية، إضافة إلى الأكرليك الذي يُنتج عبر تفاعله مع الألوان الزيتية تراكيب فنية ترقى إلى مستوى الإبداع تختلف عن سابقتها وتؤدي إلى نتائج ترتاح إليها نفسياً عندما تفرغ منها».
عن مشاريعها المستقبلية تشير مصطفى إلى أن المعرض المقبل الذي تهيّئ له يحمل رؤى جديدة، وترى أن الربط بين الأصالة والمعاصرة ضرورة لتطوير الفن، مثلما تربط في لوحة بين الحصان العربي الأصيل والانسان وما بينهما من رابط أخلاقي يرقى بمجتمعنا إلى مستوى أخلاق الفرسان. وترى الفنانة أن الاهتمام بالساحة التشكيلية لا يؤدي إلى نتيجة مرضية ولا يصل إلى مستوى الفن التشكيلي السوري وإن أقيم عدد من المعارض التي لا تحظى بالمتابعة والتركيز المطلوبين، إضافة إلى وجود اسماء فنية تستحق تسليط الضوء عليها، ويجب أن ندرك أن الفن التشكيلي ذو رسالة خالدة.
الجدير ذكره أن الفنانة تهامة مصطفى خريجة كلية الفنون الجملية في دمشق، وعضو في نقابة الفنانين التشكيليين، وشاركت في عدة معارض جماعية.